الزيارة التاريخية
مصطفى وهبي التل
في مساء 14 تشرين الثاني من عام 1977 بثت إحدى محطات التلفاز الأمريكية مقابلة لشاه #ايران، محمد رضا #بهلوي، قبل لقاء (القمة) المقرر له مع الرئيس الأمريكي جيمي #كارتر صباح اليوم التالي.
في ايران وتعقيبا على هذه المقابلة التلفزيونية (صالت وهاجت) الصحافة ووسائل الاعلام المختلفة. وتصدرت كلمات مثل فطنة الشاه وعبقريته وصراحته عنواين المقالات. حتى أن البعض تحدث عن دروس الشاه وإبهاره للعالم ورسائله للمستقبل. كتاب الاعمدة في الصحف الايرانية (طبلوا وزمروا) وتسابقوا في (التسحيج) للشاه ودوره ليس فقط المحلي بل الاقليمي والعالمي أيضا، ولم ينسوا ان يشيدوا بمكانته العالمية التي خطفت الأنظار.
في اليوم التالي استقبل الرئيس الأمريكي الشاه في البيت الأبيض استقبالا حافلا بينما تظاهر الالآف خارج البيت الأبيض ضد الشاه وزيارته، وتظاهر أيضا مؤيدون للشاه بتنظيم وتجهيز الحكومة الايرانية وسفارتها في واشنطن (غالبيتهم من موظفي السفارة وعائلاتهم وأيضا مئات من المبعوثين على حساب #الحكومة #الايرانية وتم تغطية تكاليف حضورهم لواشنطن من انحاء #أمريكا).
لم (تعكر) المظاهرات خارج البيت الأبيض (مزاج) لقاء القمة داخله. بل استغل الرئيس كارتر تواجدها ليشيد بشجاعة الشاه ورباطة جأشه أثناء المؤتمر الصحفي الذي تلا اللقاءات في البيت الأبيض. هذا، طبعا، بعد أن تبادل الطرفان أثناء المؤتمر المديح والتأكيد على عمق الصداقة والعلاقات بينهما كأشخاص وبين ايران وأمريكا كدول.
لكن الرئيس كارتر خزن أكثر عبارات المديح والشكر لاستخدامها في العشاء الرسمي في نفس الليلة والذي لا يقام في العادة إلا لأصدقاء أمريكا المقربين (يعني الرؤساء او الملوك ال VIP). تحدث الرئيس كارتر على مائدة العشاء عن روابط الصداقة والتاريخ التي تجمعه مع الشاه وتجمع البلدين كما تحدث الرئيس كارتر عن الاستمرارية ودوام هذه الصداقة في الحاضر وفي المستقبل. تحدث الرئيس كارتر أيضا عن التحالف العسكري بين البلدين غير القابل للكسر او الإيقاف وكيف يخدم هذا التحالف بقية العالم. قال الرئيس كارتر عن ايراه انها دولة مسالمة دون اطماع وأن نفوذها انتشر بسرعة بسبب قيادة الشاه العظيمة (هذا وقد كرر الرئيس كارتر هذه الكلمات وأكدها خلال العشاء الرسمي الذي اقامه شاه ايران على شرفه بعد حوالي شهرين في طهران. وقال الرئيس كارتر وقتها ان ايران هي الجزيرة الآمنة في منطقة ملتهبة بسبب قيادة الشاه وحب واعجاب الشعب الايراني له).
وإذا كانت الصحافة والاعلام الايراني قد (صالت وهاجت) بعد مقابلة الشاه التلفزيونية في أمريكا فبالطبع (طار ضبان عقلها) بعد الاستقبال الحافل للشاه من قبل الرئيس كارتر وبعد المديح المتبادل في العشاء الرسمي ولا ننسى بالطبع اللقاء العائلي الحميم، والذي جمع العائلتين وظهرت به زوجة الشاه الشهبانو فرح بهلوي وهي تداعب حفيد الرئيس كارتر. كل هذا جعل الاعلام الايراني يمثل هذه الزيارة ليس على أنها زيارة رسمية بل على انها زيارة بين أهل وأصدقاء. لكن ما هو الهدف؟ الهدف كان إرسال رسالة واضحة للشعب الايراني ولحركة الاصلاح في ايران: لا تنتظروا أي تغيير أو أي اصلاح حقيقي. الشاه هو رجل أمريكا في المنطقة وهو مقرب للرئيس واصحاب الرأي في أمريكا و(موتوا) في غيظكم.
انتهت الزيارة التاريخية لكن قصتنا لم تنتهي. دعونا نقفز سنة و شهرين فقط بعد هذه “القمة” وبالتحديد شهر كانون الثاني 1979 لنجد الشاه وجماعته يتوسلون “للصديق” و”الحليف” لقبول لجوء الشاه وعائلته في أمريكا بعد أن تخلى عنه أصدقاء الأمس بلحظات وسمحوا لنظامه بالسقوط دون أي دعم أو أي مساندة. رفض الرئيس كارتر حتى استقبال المكالمات وكان حازماً بعدم رغبته دخول الشاه الاراضي الأمريكية. بالتالي اضطر الشاه وعائلته ان يتنقلوا من بلد إلى بلد بحثاً عن مكان يأويهم دون جدوى. لكن، أخيراً، وبسبب ضغوط من اليمين الأمريكي وبسبب الحالة الصحية للشاه، سمح الرئيس كارتر للشاه الدخول إلى أمريكا فقط لفترة تلقي العلاج ومن ثم طلب منه ومن عائلته المغادرة ليموت الشاه مغموما وحيدا في القاهرة بعد سنة.
درس “ملك الملوك” لا يقدر بثمن: لا تنخدع أو تحاول أن تخدع شعبك بحفاوة الأمريكان نحوك.