سواليف
وقع الزميل خالد #سامح أمس في المتحف الوطني للفنون الجميلة بجبل اللويبدة روايته الأولى ” #الهامش “، والصادرة عن منشورات ” #ضفاف” في بيروت و”الاختلاف” في الجزائر، وتتناول التحولات التي شهدتها عمّان والمنطقة العربية على صعد مختلفة في الفترة التي تلت احتلال العراق، وذلك من خلال علاقة تنشأ بين صحفي أردني ومترجمة عراقية فارة من جحيم العنف والارهاب في بلدها.
وتضمن الحفل الذي حضره نخبة من المثقفين شهادة وقراءة في الرواية قدمها الأديب القاص هشام البستاني، وتناول فيها العمل مضموناً وأسلوبا، وجاء في قراءته:
حسنًا فعل خالد سامح حين اختار لروايته عنوانًا من كلمة واحدةٍ مُكثّفة تختزلُ في طيّاتها أبعادًا عدّة، فـ “الهامش” الذي أراد له الكاتب أن يصير متنًا، ظلّ إلى حدّ كبير مُخلصًا لوضعيّته التي يرتبط بها ارتباطًا عضويًّا، ومن زوايا متعدّدة: فالمدينة التي تدور فيها الأحداث، عمّان، تقع –غالبًا- على هامش التّفاعلات الإقليميّة، تتأثّر بها ولا تُؤثّر؛ والفرد فيها هو هامشٌ آخر على هامشها، مسلوخٌ عن إمكانيّاته السياسيّة والاجتماعيّة بواسطة سلطةٍ تحتكر الحُكم وتَفْرُمُ -في سعيها لترسيخ ذلك الاحتكار- أيّة إمكانيّة لنضوج السّياسة والاجتماع، وموجودٌ في سياقٍ لن يساعده أبدًا (بل هو عقبةٌ في طريقه) إن أراد وقرّر التّغيير، إذ سيصطدم، أوّل ما يصطدم، بجدار تصحّر الواقع الموضوعيّ نفسه، قبل أن يصطدم بالتيّارات السياسيّة الانتهازيّة بشعاراتها الفارغة.
وعن الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية الصحفي الأردني حازم والمترجمة العراقية لهيب، قال البستاني:
الشخصيّة الرئيسيّة في الهامش موغلةٌ في وضعيّتها الهامشيّة، فحازم، وإضافة لكونه جزءًا من عمّان، وجزءًا من مشهدها السياسيّ الديكوريّ العاجز باعتباره ناشطًا تقدّميًّا، هو أيضًا صحفيّ، خاضعٌ لأوامر رئيس التّحرير الذي يتلقّى بدوره الأوامر من الجهات المسؤولة والدّوائر الامنيّة، وتعبّر صحيفته عن وجهة نظر السّلطة ولا شيء غير ذلك، وسيضطرّ (من أجل لقمة العيش) أن يُساير ويُسايس ويُناور ويتحمّل، مُعمّقًا –في خضمّ ذلك- كراهيته لنفسه، واعيًا قيامه بتسوياتٍ تناقضيّة يُضطرّ إليها، لكنّها تُكسّره وتُشظّيه وتذلّه أمام نفسه، وتضعه وجهًا لوجه أمام واقعه الهامشيّ المُرّ؛ وفوق هذا الوضعيّة المركّبة، يظهر ضعفه أمام لهيب، المرأة العراقيّة القويّة، التي لم تكسرها نتائج الغزو الأميركيّ للعراق وما تلاه من حروب طائفيّة، ولم تحطّمها تجربتها الشخصيّة المأساويّة، بل صلّبتها وشوّهتها في آنٍ معًا. ينجذب حازم الضّعيف إلى مصدر القوّة المُشوّهة ذاك، لكنّه –طبعًا- سيحترق بلهيبه ويضيع، ففي عالم الأقوياء، حتى أولئك منهم الذين دعستهم المأساة ثمّ خرجوا من رحمها بعد أن فهموا اللّعبة متأخّرًا، أو اضطرّتهم ظروفهم لفهمها والانخراط فيها، لا مكان للضّعفاء والهامشيّين.
وتابع حول الأمكنة التي تدور فيها أحداث الرواية:
تستحضر الرّواية هوامش أخرى إلى جوار الهامش المركزيّ، فبعض أحداثها تدور في الزرقاء، المدينة التي توسّعت بشكل سريعٍ وفوضويّ هي الأخرى دون أن يكون لها امتياز المخصّصات الماليّة والتنظيميّة التي للعاصمة، ومن ذكاء الرواية أنّها تلتفت إلى أن هامش الهامش هذا قد أنجب (ويا لسخرية الأقدار) شخصيّة محوريّة ومركزيّة في تاريخ تقلّبات المنطقة ومصائر سكّانها: أبي مصعب الزرقاوي؛ ومن ذكاء الرواية أيضًا أنّها لا تتتبَّع المكان الزرقاويّ من حيث هو جغرافيا مكانيّة، بل من حيث هو تفاعل مجتمعيّ، بوتقةٌ تتركّز فيها مختلف النتائج الاجتماعيّة للقهر والقمع والفقر والفساد، تنفقئ –بين حين وآخر- كالدّمامل المُتقيّحة، تاركةً ندوبها في ذهن “بطل” الرواية، مرّةً على شكل انتحار، وثانيةً على شكل جريمة شرف، وثالثةً على شكل انخراطٍ في صراعات المنطقة العنيفة عبر تنظيم “إرهابيّ”، ورابعةً عبر حبيبةٍ صارت زوجةً ثانيةً لثريّ مُقيم في السعوديّة، وهكذا.
وإن كانت عمّان هامشًا فيما يتعلّق بالتأثير على الأوضاع المحيطة بها، فهي رغم ذلك مركزٌ لجهة امتصاص آثار النتائج وتفريغها وتصريفها، وتلفت الرواية إلى ذلك عبر تركيزها على تجربة اللّجوء العراقيّ إلى عمّان إثر غزو العراق عام 2003، ومفاعيل تلك التّجربة بالمعاني الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وأيضًا عبر شخصيّة حسن، حارس العمارة المصريّ، الذي يَعرف عن سكّان العمارة التي يقيم فيها حازم (والحيّ، وربّما المدينة) أكثر مما يعرفون هم عن بعضهم، ويمثّل (من خلال مئات الآلاف من نظرائه العمّال) مجتمعًا عميقًا مسكوتًا عنه في الأردن، غير مرئيّ، مثله مثل مجتمعات عاملات المنازل المهاجرات، وعمّال المناطق الصناعيّة المُهاجرين، ما يعطي رواية الهامش نفاذًا إلى المزيد من الهوامش المُركّبة.
وعن أسلوبية التعبير في الرواية ومستواه الفني، قال البستاني:
يُحسب للرواية أسلوبها الأدبيّ السّلس، وواضح أن كاتبها قد استفاد من اشتغالاته القصصيّة الأربعة التي سبقتها ليشحن كتابته الروائيّة بالكثافة والرمزيّة. كما يُحسب للرواية توظيفها الموفّق لعدّة عاميّات عربيّة، محليّة من بيئات مختلفة، وأخرى من العراق ومصر، ما يعطي مفهوم “تعدّد الأصوات” بُعدًا جديدًا. وعلى خلاف الكثير من الرّوايات التي تدور أحداثها في عمّان أو الأردن، وتستحي من توظيف أسماء الأماكن والأحياء والمطاعم، أو يكون توظيفها لها مُدّعيًا أو مُقحَمًا أو محدودًا، يوظّف مؤلّف الهامش بشكل جيّد أسماء أماكن وأحياء ومواقع مُتعدّدة في عمّان والزّرقاء، يساعده في ذلك أنّه يستخدم هذه الأماكن لا لذاتها، بل في سياق بحث التّفاعلات الإجتماعيّة والمآلات السياسيّة، فهو يحشد العمق الرمزيّ-الاجتماعيّ-الاقتصاديّ للمكان، ويُحضّر بواسطته الجوّ العامّ والتّفاصيل المُضخّمة لارتدادات أحداث الرّواية وأفعال وتصرّفات شخوصها.
أعقب كلمة البستاني نقاشاً حول الرواية، حيث وجه عدد من الحضور أسئلة واستفسارات حول فن الرواية وموقعه حاليا بين الفنون الأدبية الأخرى، كما توجهو لصاحب الرواية بأسئلة عن مضامينها ومراجعه في صياغة الأحداث ورسم الشخصيات.
يذكر أن خالد سامح حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الجامعة الأردنية ، وهو صحفي في جريدة “الدستور” الأردنية منذ العام 2003 ، وأصدر قبل رواية “الهامش” أربع مجموعات قصصية هي: “نافذة هروب”، “نهايات مقترحة”، “ويبقى سراً”، ” بين سطور المدينة”.