#الزراعة بين #الواقع والتسويف
المهندس: عبد الكريم أبو زنيمة
بداية لا بد من التنويه بأن #الموسم_الزراعي المنصرم كان سيئاً جداً وفاقت خسائره كل التوقعات ، لم يتكلم ولم يشعر أحد مع المزارعين في نكبتهم هذه ، على مدى الاسابيع الاخيرة كان ولا زال صندوق البندورة سعة 12 كغم يباع بالاسواق المركزية بربع دينار (8 قروش /كغم )، ولم يكن السعر طوال الموسم بأفضل حال إذ كان يباع الصندوق بحدود (1 – 1.5) دينار لنفس العبوة أي ان البيع كان بحدود (8 -12 قرش /كغم ) اي بأقل من كلفة الانتاج التي تبلغ (45 قرش / كغم) ! للأسف لم نسمع صوتًا لمسؤول في هذه الحكومة بالوقت الذي كانت تقوم فيه الدنيا ولا تقعد وتستنفر الحكومة كاملة بمواكبة ضجيج وهدير اعلامي وتتخلى عن كل مفاهيم التجارة ومفاهيم العرض والطلب عندما يرتفع سعر البندورة ولفترة محددة جداً لا تتجاوز الاسبوعين من كل عام حتى تصدر الأوامر بوقف تصدير هذه السلعة وينهار سعرها .
سمعنا وقرأنا كثيراً من كبار المسؤولين أنهم سيحولون الاردن الى مركز إقليمي للأمن الغذائي ، استبشرنا خيراً وهذا ما يجب أن يكون أصلاً لما يمتاز به الاردن من توفر كافة الظروف لهذا القطاع ” مساحات زراعية ، ظروف مناخية على مدار العام ، جودة التربة والتنوع الجغرافي ، كفاءة المزارع الأردني ” ، إضافة لذلك فإن الاحداث التاريخية والازمات الدولية تؤكد على أهمية القطاع الزراعي وتشجع على الاستثمار به كمصدر دخل قومي هام وطاقته الكبرى لاستيعاب نسبة عالية جداً من الايدي العاملة ، لكن للأسف يبدو أن هذه الرؤيا ما هي الا مجرد أضغاث أحلام وكلام بالهواء كما يقال وتسويف كما الوعود والشعارات السابقة مثل عام الزراعة وغيرها ! فواقع القطاع الزراعي يعاني من عدة مخاطر ومشاكل أهمها ارتفاع كلف الانتاج وتراجع المنافسة في الاسواق الاقليمية ومحدودية الصادرات للاسواق الدولية وعشوائية الانتاج نتيجة لضعف وهشاشة المظلة لهذا القطاع المتمثلة بالإتحاد العام للمزارعين، كذلك تحكم مجموعة من التجار بأسعار البيع في الاسواق المركزية حيث لا يوجد اية ضوابط للبيع على اساس سعر الكلفة بالحد الادنى، المؤلم هو أننا وبالرغم من كون الأردن بلد زراعي هو عدم وجود صناعات تحويلية زراعية ! فجميع ما نشاهده من معلبات وأجبان وعصائر ومواد غذائية في الاسواق التجارية 95% منه مستورد من الخارج ! وبالرغم من أننا الأكثر استهلاكاً للحمص والفول، فإننا نستورد حتى هذه المواد!
لكي نصبح مركزاً أقليميا للأمن الغذائي علينا قبل كل شيء تذليل كل العقبات التي تعيق بلوغ هذا الهدف وفي مقدمتها تخفيض فاتورة الطاقة للحد الادنى بل ودعمها حكومياً، كذلك ازالة كافة الضرائب والرسوم وغيرها عن مدخلات الانتاج التي ترفع الكلفة الانتاجية ، تنظيم الإنتاج كماً ونوعاً حسب الاحتياجات الداخلية والخارجية والتوسع في استخدام المكننة الزراعية ، والأهم من ذلك توفير البنى التحتية للشحن البري والبحري والجوي الامر الذي يتطلب التكامل مع الدول العربية الشقيقة وخاصة مع سوريا التي تشكل عقدة ربط للشحن البري والبحري مع تركيا واوروبا وروسيا وشمال افريقيا ، وأن لا يترك الأمر للتقلبات السياسية كما عشناها خلال 12 عاماً الماضية من اغلاق للحدود السورية مما عرض القطاع الزراعي لأسوأ مأساة عبر تاريخ الاردن ، هذه المأساة أخرجت ما لا يقل عن 40% من المزارعين من العمل بهذا القطاع وبيعت الاف الوحدات الزراعية نتيجة تراكم مديونية المزارعين ، يجب أن تكون في مقدمة اولويات البنى التحتية للتصدير الزراعي الشروع فوراً ببناء مطار للشحن ، هذا المطار الذي كان قاب قوسين أو أدنى عام 2009 حين قررت الحكومة إنشائه وحددت موقعه في الشونة الجنوبية وكلفته وجدواه الاقتصادية لكنه تبخر وطواه النسيان ليفتتح لاحقاً مطار وادي تمنه (تمناع) الاسرائيلي كبديل منافس عام 2019 ! يا ترى من هي الجهة التي عطلت بناء هذا المطار ! وهل هي ذات الجهة التي حصرت الشحن البحري بميناء حيفاء لعدم وجود بدائل ! وهل يعقل أن تتقاضى الملكية ضعفي أجور الشحن التي تتقاضها العال الاسرائيلية للمنتوجات الزراعية ! أليس في ذلك توجيه للمزارعين الشحن عن طريق الموانئ والمطارات الاسرائيلية ! وهنا لا بد من الاشارة بأن تجاراً من اسرائيل يشترون سلع زراعية من الاردن ويعيدون توضيبها وتعبئتها وتصديرها وخاصة لاوروبا على اساس انها ذات منشأ اسرائيلي !
علينا تفعيل عمل سفاراتنا بالخارج وتشبيكها مع وزارة الزراعة لتزويدها بالبيانات واحتياجات الاسواق الاقليمية والدولية لعقد الاتفاقيات الزراعية مع الدول الشقيقة والصديقة وتطوير وسائط النقل البري والبحري وخاصة الموانيء السورية ، من المهم جداً تطوير قانون اتحاد المزارعين ليشكل مظلة مرجعية وتتنظيمية وادارية وخدمية وتسويقية واعلامية للمزارعين وكذلك إعادة تشكيل المجلس الزراعي الاعلى؛ على أن يكون 70% من اعضاءه مزارعين ممتهنين بصلاحيات مالية وادارية واسعة وتقديم كل أشكال الدعم لوزارة الزراعة وخاصة اقرار تشريعات خاصة تحررها من البروقراطية الادارية والمالية تمكنها من تنفيذ رؤيتها وخطتها الاستراتيجية التي تضمنت الكثير من الاجراءات الكفيلة باحداث نقلة نوعية لهذا القطاع وتطويره مع ضرورة مراجعة وتقييم مراحل التنفيذ ومعالجتها وتطويرها دورياً .