الرقاصة والفيلسوف في عصر زيت الكاز

الرقاصة والفيلسوف في عصر زيت الكاز
بسام الياسين

{{{ الوطن العربي يرقص،كطائر أُصيب بطلقة في جناحه،فهوى مضرجاً بدمه بلا مظلة. لا غرابة،فالساسة يرقصون على مزامير داوود،الكُتاب يُطبّلون للحكام و يقولون ما لا يفعلون، فيما المواطنون يهزجون على انغام الخيبة من جوعٍ وبطالة.خلاصة الخلاصة، ان السقوط عنوان المرحلة العربية. ترمب يفرض الجزية على العربان لكنه لا يجرؤ ان يخدش كرامة ايران بشوكة وردة، ووزير خارجيته بومبيو، يتراجع عن تهديده بسحقها و استعداده لزيارة عاصمتها طهران،في حين يجوب الغلام كوشنر العواصم العربية ليفرض شروطه ثم يسأل ضاحي خلفانً :ـ لماذا امريكا اسدُ علينا و ارنب مع ايران ؟!. ببساطة :ـ لاننا في زمن المهانة والرداءة }}}.

جلس الفيلسوف الاصلع على المقعد الوثير في « فيلا » الراقصة محاسن.خلع نظارته السميكة التي تخفي في عيون صاحبها حزنا عميقاً على امة دفنت كرامتها ووجهت بنادقها الى نحور بعضها بحجة محاربة الارهاب بينما تتراكض ذليلة صوب عدوها التاريخي اسرائيل لبناء سلام كاذب ومكذوب.القى الفيلسوف الكتاب الذي بين يديه :ـ “جمهورية افلاطون” على الطاولة ثم راح ينفث دخان سيجارته على شكل حلقات في جميع الاتجاهات. ما هي الا لحظات حتى هبت نسمة عطر ثقيل تعلن عن قدوم الراقصة، وبيدها زجاجة نبيذ معتق، وكأس من الكريستال. وضعت “العدة” امامها، فيما كانت ترتدي لباساً “شفافاً” يمكن ان طويه ودسه في علبة كبريت.

بعد ترحيب مقتضب.قالت الرقاصة : تشرب ايه “يا حبة عيني” ؟! .رد عليها : “وجعلنا من الماء كل شيء حي” ثم اخذ يعب من زجاجة صغيرة مكتوب عليها : ماء “ايفيان الفرنسي”،كانت موجودة على الطاولة قبل دخوله،وبعد ان افرغ ما في الزجاجة في جوفه كجمل اجتاز الربع الخالي دون ماء.

التفت نحوه وقالت بدلع : انا عايزة افهم يا سي افلاطون ليش عمالك تهاجم الرقص الشرقي،كأنه في بينك وبينه ثأر مزمن ام ان هناك عقدة مخبوءة في داخلك تريد تفريغها بالرقص و الراقصات!.

– الفيلسوف: لا..يا ستي: انا رجل حضاري لا أؤمن مطلقاً بالثأر، كما انني خالٍ من العقد النفسية،لان علم النفس ملعبي ،و استطيع مساعدتك ان كنت تعانين من مشكلة ما. لكن الرقص الشرقي ـ بنظري ـ فن رخيص،هو اقرب للرزالة منه للفن، لما يحمله من اثارة دونية، باسلوب بدائي مبتذل.ناهيك انه مجرد حركات غير مدروسة لا معنى لها.

*الراقصة : لا..يا سي افلاطون،الرقص فن محترم ،فالرقاصة المحترمة ” محترمة ” سواء كانت في كباريه ام في مسرح بالية ـ ما هو….كله هز بهز ـ .

– الفيلسوف: ارفض هذا الطرح السوقي . فالباليه لغة تعبيرية ولوحة فنية جميلة لها شروطها ومدارسها وتحتاج الى تمارين مكثفة وشاقة وليونة غير عادية.لذلك يبدأ تعلم البالية منذ الطفولة،وتتوقف في مرحلة ما ، بينما الرقص الشرقي خارج على كل القوانين. مجرد تناغم بين هز الارداف وحركات الصدر مع ضربات طبل اجوف،هدفها تفجير غريزة دونية.

*الراقصة : الله عليك ” يا بو عقل جنان “…. الفيلسوف ده، مخه ضارب يا ناس .الرقص هو الرقص. تعال شوف الناس في الكباريهات فوق بعضها،وما فيش طاولة فاضية،و روح تفرج على المكتبات جرداء مثل صلعتك،و فاضية زي جيبتك.

ـ الفيلسوف: صحيح يا محاسن ان رواد المتعة كثيرون ،بينما اصحاب الفكر قليلون، لكنهم خالدون.

* الراقصة: لا مش صحيح “يا دلعدي”. تحية كاريوكا و فيفي عبدة ونجوى فؤاد – حيظلوا – اهرامات حتى لو صارت عظامهم مكاحل، مش زي الفلاسفة بتاعك “وجوهم ” تجيب الفقر .

ـ الفيلسوف : صحيح يا سيدتي. الراقصة اكثر دخلاً من الكاتب والفيلسوف ودكتور الجامعة ،و حتى العالم النووي مع انها لا تبذل جهدا سوى هز بطنها وتعرية صدرها.هذه معادلة مقلوبة ومعيبة .

* الراقصة : “يا خواتي” الفيلسوف ده عقله لسع.. إحنا بنتعب ونشقى طول الليل،ونفتح قناني حتى وش الصبح،اما الفلاسفة بتوع اونطة وشغل كلام ،لو تعمل معروف معاهم، و تجيبهم عندي يلموا النقطة بالكباريه من تحتي،علشان ياكلوا لقمة حلوة ترم عظمهم .

ـ الفيلسوف : من المؤسف ان كُتبَ علينا الفقر وهذا ظلم. فالحكومات العربية لا تعبأ بالفكر او العلم وتنفق على الاحتفالات اكثر مما تنفق على البحث العلمي.

* الراقصة : دا انت عملت لي صداع. ما هو كله “يا حبة عيني بيرقص” .. السياسي بيرقص،والنائب بيرقص، والكاتب بيرقص، والمثقف بيرقص،والمعارضة بترقص ،والموالاة بترقص… ما تيجي نرقص و بلاش فلسفة.

ـ الفيلسوف: تمام يا فندم.. هاتي منديلا ً، واربطيه على خصري حتى اهز على رائعة نزار القباني “انا يا صديقةُ متعبٌ بعروبتي / فهل العروبةُ لعنةُ وعقابُ / في عصرِ زيتِ الكازِ / يطلبُ شاعرٌ ثوباً / وترفلُ في الحريرِ قحابُ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى