الرزاز بين سندان الحكومات السابقة ومطرقة الحراك / رندا حتاملة

الرزاز بين سندان الحكومات السابقة ومطرقة الحراك
ليس من المبكر بل لعله من المتأخر جداً التوصل لاستنتاجات لا يشتهيها صانع القرار الفعلي في المشهد السياسي الأردني أو من أشاروا ونصحوا وعملوا على إجراء التعديلات الأخيرة التي تمثلت فيها غلبة العقلية الراديكالية المتسلطة غير القابلة للتفاعل مع المعطيات السياسية المستجدة على الأرض، إضافة لكون الاصلاح بما يمثله من مطلب ملح وضرورة حتمية تقتضيها حاجة الأنظمة السياسية للتطور والتكيف ومواكبة تلعات الشعوب لتتمكن من الاستمرار ولعل الركيزة الأهم التي تحقق ذلك هي التداول السلمي للسلطة عن طريق قوانين تتناسب مع طبيعة تلك الدول وتراعي خصوصيات شعوبها ولا تعني الخصوصية بالضرورة أن ذلك الشعب غير جاهز لممارسة الديموقراطية وتحقيق إرادته في الرفض والقبول إزاء السياسات والقوانين التي تطرحها الحكومة كما أطلت علينا بعض العقول النيرة لتبشرنا بتلك النتيجة غير المبنية سوى على ترهات تدور في أفقهم الضيق ولا يدعمها أي معطى واقعي..
كان ما كان واستجاب النظام لإرادة الشعب وجاءت النتائج أكثر سوءاً من التوقعات حتى أصبح الجميع فوق الشجرة فالحكومة المكلفة المسماة بالرشيقة -ولا أدري ما المقصود بالتسمية – وحتى هذه اللحظة لم يأخذ الرئيس المكلف عمر الرزاز فرصته لتشكيلها وكيف سيتكيف مع طبيعة تصرفات الحكومات السابقة الرعناء تجاه جيب المواطن ، فهو محشور في زاوية ضيقة الأفق ، وفي موقف لا يُحسد عليه كيف سيأخذ وقته لإصلاح تراكمات من الفساد السياسي والإداري والوظيفي عمرها يتجاوز عقوداً من السنين هذه البنية التي خلفتّها الحكومات المتعاقبة على إدارة الأردن وفي ظل مطرقة حراك أعضاء النقابات اللذين تمردوا بالأمس على قرارات نقبائهم ورئيس النقابة هاتفين “باعوها” و “راجعين ع الرابع” والمطرقة الأكثر حضوراً وهي مطرقة حراك الشارع الذي بات يهتف بالأمس هُتافاتٍ تجاوزت الحدود التي نادى بها منذ البداية وبعدما تحول من السلمية إلى طعن أحد أفراد الدرك ، وبين غياب الأحزاب السياسية المؤثرة عن المشهد السياسي الحالي وبين المطالب التي تجاوزت قانون الضريبة وإقالة الحكومة للمطالبة بإلغاء راتب التقاعد للنواب والوزراء وتخفيف النفقات ، وفي ظل غياب المعلومة الدقيقة عن المواطن واستقائه للمعلومات والتحليلات من السوشيال ميديا وجهات الإعلام غير الأردنية ، وعشوائية الحراك الذي لا يوجد فيه شخصيات محددة تقبل الجلوس مع الحكومة على طاولة حوار وتأبى إلا الوقوف بالشارع ، في ظل هذه المعطيات ثمة حالة من الإستعصاء السياسي.
نعم هو الإستعصاء السياسي فالمشهد عصيٌ على القراءة فكيف للرزاز أن يعبر هو والشعب من هذه الأزمات المتراكمة وهو الان تحت المجهر ولا يملك الوقت الكافي والشارع يطمح لعصا سحرية تغير القوانين المترسخة

المجلس في الزاوية عند أول كل شهر نستبشر به بقرار رفع جدير وأحيانا في الشهر أكثر من مرة ، الأمر الذي ينعكس على أداء المجلس فيحاول إحراج الحكومة والتضييق عليها ومساومتها على المضي بإقرار القوانين والتشريعات بشكل مستقر وصحي ، ومصلحة المواطن هي الغائب الأبرز عن تفكير كلا الطرفين ، حتى باتت الحكومة الرشيدة منهمكة باسترضاء من تم تعيينهم بالأمس كنواب بالبرلمان لصالحها- دون ضوابط أو أطر تنظيمية تحدد اتجاهاتهم وتضبط إيقاع تصرفاتهم ومدى تفهمهم للواقع السياسي والاقتصادي فالفردية هي السمة الأبرز في ضل اختفاء الاحزاب المؤثرة عن المشهد السياسي- فتارة تتمكن من تشكيل اغلبية تدعم رأيا ما ولا يلبث أن ينفرط عقدها عند استحقاق آخر تصديقا للمثل القائل عدو عاقل خير من صديق جاهل فيضطر صاحب الحكمة للموافقة على شفط دهون هذا وسفر ذاك في مهمة استجمام وطنية على حساب الخزينة الأمر الذي ينبئ عن مدى فشل كل تلك التصرفات الموضعية للحكومة تجاه النواب في تشكيل مشهد متجانس مستقر ويكشف مدى الاستعصاء السياسي الذي تعيشه البلد فالمتتبع للشأن السياسي يلاحظ مدى السوء المفرط لأداء مجلس النواب في ظل حكومة ليست أفضل حالا الأمر الذي يضعنا أمام تحديات أكثر من صعبة إذا لم نغفل حجم التحديات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الاقتصادية والفشل المتراكم للحكومات المتعاقبة ذلك أن الولادة غير الشرعية لتلك الحكومات التي تنزل بالباراشوت من رحم طبقة سياسية عازلة مهترئة أوصلت البلد إلى ما هي عليه ، حتما سيتشدق حماة الفساد وأجناده بأن ذلك التوصيف ضربا من اغتيال الشخصية وجلد الذات وأن ليس بالإمكان أكثر ما كان وسيطلبون منا الكف عن التنظير والمساهمة بتقديم الحلول وهي ليست مهمتنا ولكن يمكننا الجزم بأن من أوصل الجميع إلى الصعود على أعلى الشجرة وأدخل البلد في هوة هذا الاستعصاء العميق هم من كذبوا على الشعب وزوروا إرادته واتخذوا القرار بتأجيل أو ترحيل الإصلاح إلى اشعار آخر تحت أعذار أقبح من كل الذنوب. لا يمكن أن يمضي البلد قدما دون تقييم التجارب وأخذ العبر فقانون الضريبة المقدس عند البعض يمثل كارثة في حق وجود الدولة الأردنية ففي ظله ستزيد الأعباء الإقتصادية وسنرجع القهقرى.
كفوا بلاء أولئك القوم واتقوا الله في هذا البلد وشعبه الذاهب إلى المجهول، ومن المفيد اسداء الأمر إلى أهله أو من بيدهم الحل والعقد فالحل بسيط لم نخترعه ولسنا أصحاب الفضل والمنة فيه على الرغم من غيرتنا على أمن الأردن.
فقط أخرجوا أوراق الأجندة الوطنية من الأدراج فهي وثائق أجمع الأردنيون على حكمتها وأنزلوها إلى أرض الواقع ولا ضير في خسارتنا لرؤية تلك الوجوه التي سيذهب بها حراك الشارع فقد مللنا من الزيف وادعاء الشيء ونقيضه في آن واحد فلا ربيع نعمنا به ولا إصلاح جنينا شيئا من ثماره كلما ما تم جعجعة هادرة لم تسفر عن ذرة دقيق، دعونا لا نختبئ خلف إصبعنا ولنخرج من هذا الاستعصاء فلا خلاص في ظله .
لا نُنَجم إذا تنبأنا بقصر عمر حكومة الرزاز إن لم تعبر من هذه الأزمة بأسرع وقت وإن لم تتكيف مع الظروف الراهنة في ظل قانون لم يلبي تطلعات أحد وأجمع الجميع على أنه قانون لا يخدم المرحلة .
ألا يستحق الشعب الأردني الصابر التفاتة بسيطة نحو مصالح

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى