الرحمة والقانون / جمال الدويري

الرحمة والقانون …
عطل الخليفة الفاروق، رضي الله عنه، حد السرقة وهو قطع اليد، في عام الرمادة، لسوء احوال العامة، وترك الرحمة تسبق القانون، وما انتشر اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، عما جرى في احد مولات عمان، كان يستدعي بالضرورة، حسا انسانيا واجتماعيا، يضع حكمة عمر ووضع الأردنيين الاقتصادي مقياسا، والذي يشبه تماما، ان لم يكن اكثر سوءا من عام الرمادة.
كان على موظفي الأمن ان يكونوا اكثر لباقة وانسانية ومداراة للحالة وكرامة الزبون وهم يتابعونه عبر كاميرات المراقبة، وخاصة بعد ان تأكدوا من انه لم تمتد يده الا لعلبة من الجبن بقيمة 35 قرشا لا غير، غموسا لربطة الخبز الذي دفع اخر ما يملك ثمنا لها.
كان من باب اولى، ان يرسل السيكيوريتي له زميلا او موظفا عاديا، بملابس مدنية، لاصطحابه بهدوء الى غرفة معزولة، ودون شوشرة امام الزبائن، وكأنهم يلقون القبض على كبير الفسدة وناهبي الوطن.
ان صح ما نشر عن الموضوع، فان هناك الكثير مما ينبغي ان يتعلمه موظفوا امن المولات قبل ان يتركوا على خلق الله.
هناك ما يسمى، بعلم النفس العملي، الذي يجب ان يعطى لهؤلاء من اجل ادارة افضل لمثل هذه المواقف، وتقديرا احسن لما امامهم من حدث، وللتفريق الموضوعي بين زبون كهذا، واخر امتهن السرقة واطالة اليد.
اصرار موظفي امن المول على الشكوى على الرجل، حتى بعد وصول الشرطة وتقييمهم السليم للحالة، ومحاولة اقناع المول بتركه وشأنه، يدل على جهل عميق بالتفريق بين ما بين ايديهم من حالة، وبين ما اعتادوا عليه، ربما، من حالات سرقة.
وهنا لا اتحدث تنظيرا او تجاوزا، وانما بخبرة تزيد على ربع قرن من التعامل المهني مع هكذا حالات وغيرها من التجاوز على القوانين والأنظمة، كصاحب ومدير شركة للأمن والحماية والتحقيقات الخاصة، في اوروبا، وكمدرب ومتسوق خفي، في هذا المجال.
ومن منا يشك بتفريق الفاروق بين الحق والباطل؟ ومن منا يشك بتشابه زماننا مع عام الرمادة؟
ومن منا لا يجزم ان ما فعله الرجل المسكين اليوم، ومع انه خالف القانون، لم يكن ترفا ونزعة لأكل مال الغير؟
ومن منا لا يعتقد ان موظفي الأمن الخاص، بحاجة لاعادة تأهيل، او التأهيل اصلا، وتطعيمهم بمسحة من علم النفس الاجتماعي، وتعريفهم بأن حتى مخالف القانون والسارق، له حقوق بالسرية وعدم التشهير.
فلنكن بشرا قبل ان نكن رجالا آليين (روبوتس)، ولتسبق رحمتنا ما غيرها ايها السادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى