الرجل المناسب في المكان المناسب

#الرجل #المناسب في المكان المناسب
موسى العدوان

قد يكون هذا العنوان من أكثر العناوين تداولا نظريا في #العلوم #السياسية والإدارية وبين الناس. ولكن مع الأسف أن لا يجري تطبيقه في الممارسات العملية لدى #الحكومات #العربية، إذ تستبدله بلعبتها المعروفة من #المحسوبية والشللية، بعيدا عن الكفاءة والعدالة. فيعين الرجل المناسب في المكان غير المناسب، في مختلف مفاصل الدولة.
وهكذا يعجز المعيّن المحظوظ، عن القيام بالمهمة المنوطة به، الأمر الذي يؤدي إلى وقوعه بأخطاء تضرّ بمصالح الناس، وتؤثر على بنية وتماسك المجتمع داخليا، وقد تتعدى ذلك في الإضرار بمصالح الدولة خارجيا، والإساءة إلى مكانتها أمام العالم.
لقد نبه الدين الإسلامي قبل ما يزيد على 1400 عام ، من عدم إسناد العمل لغير المؤهلين والأكفاء من المسؤولين، لأن في ذلك ضرر للأمة. فقد جاء في الحديث الشريف، أن رجلا سأل رسول الله ( ص ) عن موعد قيام الساعة، فقال له : ” إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر قيام الساعة “. قال كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : ” إذا أسند الأمر إلى غير أهله . . فانتظر قيام الساعة “.
وهذا الحديث يقدم لنا منهجا علميا بليغا في حُسن الإدارة هذه الأيام. فعندما تسند المسؤولية إلى من هو ليس أهلا لها، ليتصرف بشؤون الناس والدولة بغير روية وحكمة، لاشك بأنه يسهم في تخريب المجتمع وخلخلة كيان الدولة. وعلينا أن نتذكر في هذا السياق أن تخريب الدولة، قد يكون مكشوفا وقد يكون سريا تحت غطاء برّاق. وتأكيدا للتخريب السري سأروي القصة التالية :
تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية خلال حكم الاتحاد السوفييتي، من زرع جاسوس روسي لها في مقر الحكومة السوفييتية. كان هذا الجاسوس مستشارا للرئيس السوفييتي في حينه، وكان من أكثر الرجال نشاطا وإخلاصا في عمله.
وفي وقت متأخر فوجئ الشعب السوفييتي بالكشف عن هذا المستشار المخلص، بأن كان جاسوسا للأمريكان في حكومة البلاد . ولكن لم تثبت عليه أية تهمة، ولم يظهر عليه أي دليل يدينه بالتجسس.
وبعد أن تقاعد وأصبح طاعنا بالسن، أعطاه السوفييت الأمان بعدم قتله، إذا ما أفصح عما كلفه به الأمريكان أثناء عمله السابق. فقال أن عمله كان بسيطا ويقوم على أساس : ” وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب “. فكنت آتي بالمهندس الزراعي وأضعه وزيرا للمالية، وآتي بالطبيب وأضعه وزيرا للصناعة، وآتي بالصناعي واضعه وزيرا للتربية والتعليم. وهكذا كنت أضع كل مسؤول في غير تخصصه، وهذا العمل أسهم في تفتيت وإضعاف الاتحاد السوفييتي من الداخل إلى أن تم انهياره “.
وهذا الطرح يقودني إلى توجيه الأسئلة التالية : ألم تفعل حكوماتنا المتعاقبة، مثل ما فعله المستشار الروسي المخلص في الحكومة السوفييتية؟ ألم تعين صحفيا وزيرا للزراعة ؟ ألم تعين مهندسا ميكانيكيا وزيرا للإعلام وناطقا باسم الحكومة ؟ ألم تعين محاميا رئيسا لهيئة الإعلام ؟ ألم تعين شخصا فشل في الحصول على وظيفة بسيطة في وزارة النقل، وزيرا للنقل؟
ثم ألم تعين شخصا خسر شركتيه بشكل متعاقب، وزيرا للعمل لتستفيد من خبراته في الفشل ؟ ألم تعين أشخاصا كانوا يعيشون لسنوات طويلة خارج الأردن بعيدا عن قضاياه المحلية، وزراء في الحكومات السابقة ؟ ألم تعين من كانوا موظفين في البنك الدولي، وزراء ليسلموا رقابنا إلى بيتهم الحاني السابق ؟ والقائمة تطول . . فهل يعيد التاريخ نفسه مع اختلاف المكان والزمان ؟
في الختام، لا يسعني إلاّ أن أكرّر قول جلالة الملك قبل أيام : ( بكفّي . . خلص . . ) وأضيف عليه، ارحمونا في أفعالكم يا حكومات . . يكفّي تفكيك لبنية الدولة . . أرجوكم أن تحافظوا على الهيكل العظمي للدولة على الأقل، لعل الله يكسوه لحما وينقذنا في قادم الأيام . . !
التاريخ : 14 \ 10 \ 2021
١٨ تعليقًا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى