الراوي علي في التغريبة الفلسطينية

سواليف

الباحث : أسامة محمد أبو احسيان

#الراوي صوت دخيل إلى العمل، يظهر بين الحين والآخر ليروي #القصة ويتابع أحداثها، معلِّقًـا
موضحا وهو “واحد من #شخوص_القصة، إلَّا أنَّه قد ينتمي إلى عالم آخر غير العالم الذي يتحرك
فيه شخصياتها… فبينما تقوم الشَّخصيات بصناعة الأفعال والأقوال والأفكار التي تدير دفَّة العالم

الخيالي المصور، وتدفعه نحو الصراع والتَّطور، فإن دور الراوي يتجاوز ذلك إلى عرض هـذا
العالم كلِّه من زاوية معينة” ( عبدالرحيم الكردي، الراوي والنص القصصي،ص16)

وكذلك نجد الراوي علي في #التغريبة_الفلسطينية له سـلطة مطلقـة
في وصف الأحداث وتوثيقها إنسانيا وتاريخياوثقافيا، فنجده تارة يصف مشهد القريـة بـالنَّظرة العامة، وتارة يقدم حوارا فلسفيا، وتارة يؤرخ الزمان. ولم يقتصر على ذلك فحسب، بـل دخـل
إلى خلجات الشَّخصيات معبر عن حالها.

فيكون الراوي “هو الذي يتولَّى وظيفة التَّصوير والمراقبة، فيمهد لخطاب الشَّخصيات، لكي يتهيأ للعمل الأدبي كي يظهر من خلاله” (سعيد الغانمي، أقنعة النص، ص144)

فنجد عليا يصف حال الجموع التي تشردت من الأوطان ليحلَّ في قلوبهم مصطلح “النَّكبة” وبصمة لاجئ، ويروي الحالة الشُّعورية الصعبة التي تتمثَّل في رحلتهم عبر زمن التَّهجير والنَّفي، والراوي حاضر أيضا في تأملاته في غياب حسن،
ويصف حالته على حجر الانتظار، ويمهد الراوي للحالة النَّفسية عند شخصية “أبو صالح” في عدم اعترافه بانتهاء الثَّورة، وكذلك في الصدامات التي حدثت بسبب زواجه من أم صالح
المدنية، والراوي يصور المشهد بالكلمات والمشاعر، يستنطقها، وهو الأقرب على الشَّخصيات
من أنفسهم، ويكون الراوي بذلك “أسلوب صياغة، أو بنية من بنيات القص، شأنه شأن الشَّخصية والزمان والمكان، وهو أسلوب تقديم المادة القصصية” ( سيزا قاسم، بناء الرواية،ص131)

فقد تتنوع الأساليب ويختلف كلُّ كاتب في إعطاء مفتاح الصياغة للراوي بحسب الشَّخصية والثَّقافة وأشكال التَّفكير لديهم،
وبناء على اعتبارات في شخصيته المستقبلية والتي سيكون عليها يوما ما، فيقول حاتم علي:

“وعلي امتلك ثقافة وقدرة على التَّحليل أهلته أكثر من غيره لإعادة تركيب هذه الحكاية وروايتها والتَّعليق عليها من منظور أستعادي” ( فجر يعقوب، الاستبداد المفرح، ص86)

فعلي يحقِّق تفوقًا دراسيا، ويكمل دراسته الجامعية، ويصبح دكتورا في الجامعات، والكاتب وليد سيف لم يكتف بتلك الاعتبارات فحسب، بل أقنع المشاهد حتى في شخصية علي

الداخلية، من حيث نفسيته ومشاعره وطريقة انفعاله وتقبله للأحداث الواقعة عليه، فمن يلاحظ أن
عليا متردد في قراراته، مصدوما صدمة المثقَّف الذي يقف حائرا بين بيئته والكتب التي درسها،
ونجد أيضا في شخصية علي أنَّه المتأمل مرهف الحس في الطَّبيعة وتأثير المواقف على نفسيته، وهدوئه التَّام والأنانية التي اتَّضحت في بداية العمل، كلُّ هذا يجعل منه راويا يحسن التَّوثيق باللُّغة الفصحى من ناحية ثقافية، والوصف من ناحية التَّفكُّر والتَّدبر؛ بسبب شخصيته الفاحصة لكلِّ كبيرة وصغيرة، وحتى حالة الهدوء التي تجد ضالَّتها به، وتعبر عن ذاتها عن طريق الاختفاء بالراوي، وكذلك تأثير الأحداث على نفسيته، فكان القريب من أحوال الشَّخصيات الأخرى؛ ليعبر
عنها ويشخِّص حالتها الداخلية المتأزمة.

وقد اتَّخذ شكل المعلِّق والمشارك ، “وهو أن يكون أحد شخوص العمل القصصي، فيقدم لنا تفسيره وتأويله للأحداث من خلال وجهة نظره الشَّخصية” ( عدنان خالد عبدالله، النقد التطبيقي التحليلي،85) وهنا يوضح النَّموذج على كيفية
دخول الراوي في مشاعر الجموع، والتَّعبير بلسان حالهم من معاناة وخوف وقلق مستمر،
وتوضح سلطة الراوي في المراقبة ورصد الانفعالات، بل باستنطاق الشَّخصيات ومواكبة
التَّطورات في التَّغريبة.

يقول الراوي علي: “منذ اليوم، سيكون على اللَّاجئ أن يعيش هذه المفارقات الحادة
المؤلمة، موزعا دائما بين حاجاته المادية المباشرة ومطلبه الوطني العام، وما كان لهذين

المطلبين الشَّرعيين أن ينسجما معا -إلا نادرا- فسيطالب بتحسين أوضاعه، ومع ذلك سيواجه كلَّ خطَّة في هذا السبيل بالشَّك؛ خشية أن يكون الثَّمن ذاكرته وقضيته” ( التغريبة الفلسطينية، الحلقة 21)

وهنا “فإن الراوي يعد أداة للإدراك والوعي”( عبد الرحيم الكردي، الراوي والنص القصصي، ص 19)
يعبر عن الحال التي وصل إليها الشَّعب
الفلسطيني، بل حال الشعوب العربية من زعزعة للذَّات وحيرة دائمة بينه وبين الآخر، وبينه وبين ذاته، حوار يحمل دلالات الإحباط والانكسار، حتَّى أصبحنا نقف في المنتصف، وأصبحنا
أقلَّ من الفراغ المنسي، نشك فيما يمنح وفيما يقدم لنا، ونلوم ونجلد كلَّ ما يمنع عنَّا، أصبحنا
نعيش أزمة ثقة وأزمة وعي، ويبقى معلِّقًا دمعة إلى الوراء وطعنة في نصب عينيه إن تقدم، وعلى أي جنب يميل. فعبر الراوي عن الحالة الشُّعورية والنَّفسية التي يعيشها الشَّعب الفلسطيني، واصفًا نوازعهم الداخلية بما يمتلكه من إدراك ورؤية تمنحه الأحقِّية من الكاتب، بأن يعبر برأيه عن حالهم الجماعي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى