الرئاسة أمام المهمة الصعبة
ماهر أبو طير
تكره الحكومات في الأردن، ان يكون هناك مجلس نواب يقف لهذه الحكومة او تلك بالمرصاد، فقد ثبت عبر عشرات السنين، ان الحكومات في الأردن، لا تريد مجلسا مزعجا، يوزع الصداع يمينا ويسارا.
حتى أولئك الذين كانوا يمثلون اتجاها سياسيا، او اتجاها صاخبا، لم يتمكنوا من تغيير العلاقة بين الحكومة والنواب، فهم اقلية على شكل جزيرة صغيرة وسط بحر كبير، وغالبا ما يدفعون ثمن اعتراضهم، بطرق مختلفة، هذا على الرغم من ان الاعتراض والرفض، مبدأ أساسي، مشتق من الرقابة.
رئاسة النواب الجديدة، لن تكون قادرة على تغيير القواعد الناشئة، والمستجدة، وهناك اعتبارات كثيرة، تقف في طريقها اذا قررت رد مجلس النواب الى موقعه، ولهذا فالرئاسة امام مهمة صعبة، اذا افترضنا نيتها تغيير قواعد اللعبة.
أول هذه الأسباب يرتبط بقانون الانتخاب، والنسبة التي تشارك في الانتخابات، ومدى تمثيلها، والأسس التي يتم على اعتبارها التصويت للنواب، فهي أسس شخصية، ونادرا ما تخضع لأسس عامة، وهذا يعني ان مجمل البنية الداخلية لا يؤدي، الا ما ندر، الى انتاج نواب من نوع مختلف، كما ان الاختيار على هذا الأساس، يفترض مسبقا، ان دور النائب، ليس الرقابة والتشريع، بل تكريس النفوذ الاجتماعي، والتعبير عن الحاجة لرجل او سيدة، من ذوي المكانة لديهم القدرة على الاتصال بالحكومة، وحل الإشكالات، وتلبية الطلبات المختلفة.
النائب هنا، يتخلى طوعا عن دوره، فهو يعرف انه اذا مارس صلاحيات الرقابة والتشريع، كما يجب، فسوف يتم اغلاق الأبواب في وجهه، وسيتم اضعافه، وسوف يسقط على الاغلب في قاعدته الاصلية، باعتباره مرفوضا، وغير مقبول.
المفارقة هنا، ان الذين يطالبون بدور فاعل للنواب، هم ذاتهم الذين لا يذهبون للانتخابات، تحت تبريرات مختلفة، ويبقى صوتهم مرتفعا، في وقت لاحق، فيما الذين يذهبون، ويصوتون وينجح مترشحهم، لا يريدون الا نائبا يحقق مصالحهم.
بهذا المعنى تنقسم الكتلة الاجتماعية، ونقف امام مجالس نيابية، تمثل نمطا اجتماعيا واسعا، يعبر عن نفوذه الاجتماعي، وربما يعتبر الاعتراض على الحكومات، نوعا من الصدام والمواجهة، التي لا يريدها أساسا.
الحكومات تدرك هذه القصة، وليس ادل على ذلك، من كونها تقوم بإضعاف النائب، في حال قرر القيام بدوره الرقابي والتشريعي، فقد يقوم به حق القيام، لكنه سيدفع الثمن، من تأثيره او نفوذه، فتنقلب عليه قاعدته الاجتماعية، وفي حالات محدودة تواصل القاعدة الاجتماعية التصويت للنائب، اذا ترشح مجددا، وعلى أساس سياسي برامجي وهذه حالة خاصة، تتراجع في الأردن، برلمانا تلو برلمان.
وسط هذا التعقيد، تأتي الحكومات الى المجالس النيابية، بطلبات وقرارات وقوانين، بعضها غير شعبي، وبعضها مرفوض، لكن النواب في اغلبهم غير قادرين على تعطيلها، او رفضها، وهم هنا بين حجري طاحونة، الأول مطالب قاعدتهم الانتخابية على المستوى الفردي والجمعي، والثاني رغبتهم بممارسة دورهم الرقابي والتشريعي، والواضح انهم وبسبب العين الحكومية الحمراء، غير قادرين على فك هذا الاشتباك، فيكتفون فقط، بالخطابات النارية، لكنهم عند التصويت مثلا، او الحسم، يتراجعون، او يختفون.
من مصلحة الأردن، فك هذه العقدة، حتى يسترد مجلس النواب دوره، وحتى يؤدي النواب مهامهم، ولا بد للحكومة الحالية، وغيرها من حكومات، ان تتخلى عن سياسة المقايضة، في العلاقة مع النواب، وان يتم الفصل بين دور النائب، وممارسته لصلاحياته، وبين ما قد يحتاجه عند مظلمة، او ازمة، او مشكلة، وبدون هذا الفصل، سيكون أداء النواب ضعيفا جدا، وغير مؤثر، وهامش الاعتراض في المداخلات والكلمات والصراخ والتهديد، يرتد سلبا على النواب، لانهم كثيرا ما كانوا يفعلون ذلك، لتسجيل المواقف، لكن عند الحسم تظهر شخصية ثانية.
مجلس العام 1989، الذي يتم ضرب المثل به، مقارنة بغيره، لم يكن احسن حالا كثيرا، عدا وجود نواب مسيسين اكثر قليلا، ولكونه جاء مستجدا بعد الاحكام العرفية، لكنه عانى من ذات المشكلة، أي ان الغالبية لا تؤدي دورها، ووجود أسماء لامعة مؤثرة، كان يحسن من سمعة النواب، لكنه لم يكن يعبر عن اغلبية.
مصلحة الأردن، ان يسترد مجلس النواب موقعه وفقا لصلاحياته، فهذا مهم، ويمنع نشوء قوى بديلة في الشارع، تعبيرا عن قضايا الناس، ما دام مجلس النواب، يقوم بمهمته، ويكون لحظتها الكلام، مع مؤسسة وليس مع الجمهور.