#الرأي_الصريح الحرّ
موسى العدوان
في كتابه ” أوراق مطوية في كتاب الزمن ” كتب اللواء والسفير السابق عمر المدني في أواسط القرن الماضي، كيف تجري معاملة صاحب الرأي الصريح #الحر، وأقتبس :
أحبائي : أرجو أن تعلموا أن الرأي الصريح الحر، قوّة ينبغي أن لا تخلو منها أمة من #الأمم، الآخذة بأسباب #الحضارة. ووجود هذا الرأي ألزم من وجود #البرلمانات، في ضمان #العدالة والحد من #طغيان_السلطات الحاكمة.
لأن هذا الرأي يتطرق عادة إلى ذلك الفساد الذي يشوب أعمال النظم السياسية والاجتماعية، فهو صادر عن قلب حر نبيل ارتفع عن دنيا الأغراض والمجاملات. على أن المشكلة هي دائما : كيف نعثر على هذا الرأي ؟
قد نستطيع أن نظفر بالعنقاء أو الغول أو الخل الوفي . . ولكننا لن نستطيع أن نظفر في كل زمان بصاحب الرأي الصريح الحر، لماذا ؟ لأن هذا المخلوق ينبغي أن يكون مركّبا تركيبا مخالفا لتركيب أغلب البشر.
فلابد أن يكون قد عرف أن يستغني عن الناس، وأن يكون قد وطّن نفسه على أن يمضي في طريقه، دون أن يعبأ بسهام الناس التي أصابت جسده، وألاّ يكون له عند أحد حاجة ولا مطمع. وأن يكون محبا للوِحْدة، ميالا للعدالة، قانعا من الدنيا بأبسط متاع وأقل مؤونة.
ذلك أن أول خطوة في هذا الطريق الوعر يصادفها صاحب الرأي الحر، هي فقدان الأصدقاء والأعوان، ثم يلي ذلك تألّب الجميع عليه، لأنه لم يرضِ أحدا ولم يمالئ مزيفا ولم يعتصم بجاه جهةٍ من الجهات، ولم يستظل بقوة من القوى، إنه وحده منبع كل شيء، وهو بمفرده الواقف في وجه الجميع. ولكن راية الرأي الحر تبقى خفّاقة في الهواء، عالية مرفوعة في يده الميتة.
لقد أتاحت لي الظروف أن أطلق رأيي ذات يوم حرّا في بعض الأمور، فأحسست في الحال أني فقدت كل سند من كل جهة من الجهات، ولم يعد لي صديق، ولم يبقَ لي سوى عيون نارية، تنتظر ساعة الانقضاض عليّ والفتك بي. ألم يحدث هذا في حياتي العملية ؟ . . . ورغم ذلك كله شعرت في عين الوقت، أن في يدي شيئا تحقق عاليا . . أدركت أنه هو وحده الباقي “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
الصراحة المطلقة في مختلف المواقف غير مقبولة هذه الأيام، لأن الكذب والمجاملة أصبحا سمة المسئولين الكبار عاملين ومتقاعدين في المجتمعات العربية.
ولهذا فهم يتجنبون ذكر الحقائق ويلجأون إلى تلميع الأكاذيب، لأغراض في نفوسهم، وهم يعلمون أنهم مكشوفون للآخرين.
أما بقية أفراد الشعب، فقد يحجمون عن التعبير بالكلمة الحرّة، عما يختلج في صدورهم من حقائق، تجنبا لدفع الثمن الذي تمارسه عليهم الدولة من خلال قبضتها الأمنية.
فالمخلوق الذي وصفه الكاتب بِ ” صاحب الرأي الحر الصريح والمخالف لتركيبة أغلب البشر” غير موجود في مجتمعاتنا، نظرا لحاجاته الإنسانية، فالإنسان خُلق مدني بالطبع، ولا بد له من إدامة العلاقات الإنسانية مع الآخرين، بأسلوب مرن يحفظ توازن المجتمع.
التاريخ : 8 / 4 / 2022