الذي سرق الفرس

الذي سرق الفرس
مقال الأحد 23-12-2018

هذه القصة حدثت في أوائل القرن الماضي ورواها لي صديق عزيز قبل يومين.
قبل الولوج في القصة ، من المعروف في القرى والبوادي الأردنية أن كل البيوت هي منزل للغريب وما على الضيف سوى أن يختار أو يطرق الباب حتى تفتح له المضايف وتدب النار في أوصال المواقد ويشتغل صاحب البيت وأهله على راحة الضيف وإكرامه دون أن تعرف غايته من الزيارة أو تكشف نواياه .
تقول القصة: أن رجلين وصلا وقت الغروب إحدى البلدات الأردنية، سألا عن بيت المختار للنزول في ضيافته ، فأرشدهم المارة إلى البيت ..المعزّب لا يعرف ضيوفه، ومن المعيب أن يسألهم أو يرسم دوائر الشكّ حولهم ، فما كان عليه أن ردّد عبارات الترحيب ” حيا الله ضيوف الرحمن، “الله انت حيهم ” ” زارتنا البركة” ، ثم زيّت سراج المضافة ورمى “حطبتين” كبيرتين في الكانون، و اخرج دخانه البلقاوي ، ولفّ لهم السجائر وأمر أهل بيته بإعداد العشاء للضيفين دون ان ينقطع عن عبارات الترحيب لحظة ، تعرّقت الشبابيك من بخار الكلام والدخان البلقاوي النقي الذي كان يتصاعد على شكل حلقات في سقف المضافة العالي..
حضر العشاء ، تعشّى الضيفان على ضوء السراج وزاد ضوء السراج لون اللبن صفرة وجمالاً ، فانفتحت شهية الضيفين وأكلا فوق استطاعتهما..كان “طبّاخ الشاي” – والشاي كانت ندرة في ذلك الوقت- يغلي على زاوية الكانون ، ثم عاد للف السجائر من دخانه الثمين والإهداء للضيفين المنعّمين..مع مضغ الكلام عن الموسم والشتاء ، وشتاء “المشاريق” والحلال..نعس الضيفان واستأذناه في النوم، دخل المعزب الكريم إلى غرفة العيلة أخذ الأغطية عن الأولاد ليثقل أغطية الضيفين كي لا يقولون ضيوف فلان “بردوا”، أخفت من ضوء السراج…و نام الجميع على وقع همس الجمر المبعد في آخر الديوان..
قبيل الفجر استيقظ الضيفان ، تسلّلا من باب الغرفة ، وصلا إلى حوش البيت خلسة ، حلاّ حبل فرس المعزّب وغادرا بها..بعد نصف ساعة استيقظ المختار لم يجد ضيفيه ، خرج من المضافة يبحث عنهما، فصعق أن فرسه قد سرقت ، هرول علّه يلحق بسارقها، رآه جاره..سأله عن فرسه، قال الجار : نعم رأيت رجلين يخرجان من مضافتك ويقودان الفرس خلفهما..فزع الجيران ليلحقوا بالسارقين قبل أن يتجاوزا حدود البلدة..
اشتكى المعزّب على ضيفيه عند القاضي وبشهادة الجار العزيز..
سأل القاضي الجار: هل تعرفهما ؟
– الجار: نعم رأيتهما يخرجان من بيت المختار ويقودان الفرس.
سأل القاضي اللصين: هل تعرفان الجار؟
اللصان: نعم، هو من باعنا الفرس!!
أقسم الجار أنه قد رآهما “يبوقان” جاره بأم عينيه ولم يلاسنهما أو يعرف هويتهما..
– القاضي: هما شاهدان…وأنت وحدك..وشهادة الشاهدين أقوى من شهادتك!.
وحُكم على الجار( الشاهد) بالسجن : ثلاث سنوات..لأنه لا يملك الحجة.

أخشى من قصة “مطيع” أن يفلت المتّهم الرئيس ويصبح شاهداً ، ويتم توريط من كان شاهداً على نهب وسرقة الوطن ليقضي نصف عمره في السجن أو يحتاج مثلها لتبييض صورته التي شوّهها اللي ما يخاف الله..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى