الذي سترك لن يفضحك
وإذا أحاطتك الذنوب من كل جانب، وإذا تكالبت عليك #المعاصي، وإذا نهشتك #الآثام فلا تقنط، وقف على باب ربك، وقل: يا رب غرّني سترك المرخي علي فظلمت نفسي فاغفر لي.
تذكر أن لك ربًا رحيمًا قال عن نفسه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} آية 32 سورة النجم. {إِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ} آية 82 سورة طه. {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} آية 53 سورة الزمر.
فلا تتردد بالعودة إلى خالقك ومولاك مهما تلوثت بالذنوب والخطايا، فإن الذي سترك وأنت منغمس تحت سقف المعصية لن يفضحك وأنت تطير إليه تحت جناح التوبة.
إن الظلمة قد تحجب الضياء والنور،لكنها لا تقوى على حبس ولا حجب دعوات مغموم ومكلوم من أثر الذنوب قد التجأ إلى مولاه {فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} آية 87 سورة الأنبياء.
فقف على باب ربك واستغفره بصدق وخشوع وعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، قال الله تعالى: {هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} آية 32 سورة ق. قال مجاهد في تفسيرها: “الأواب الحفيظ هو الذي يذنب الذنب سرًا ثم يتوب منه سرًا”. وقال سفيان: الأواب الحفيظ هو الذي لا يقوم من مجلسه حتى يستغفر الله ويتوب”.
فكن أوابًا حفيظًا، وقل ما كان يقوله الإمام الشافعي وهو يناجي مولاه وخالقه:
يا من عصيتك جاهلًا فسترتني وتردّ حين أسيء بالإحسان
كم جئت بابك سائلًا فأجبتني من قبل حتى أن يقول لساني
واليوم جئتك تائبًا مستغفرًا شيء بقلبي للهدى ناداني
عيناي لو تبكي بقية عمرها لاحتجت بعد العمر عمرًا ثاني
إن لم أكن للعفو أهلًا خالقي. فأنت أهل العفو والغفران
في ميدان السباق
يقول الإمام الشافعي: “إذا كنت في الطريق إلى الله فاركض، وإن صعب عليك فهرول، وإن تعبت فامش، وإن لم تستطع كل هذا فسر ولو حبوًا ولكن إياك إياك أن ترجع”.
وقال أحدهم: “لو أن السباق إلى الله سبحانه كان بالأقدام لتصدر السباق رشيق البدن، لكن السباق إلى الله بالقلوب وليس بالأقدام فهنيئًا لخفي العمل”.
وقيل للحسن: “سبقنا القوم أي السلف رضي الله عنهم على خيل دُهم ونحن على حمر معقرة، فقال الحسن: إن كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم”.
وقال سلمة بن دينار: ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم”. ورحم الله القائل:
خاب الذي سار عن دنياه مرتحلًا وليس في كفه من دينه طرف
لا خير للمرء إلا خير آخرة يبقى عليه فذاك العز والشرف
إذهب حيث شئت لكن لا تنس {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ} آية 8 سورة العلق. واعمل ما شئت فهناك كتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} آية 49 سورة الكهف. اليوم يقبل منك {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} آية 7 سورة الزلزلة. وغدًا لن يقبل منك {مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} آية 91 سورة آل عمران.
تفكر في أحوال الناس واعتبر، فمنهم من يودّع الدنيا بلا إله إلا الله، ومنهم من يودّعها بكلمات فاجرة يتغزل فيها بامرأة كحال القائل هو يحتضر:
يا رب سائلة يومًا وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب؟
من حقك أن تعمل في الدنيا حتى تطمئن على مستقبلك الفاني، ولكن من واجبك أن تعمل للآخرة حتى تطمئن على مستقبلك الباقي، فهيا إلى ميدان السباق واركض إلى الله ولو حبوًا. وقل ما قاله عمير بن الحمام رضي الله عنه يوم بدر:
ركضًا إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والارشاد
اختبار الدنيا واختبار الآخرة
هي استاذة فاضله وقبل ذلك هي أم تقية ومربية حريصة، أيقظت ابنها للقاء الله في صلاة الفجر في المسجد فتلكأ ولم يستيقظ، ثم عاودت وأيقظته بعدما انتهت صلاة الجماعة ليصلي فرضه في البيت، فظلّ يسوّف ولم يستيقظ.
أما هي ففي الوقت المعتاد وبعد أن رتبت أمور بيتها ذهبت إلى دوامها ولم توقظه لجامعته وكان لديه اختبار في التاسعة صباحًا.
استيقظ الابن في التاسعة والنصف صباحًا وقد أصابه الذهول من ضياع الامتحان عليه فاتصل بأمه، يا أمي لقد فاتني الاختبار فلماذا لم توقظيني؟ قالت له الأم: عندما رأيتك فشلت في امتحان الآخرة فلم يعد يهمني اختبار الدنيا.
القبر المحجوز
بينما صديقان يشاركان في جنازة فقال أحدهما لصاحبه: دفن الميت في القبر عبرة.
فأجابه صاحبه: لكن القبر الفارغ بجانبه أكثر عبرة إذ هو محجوز لأحد الحاضرين في الجنازة وهو لا يدري!!
ولقد بكى هارون الرشيد أعظم ملوك الدنيا عندما سمع أبا العتاهية ينشد شعرًا يقول فيه:
خانك الطرف الطموح أيها القلب الجموح
أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح
فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح
بين عيني كل حي علم الموت يلوح
نُح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمّرت ما عمٌر نوح
فكيف أعمالنا إذا عرضت
نسج عطاء السلمي ثوبًا فأتقنه وحسّنه، ثم حمله إلى السوق وعرضه على أحد التجار، فلم يعجبه وقال: “إن فيه عيوبًا كيت وكيت” فأخذه عطاء وجلس يبكي بكاء شديدًا. ندم التاجر على ذلك وأخذ يعتذر إليه ويعرض له في ثمنه ما يريد، فقال عطاء: ليس ذلك ما تظن ولا أبكي لأنك رددت الثوب، إنما أنا عامل في هذه الصناعة وقد اجتهدت في إصلاح هذا الثوب وتحسينه حتى لا يوجد به عيب، فلما عرض على البصير بعيوبه أظهر فيه عيوبًا كنت عنها غافلًا. فكيف أعمالنا هذه إذا عرضت على رب العالمين؟ فكيف سيبدو فيها من العيوب والنقصان؟!
هل يحبني الله؟
سأل أحد الصالحين نفسه يومًا: ترى هل يحبني الله؟ فقال: تذكرت أن محبة الله تعالى لعباده تأتي لأناس ذكرهم في كتابه الكريم. قلّبتها في ذاكرتي لأعرض نفسي عليها علّي أجد لسؤالي جوابًا.
فوجدت أنه يحب “المتقين” ولا أجرؤ أن أحسب نفسي منهم.
ووجدت أنه يحب “الصابرين” فتذكرت قلة صبري.
ووجدته يحب “المجاهدين” فتنبهت لكسلي وقلة حيلتي.
ووجدته يحب “المحسنين” فما أبعدني عن هذه.
عندها توقفت عن متابعة البحث فخشيت ألا أجد في نفسي شيئًا يحبني الله لأجله.
تفحّصت أعمالي فإذا أكثرها ممزوج بالشوائب والذنوب، فخطر لي قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} آية 122 سورة البقرة، فهمت عندها أنها لي ولأمثالي فأخذت أتمتم: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه لعلّي أدخل في أحبابه فأكون ممن يحبهم الله ويحبونه.
وأنا أستغفر الله العظيم وأتوب إليه. اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وكل عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
“مادة هذا المقال بتصرف من كتاب الدكتور الفاضل حسان شمسي باشا”.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون