الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا
الدكتور منصور العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
تعتبر الطاقة من أهم ضروريات الحياة على الأرض فجميع الكائنات الحية نباتاتها وحيواناتها تحتاج أجسامها إلى الطاقة لتمكين خلاياها من القيام بالعمليات الحيوية المختلفة التي تجري في داخلها. وتحتاج الحيوانات إلى جانب ذلك الطاقة لتوليد الطاقة الحركية التي تمكنها من المشي أو الطيران للسعي في طلب طعامها وشرابها وكذلك الهروب من أعدائها. ويحتاج الإنسان فوق ذلك كله الطاقة لإنجاز أعماله الحركية المختلفة كحمل الأمتعة والقيام بأعمال الزراعة والصناعة وغيرها من الأعمال اليدوية الأخرى. ويستخدم الإنسان الطاقة بشكل مباشر لطهو الطعام وتسخين الماء وتوفير الدفء له في أيام الشتاء الباردة وكذلك لصهر المعادن التي تلزم لصناعة الأدوات الضرورية للإنسان. ولقد سخر الله عز وجل للبشر أنواع معينة من الحيوانات كالخيل والبغال والحمير والأبقار والجمال قادرة على إنتاج كميات كبيرة من الطاقة الحركية تعينهم على إنجاز أعمالهم المختلفة كحرث الأرض ودراسة المحاصيل ونقل الماء والأمتعة والبضائع مصداقا لقوله عز من قائل “وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” النحل 5-8.
وأزدادت حاجة الإنسان للطاقة مع بداية القرن التاسع عشر وظهور الثورة الصناعية واختراع الآلات الميكانيكية التي تقوم بتحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة حركية تمد المصانع والمنازل والقطارات والسيارات والطائرات والسفن والآلات الزراعية بالطاقة التي تلزمها. ولذلك بدأ الإنسان بالبحث عن مصادر جديدة للطاقة تلبي حاجة هذه الآلات والمعدات. ولحسن حظ البشر أنهم عثروا على كميات ضخمة من أنواع الطاقة المختلفة موجودة في الأرض بأشكال متعددة كالفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي وشلالات المياه والرياح. وتمكنوا كذلك من استخراج الطاقة المخزنة في ذرات بعض العناصر كاليورانيوم والثوريوم والتي تحتوي على كميات ضخمة من الطاقة. ولقد أكد القرآن الكريم على حاجة الإنسان لهذه الطاقة وأنها نعمة من الله عز وجل عليه فقال عز من قائل في محكم تنزيله “أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ”الواقعة 71-73 والقائل سبحانه “الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُون” يس 80. وتؤكد الآية الأولى على قلة حيلة البشر وأنهم أعجز من أن يصنعوا الشجر الذي يمدهم بالطاقة اللازمة لحياتهم كما سيتبين ذلك في الشرح التالي. أما الآية الثانية فتؤكد على معجزة تحول الشجر الأخضر الذي يشكل الماء 50 بالمائة من وزن الشجرة إلى مصدر للوقود وتؤكد كذلك على أن من أنزل هذه الآية عليم خبير يعلم أن في عملية التحول هذه عمليات معقدة يقف البشر عاجزين عن تقليدها وترك لعلمائهم كشف هذه الأسرار بهدي منه سبحانه القائل “وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” النمل 93.
تعتبر الشمس المصدر الرئيسي الذي يقوم بتوفير الطاقة لجميع الكائنات الحية على الأرض حيث تقوم النباتات في البر والطحالب في البحر بتحويل الطاقة الضوئية المنبعثة من الشمس إلى طاقة كيميائية يتم تخزينها في أوراق وجذور وثمار النباتات وكذلك أجسام الطحالب من خلال عملية التركيب الضوئي وصدق الله العظيم القائل “وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” ابراهيم 33-34. وتنتج الشمس من خلال عملية الإندماج النووي طاقة تقدر بأربعمائة بليون بليون ميجاوات (4×1026 W) يصل منها إلى الأرض ما يقرب من مائتي بليون ميجاوات. ويقدر العلماء كمية الطاقة التي تستمدها النباتات من ضوء الشمس وتحولها إلى طاقة مخزنة في الروابط الكيميائية للمواد العضوية بجزء من ألفي جزء من الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض. ويبلغ مقدار الطاقة الكيميائية التي تنتجها النباتات والطحالب في العام الواحد ما يساوي مليون بليون كيلواط-ساعة. وعندما يقوم البشر والحيوانات البرية والبحرية بأكل المواد العضوية التي تنتجها النباتات والطحالب تعمل أجهزتها الهضمية على استخلاص هذه الطاقة الكيميائية وتزودها لبقية أجهزة الجسم وخاصة الجهاز العضلي الذي يقوم بتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة حركية.
البلاستيدات الخضراء أضخم مصنع لإنتاج الطاقة
تحتوي أوراق النباتات البرية وأجسام الطحالب البحرية على مكونات بالغة الصغر تسمى البلاستيدات الخضراء (chloroplast) لا يتجاوز قطر الواحدة منها عشرة ميكرومترات. وتعتبر هذه البلاستيدات بمجملها أضخم مصنع لإنتاج الطاقة على وجه الأرض حيث يقوم هذا المصنع بتزويد جميع الكائنات الحية بالمواد العضوية اللازمة لبناء أجسامها والطاقة اللازمة لإجراء عملياتها الحيوية. إن المادة العضوية الرئيسية التي ينتجها هذا المصنع من خلال عملية التركيب الضوئي (photosynthesis) هو سكر الجلوكوز الذي يتم تصنيعه من الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون فقط مع توفر كمية معينة من الطاقة الضوئية. وتقوم البلاستيدات بإدخال جزيئات الماء وثاني أكسيد الكربون من خلال مسامات أغشيتها إلى تراكيبها الداخلية بينما يقوم جزيء الكلوروفيل بالتقاط الطاقة الشمسية وتخزينها في ثناياه بشكل مؤقت. ومن ثم تقوم بعض الأنزيمات بتحليل جزيئات ثاني أكسيد الكربون والماء إلى مركباتها بينما تقوم أنزيمات أخرى بتصنيع سكر الجلوكوز من نواتج هذا التحليل والطاقة الشمسية التي أمسك بها الكلوروفيل. وتتلخص وظيفة جزيء الكلوروفيل في امتصاص أحد فوتونات ضوء الشمس وتخزين طاقته في أحد الإلكترونات بعد رفعه من مدار منخفض الطاقة إلى مدار مرتفع الطاقة. وبتسليم هذا الإلكترون المثار إلى جزيئات أخرى تعمل على استغلال طاقة هذا الإلكترون وتخزينها في الروابط الكيميائية لسكر الجلوكوز من خلال سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية المعقدة والتي تمكن العلماء من كشف أسرارها في هذا العصر .
تأخذ البلاستيدات ستة جزيئات من ثاني أكسيد الكربون وإثني عشر جزيء من الماء وكمية كافية من الطاقة الشمسية وتنتج مقابل ذلك جزيئا واحدا من سكر الجلوكوز مع ستة جزيئات من الأوكسجين وستة جزيئات من الماء. ويقدر العلماء كمية ثاني أكسيد الكربون الذي تأخذه النباتات والطحالب من الهواء سنويا بخمسمائة بليون طن وكمية الماء الذي تمتصه النباتات من الأرض والطحالب من البحر بأربعمائة وعشرة بلايين طن وكمية الطاقة التي تستمدها من ضوء الشمس بجزء من ألفي جزء من مجموع الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض. وتنتج البلاستيدات في المقابل ثلاثمائة وواحد وأربعين بليون طن من سكر الجلوكوز ومائتين وخمسة بلايين طن من الماء وثلاثمائة وأربعة وستون بليون طن من الأوكسجين. ويتضح من هذه الأرقام أن كمية الطاقة التي يتم تخزينها في المواد العضوية التي تنتجها البلاستيدات في كل عام تزيد بمائتي مرة عن كمية الإنتاج العالمي من الطاقة في العام الواحد. إن هذه الكمية الضخمة من سكر الجلوكوز الذي تنتجه النباتات سنويا تقوم عليها حياة جميع الكائنات الحية التي تعيش على الأرض سواء في برها أو في بحرها.
ويستخدم سكر الجلوكوز في أجسام الكائنات الحية لغرضين رئيسين أولهما استخدامه كمادة خام لتصنيع جميع أنواع المواد العضوية اللازمة لبناء أجسام هذه الكائنات كالكربوهيدرات والدهون والبروتينات والأحماض النووية. أما الغرض الثاني فهو استخدامه كوقود يزود الكائنات الحية بالطاقة اللازمة لإجراء مختلف العمليات الحيوية التي تحتاجها. ويوجد في جميع خلايا الكائنات الحية جهاز آخر بالغ الأهمية يسمى الميتوكندريون (mitochondrion) يقوم بما يسمى عملية التنفس الخلوي (cellular respiration) وهي عكس ما تقوم به البلاستيدات حيث يعمل على تفكيك أو حرق جزيء سكر الجلوكوز بوجود الأوكسجين وتحويل الطاقة الكيميائية المخزنة فيه إلى طاقة كيميائية يحملها أحد أهم الجزيئات المستخدمة في تداول الطاقة في داخل خلايا الكائنات الحية وهو ثلاثي فوسفات الأدينوساين (ATP). وقد وجد العلماء أن الجزيء الواحد من سكر الجلوكوز ينتج عند تحليله خمس وثلاثين جزيئا ناقلا للطاقة وبكفاءة تحويل قد تصل إلى ما يقرب من أربعين في المائة وهي كفاءة تزيد عن كفاءات التحويل في المحركات الميكانيكية. وينتج عن تحلل سكر الجلوكوز في الميتكوندريون غاز ثاني أكسيد الكربون والماء اللذين يخرجان كفضلات من الخلايا ليعودان كمواد غير عضوية إلى الجو. إن التعقيد الموجود في تركيب الميتوكندريون لا يقل عن التعقيد الموجود في تركيب البلاستيدة الخضراء حيث تحتاج عملية حرق السكر إلى عدد كبير من الأنزيمات لا يقل عن تلك التي تحتاجها عملية التركيب الضوئي.
إن أعجب ما في عملية تصنيع سكر الجلوكوز أنها تتم عند درجات حرارة منخفضة نسبيا أيّ عند درجات حرارة جو الأرض. وعلى الرغم من بساطة تركيب سكر الجلوكوز إلا أن العلماء قد أثبتوا استحالة تصنيعه من مواده الخام عند مثل هذه الدرجات بدون وجود الأنزيمات. ومما يثبت هذه الاستحالة أنه على الرغم من معرفة العلماء للطريقة التي يتم بها تصنيع سكر الجلوكوز من ثاني أكسيد الكربون والماء داخل أوراق النباتات إلا أنهم لا زالوا عاجزين عن تقليد عملية التصنيع هذه. ويعود السبب في ذلك إلى أن الأنزيمات لا يمكن تصنيعها إلا في الخلايا الحية حيث أن التعقيد الموجود في تركيب الأنزيمات يفوق بآلاف المرات التعقيد الموجود في تركيب سكر الجلوكوز نفسه. وفي المقابل نجد أن جميع خلايا الكائنات الحية على صغر حجمها قادرة على تصنيع جميع أنواع الأنزيمات التي تحتاجها لتسهيل التفاعلات الكيميائية التي تجري في داخلها عند درجات حرارة منخفضة نسبيا. و مما يدل على عجز البشر وقلة حيلتهم أنه ليس بمقدورهم الاستفادة حتى من البلاستيدات الخضراء والأنزيمات الموجودة في النباتات التي تملأ الأرض من حولهم فيقوموا باستخلاصها من أوراق النباتات وبناء مصانع لتصنيع سكر الجلوكوز من مواده الخام وصدق الله العظيم القائل “أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء مآء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون” النمل 60.
الإنتاج والاستهلاك العالمي للطاقة
بلغت كمية الطاقة التي تم إنتاجها عالميا في عام 2000م أربعمائة مليون بليون وحدة حرارية بريطانية أو ما يعادل 117 ألف بليون كيلواط ساعة. ولقد تم إنتاج هذه الكمية من الطاقة من البترول بنسبة 39 بالمائة (26 بليون برميل) ثم الفحم الحجري بنسبة 24 بالمائة (خمسة بلايين طن) ثم الغاز الطبيعي 23 بالمائة (ثلاثة آلاف بليون متر مكعب) ثم المحطات الكهرومائية بنسبة 7 بالمائة ثم المحطات الكهروذرية بنسبة 6 بالمائة ثم بقية مصادر الطاقة وهي الشمس والرياح وحرارة الأرض الجوفية والخشب بنسبة واحد بالمائة. وينتج في المتوسط عن حرق برميل واحد من البترول الخام ستة ملايين وحدة حرارية وعن حرق طن واحد من الفحم الحجري ثمانية عشر مليون وحدة حرارية وعن حرق المتر المكعب من الغاز الطبيعي ستة وثلاثون ألف وحدة حرارية. وكانت أكبر الدول المنتجة لهذه الطاقة الولايات المتحدة الأمريكية إذ أنتجت ما نسبته 17 بالمائة تليها روسيا بنسبة 10 بالمائة ثم الصين ثم السعودية ثم كندا. ويعد الفحم الحجري أرخص مصادر الطاقة حيث بلغ متوسط سعر طن الفحم اثنين وعشرين دولار أمريكي أي أن سعر المليون وحدة حرارية يبلغ دولار وربع أما البترول فقد بلغ متوسط سعر البرميل ثمانية عشر دولار أي أن سعر المليون وحدة حرارية يبلغ ثلاث دولارات وأما الغاز الطبيعي فيبلغ سعر المائة متر مكعب منه أربعة عشر دولار أي أن سعر المليون وحدة حرارية يبلغ أربعة دولارات وأما الطاقة الكهربائية والتي هي طاقة ثانوية يتم الحصول عليها من تحويل أنواع الطاقة الأخرى فيبلغ سعر المليون وحدة حرارية عشرين دولار. وقد تم تحويل ما يقرب من 40 بالمائة من الطاقة المنتجة إلى طاقة كهربائية وجدير بالذكر أن في عملية التحويل هذه يضيع ثلثي هذه الطاقة ويتبقى الثلث فقط والذي يبلغ 14 ألف بليون كيلواط ساعة وهو الإنتاج العالمي من الطاقة الكهربائية وذلك في عام 2000م.
وأما أكبر الدول المستهلكة للطاقة فكانت الولايات المتحدة بنسبة 25 بالمائة تلتها الصين بنسبة 10 بالمائة ثم روسيا بنسبة 7 بالمائة ثم اليابان بنسبة 6 بالمائة. ويتم استهلاك الإنتاج العالمي من الطاقة في أربع قطاعات رئيسية وهي القطاع المنزلي والتجاري والصناعي وقطاع النقل حيث يستهلك القطاع المنزلي ما يقرب من 20 بالمائة والقطاع التجاري 17 بالمائة والقطاع الصناعي 33 بالمائة وقطاع النقل 30 بالمائة من هذا الإنتاج. ويستهلك القطاع المنزلي الطاقة لأغراض الإنارة وتشغيل مختلف أنواع الأجهزة الكهربائية المنزلية كالثلاجات والغسالات والمكيفات والمضخات والمكانس والمراوح والتلفزيونات والحواسيب ويستهلك هذا القطاع ما يقرب من 35 بالمائة من الطاقة الكهربائية وكذلك لأغراض التدفئة وطهو الطعام والتي تعتمد في الغالب على الغاز والكاز والديزل والخشب. أما القطاع التجاري فيستهلك ما يقرب من 35 بالمائة من الطاقة الكهربائية لأغراض الإنارة وتشغيل الأجهزة الكهربائية كالمكيفات والناسخات والطابعات والمصاعد واللافتات المنارة والأجهزة الطبية والمخبرية ومعدات وأجهزة الاتصالات وأجهزة الحاسوب وملحقاته. أما القطاع الصناعي فيستمد ثلثي الطاقة التي تلزمه من طاقة الفحم والغاز ومشتقات البترول والثلث المتبقي من الطاقة الكهربائية ويستهلك هذه الطاقة لأغراض استخراج المواد المعدنية وغير المعدنية من مناجمها ومعالجة وتشكيل المواد التي تدخل في صناعة مختلف وسائل النقل والمواد التي تلزم لقطاع المباني والسدود والطرق والجسور وتصنيع مختلف أنواع الأجهزة الكهربائية والميكانيكية ومعدات النجارة والحدادة والسباكة ومعدات صناعة النسيج والورق والمواد الغذائية. وأما قطاع النقل فيعتمد في الحصول على كامل الطاقة التي تلزمه على مشتقات البترول المختلفة والغاز والتي يستهلكها من قبل مختلف أنواع المحركات التي تسير الطائرات والقطارات والسيارات والشاحنات والصهاريج والآلات الزراعية والآليات المدنية والعسكرية.
الفحم الحجري والبترول والغاز
لقد اكتشف البشر على امتداد القرنين الماضيين كميات ضخمة من الفحم الحجري البترول والغاز الطبيعي مدفونة في طبقات القشرة الأرضية وموزعة في أماكن متفرقة من سطح الأرض. وقد تكونت هذه الثروات قبل مئات الملايين من السنين نتيجة انحباس كميات كبيرة من النباتات والطحالب والحيوانات البرية والبحرية تحت طبقات من الرمال والصخور بسبب الزلازل والبراكين وبسبب انحسار البحار عن بعض أجزاء اليابسة وانغمار بعضها بمياه البحار. ولقد تحللت المواد العضوية الموجودة في بقايا هذه الكائنات الحية بسبب الضغط الشديد والحرارة العالية إلى مركبات عضوية بسيطة تحتوي على كميات كبيرة من الطاقة سبق للنباتات أن استمدتها من الشمس. ولقد تكون داخل الطبقات الصخرية ثلاث أنواع من الوقود في حالات المادة الثلاثة وهي الفحم الحجري الصلب والبترول السائل والغاز الطبيعي, ويحدد سمك وعمق الطبقات الصخرية ونوع الصخور فيها وشدة الضغط ودرجة الحرارة طبيعة الوقود الناتج والتي تتفاوت في شكلها ولونها ومحتواها الحراري تبعا لخصائص المواد العضوية التي تكونت منها.
وعلى الرغم من معرفة القدامى بالفحم الحجري واستخدامه في بعض التطبيقات إلا أنه لم يتم استغلاله بشكل كبير إلا بعد اختراع الآلة البخارية في نهاية القرن الثامن عشر . وقد تم استخدام الغحم كوقود لهذه الآلة المستخدمة في المصانع ومضخات المياه والمطاحن ومحركات القطارات وفي أفران صهر الحديد. ومع تشغيل أول محطة توليد كهربائية في أمريكا في عام 1882م أصبح الفحم الحجري الوقود المفضل لتزويد محطات التوليد بالطاقة الحرارية اللازمة. والفحم الحجري مادة قاسية كالحجر سوداء اللون ويوجد منه ثلاثة أنواع رئيسية وهي الأنثراسايت وهو أقساها وأعلاها بالمحتوى الحراري واللجنايت وهو أطراها وأقلها بالمحتوى الحراري و البتيومينوس وهو فيما بين النوعين الآخريين. ويتراوح المحتوى الحراري للطن الواحد من الفحم الحجري بين سبعة ملايين وحدة وثمانية وعشرين مليون وحدة حرارية وبمعدل عالمي يبلغ ثمانية عشر مليون وحدة حرارية للطن. وبلغت الكمية المنتجة من الفحم الحجري في عام 2000م خمسة آلاف مليون طن وكانت الصين أكبر الدول المنتجة حيث أنتجت 1300 مليون طن تلتها الولايات المتحدة التي أنتجت 1100 مليون طن ثم الهند التي أنتجت 340 مليون طن ومن ثم ألمانيا التي أنتجت 225 مليون طن. ويستخدم معظم الفحم الحجري المنتج كوقود في المحطات الكهربائية بعد أن توقف استخدامه في القطارات التي تحولت إلى استخدام المشتقات البترولية كوقود لمحركاتها.
وأما البترول فقد عرفه الإنسان أيضا منذ آلاف السنين وذلك عندما عثر عليه بكميات قليلة على سطح الأرض نتيجة لتسربه من أحواضه الأرضية أو عند قيامه بحفر الآبار بحثا عن الماء. ولكن استخدام هذا السائل الأسود اللزج اقتصر على تحضير بعض المستحضرات الطبية كالقطران الذي استخدم في معالجة بعض الأمراض الجلدية في الإنسان والحيوان. وفي مطلع القرن التاسع عشر تمكن الباحثون الكيميائيون من تحليل مكونات البترول الخام وتبين لهم أنه يحتوي على أنواع متعددة من المشتقات الهيدروكربونية القابلة للاشتعال وتمكنوا من استخلاص أحد مكوناته وهو الكاز الذي بدأ استخدامه في منتصف القرن التاسع عشر في مصابيح الإضاءة والتي كانت تستخدم قبل ذلك الزيوت النباتية والحيوانية. ونتيجة لتزايد الطلب على الكاز وانخفاض سعره مقارنة بأسعار الزيوت النباتية والحيوانية بدأ البحث والتنقيب عن البترول بشكل كبير حيث تم في عام 1859م حفر أول بئر لاستخراج البترول في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي نهاية القرن التاسع عشر خف الطلب على الكاز بعد أن انتشر استخدام المصباح الكهربائي الذي تم اختراعه في عام 1879م والذي يستمد طاقته من محطات التوليد الكهربائية التي تعمل على الفحم الحجري. ولكن هذا الحال لم يدم طويلا فبعد اختراع محركات الاحتراق الداخلي واستخدامها في السيارات في بداية القرن العشرين بدأ الطلب يتزايد من جديد على مشتق آخر من مشتقات البترول وهو البنزين والذي كان يعتبر مشتقا لا فائدة منه بجانب الكاز قبل ذلك. وفي وقت لاحق تم الاستفادة من مشتق آخر وهو السولار أو الديزل كوقود لأحد أنواع محركات الاحتراق الداخلي المسماة بمحركات الديزل. ومع تحول القطارات لاستخدام مشتقات البترول كوقود بدلا من الفحم الحجري وظهور الطائرات وحاجتها لكميات كبيرة من الوقود الخاص بها بدأ الطلب يتزايد على البترول بشكل كبير وبدأت الدول الصناعية بالبحث عن البترول في جميع أصقاع الأرض بعد أن تبين أن مخزون البترول ضمن أراضيها لا يكفي لسد حاجاتها منه.
ويتم تكرير البترول الخام في مصافي البترول الضخمة لفصل مشتقاته المختلفة من خلال عمليات التقطير بعد إضافة بعض المواد الكيميائية إليه حيث ينتج برميل البترول الخام الذي تبلغ سعته 160 لتر بعد تكريره 72 لتر من البنزين و32 لتر من الديزل و16لتر من الكاز و8 لترات من الوقود الثقيل و7 لترات من الغاز المسيل و7 لترات من الغاز المقطر و7 لترات من الفحم و5 لترات من الإسفلت ولترين من الزيوت والشحوم . ولا يقتصر استخدام البترول على إنتاج مشتقات الوقود المختلفة بل تم استغلاله لإنتاج المطاط الصناعي وفي إنتاج الزفت أو الإسفلت الذي يستخدم في تعبيد الشوارع والمطارات والملاعب وفي إنتاج البلاستيك والأحبار ومواد التلوين ومواد الغسيل وكذلك في إنتاج أنواع لا حصر لها من مستحضرات التجميل والمستحضرات الطبية. ويتراوح المحتوى الحراري لبرميل النفط الخام بين خمسة وستة ونصف مليون وحدة حرارية وذلك حسب الموقع الجغرافي لبئر البترول وبمعدل عالمي يبلغ ستة ملايين وحدة حرارية للبرميل. وبلغ الإنتاج العالمي السنوي من البترول في عام 2000م 26 بليون برميل أي بمعدل 70 مليون برميل يوميا وكانت السعودية أكبر الدول المنتجة إذ بلغ إنتاجها اليومي 8 ملايين برميل ثم الولايات المتحدة 6 ملايين ثم روسيا 5 ملايين ثم إيران 4 ملايين. ويستخدم معظم إنتاج البترول كوقود لوسائل النقل المختلفة كالطائرات والمركبات والقطارات والسفن والآليات الزراعية والعسكرية وذلك لسهولة تغذية المحركات بها ويستخدم خمسة عشر بالمائة منه لإنتاج ما يقرب من عشرة بالمائة من الطاقة الكهربائية وفي تدفئة المنازل.
وأما الغاز الطبيعي فقد عرفه الإنسان أيضا منذ القدم إلا أنه لم يستغل إلا في مطلع القرن العشرين بعد أن لوحظ وجود كميات كبيرة منه في أبار البترول أو في أماكن مجاورة له. ويتكون الغاز الطبيعي من غاز الميثان الذي هو أخف من الهواء وهو غاز شديد الاشتعال لا لون له ولا رائحة ولذلك يتم إضافة بعض المواد الكيميائية التي تعطيه رائحة حادة تساعد الإنسان على الحذر منه عند تسربه. ومن ميزات الغاز مقارنة مع الفحم والبترول أنه لا يترك أي مخلفات مزعجة عند احتراقه ولذلك يعتبر الوقود المفضل لمعدات تحويل الطاقة في داخل البيوت كالأفران وصوبات التدفئة وأجهزة تسخين الماء. ويتراوح المحتوى الحراري للمتر المكعب من الغاز ما بين ثلاثين وحدة وخمسين ألف وحدة حرارية وبمعدل عالمي يبلغ ستة وثلاثون ألف وحدة حرارية للمتر المكعب. ويتم نقل الغاز من أماكن توفره عبر الأنابيب مباشرة إلى أماكن استخدامه كمحطات التوليد والمصانع وكذلك البيوت وفي حالة نقله إلى ما وراء المحيطات يلزم تحويله إلى الحالة السائلة من خلال عمليات التبريد والضغط ليتقلص حجمه بمقدار ستمائة مرة وبذلك يمكن استخدام الناقلات العملاقة لنقل كميات كبيرة منه إلى أماكن استغلاله. وقد وصل الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي في عام 2000م ثلاثة آلاف بليون متر مكعب وكانت روسيا أكبر الدول المنتجة للغاز حيث بلغ إنتاجها سبعمائة بليون متر مكعب تلتها الولايات المتحدة بإنتاج بلغ ستمائة بليون متر مكعب ثم دول الشرق الأوسط حيث بلغ مجموع إنتاجها ثلاثمائة بليون متر مكعب.
إن الكميات المتوفرة في الأرض من الفحم والبترول والغاز كميات محدودة وغير قابلة للتجدد حيث أن هذه الكميات تكونت على مدى ملايين السنوات وفي ظروف مناخية وجيولوجية قد لا تكرر مرة ثانية على هذه الأرض. وقد قام كثير من العاملين في مجال الطاقة بإعطاء تقديرات لمخزون الفحم والبترول والغاز وذلك بناءا على الدراسات التي تجريها شركات البحث والتنقيب وتساعد هذه التقديرات العلماء على رسم سياسات لكيفية استغلال هذه الثروات لصالح البشرية. لقد تم تقدير المخزون العالمي من الفحم الحجري في عام 2000م بما يزيد عن ألف بليون طن حيث يوجد أكبر مخزون للفحم في الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 275 بليون طن تليها روسيا 175 بليون طن ثم الصين 125 بليون طن ثم الهند 93 بليون طن ثم استراليا 90 بليون طن ثم ألمانيا 73 مليون طن. وإذا ما استمر استهلاك الفحم بالمعدل الحالي وهو خمسة بلايين طن سنويا فإن مخزونه سيكفي العالم لمدة مائتي سنة قادمة. ويقدر مخزون البترول العالمي بألف بليون برميل ويوجد أكبر مخزون له في السعودية بمقدار 260 بليون برميل تليها العراق 115 بليون برميل ثم الكويت 100 بليون برميل ثم إيران 99 بليون برميل ثم الإمارات العربية 63 بليون برميل ثم روسيا 54 بليون برميل ثم فنزويلا 50 بليون برميل. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على ثلثي المخزون العالمي من البترول بينما يتوزع الثلث الباقي في بقية مناطق العالم وإذا ما استمر استهلاك البترول بالمعدل الحالي وهو 26 بليون برميل سنويا فإن مخزونه سيكفي العالم لمدة خمسين سنة قادمة. ويقدر مخزون الغاز العالمي بمائة وسبعين ألف بليون متر مكعب أو ما يعادل ألف بليون برميل ويوجد أكبر مخزون للغاز في روسيا إذ يبلغ 50 ألف بليون متر مكعب تليها إيران 27 ألف بليون ثم قطر 22 ألف بليون ثم السعودية 6 آلاف بليون. وإذا ما استمر استهلاك الغاز الطبيعي بالمعدل الحالي وهو ثلاثة آلاف بليون متر مكعب سنويا فإن مخزونه سيكفي العالم لمدة ستة وخمسين سنة قادمة.
الطاقة الكهربائية
إن من أعجب أشكال الطاقة التي اكتشفها البشر في بداية القرن التاسع عشر هي الطاقة الكهربائية وهي طاقة خفية تسري بصمت في الأسلاك المعدنية دون أن يحس بها أحد ويمكن للمستخدم أن يأخذ من هذه الأسلاك كمية الطاقة التي يريدها دون زيادة أو نقصان. إن أهم ما يميز الطاقة الكهربائية هو سرعة انتقالها حيث أنها تنتقل من أماكن توليدها إلى أماكن استعمالها بسرعة تقترب من سرعة الضوء فعندما يقوم شخص بكبس زر لإضاءة مصباح في منزله فإن الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيله ستصل إليه من محطة توليد تبعد عنه مئات أو آلاف الكيلومترات في زمن لا يتجاوز جزء من مائة جزء من الثانية . ومن ميزاتها أنها طاقة لا كتلة لها ولا حجم ولذا فإن كلفة نقلها لا تكاد تذكر مع كلفة نقل الطاقة المخزنة في مختلف أنواع الوقود كالفحم ومشتقات البترول والغاز. ومن ميزاتها كذلك هو إمكانية إنشاء المحطات الكهربائية حيث تتوفر مصادر الطاقة المختلفة وخاصة تلك التي لا يمكن نقل طاقتها إلى أماكن استخدامها كالطاقة الحركية في مياه الأنهار وطاقة المد والجزر والطاقة الحرارية في جوف الأرض وطاقة الرياح. وحتى في الأنواع التي يمكن نقلها كالفحم الحجري والبترول والغاز فإن كلفة نقلها بعد تحويلها إلى طاقة كهربائية قد تكون أقل من كلفة نقلها بشكلها الأصلي والذي يتطلب إنشاء شبكات طرق أو سكك حديدية أو مد أنابيب معدنية وكذلك توفير أعداد كبيرة من القطارات والشاحنات والصهاريج ومحطات الضخ إلى جانب توفير مستودعات ضخمة لتخزينها. أما المحطات الكهربائية التي تعمل على الطاقة الذرية فمن المفضل إقامتها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكنية لتفادي خطر الإشعاعات المنبعثة من المفاعلات في حالة تعرضها للحوادث وبحيث تكون قريبة من مصادر المياه لحاجتها إليه في عمليات التبريد.
إن أحد أهم استخدامات الطاقة الكهربائية هو في تحويل مختلف أشكال الطاقة إلى طاقة كهربائية نظيفة تتميز بسهولة نقلها وتوزيعها على مستخدميها. تقوم أنواع مختلفة من الأجهزة الكهربائية بتحويل الطاقة الكهربائية بكفاءة عالية لمختلف أشكال الطاقة الأخرى كالطاقة الحرارية والحركية والضوئية والكيميائية والكهرومغناطيسية. أما الاستخدام الذي لا يقل أهمية عن الاستخدام الأول فهو نقل إشارات المعلومات بمختلف أنواعها كما هو الحال مع أنظمة التلكس والهاتف والفاكس والراديو والتلفزيون. وتستخدم الكهرباء في مختلف أنظمة القياس والتحكم وفي الأجهزة الطبية وأجهزة التصوير وفي أجهزة الرادار والليزر. ففي أنظمة الإنارة يتم استخدام أنواع مختلفة من المصابيح الكهربائية لتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ضوئية باستخدام مصابيح التنجستون والغاز والثنائيات الباعثة للضوء. وفي أنظمة تسخين المياه والتدفئة يتم استخدام المقاومات الكهربائية لتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حرارية بكفاءة تصل إلى مائة بالمائة. ويتم تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية عند شحن البطاريات القابلة للشحن حيث تستخدم هذه البطاريات في مجالات مختلفة كما في المركبات والراديوات والمسجلات والهواتف الخلوية والحواسيب المحمولة وغيرها. وباستخدام الأجهزة الإلكترونية يتم تحويل الطاقة الكهربائية إلى أمواج كهرومغناطيسية تمتد على نطاق واسع من الترددات والتي تستخدم في مختلف أنظمة الاتصالات والتحكم والرادارات والليزرات. وباستخدام الملفات الكهربائية يتم تحويلها إلى مجالات مغناطيسية تلزم لتشغيل كثير من الأجهزة والمعدات كما في التلفزيونات وراسمات الذبذبات والمسارعات والمغناطيسات الكهربائية التي تستخدم في تطبيقات لا حصر لها كما في الرافعات والصمامات والكوابح والمصاعد والقطارات المغناطيسية.
لقد أحدث الطاقة الكهربائية تحولا كبيرا في حياة البشر وزيادة رفاهيتهم فبدون الكهرباء ما كان للمصابيح الكهربائية أن تظهر حيث استخدمها البشر لإضاءة بيوتهم ومكاتبهم ومصانعهم وشوارعهم بمجرد كبسة زر فأراحتهم بذلك من عناء عمليات تجهيز وإشعال وإطفاء مصابيح الشمع والزيت والكاز. وبدون الكهرباء ما كان للمحركات الكهربائية أن تظهر حيث مكنت هذه المحركات البشر من استخدام الثلاجات والغسالات والخلاطات والجلايات والمكيفات والمراوح ومضخات الماء في داخل المنازل وبدون ضوضاء تذكر. وبدون الكهرباء ما كان للتلفزيونات والراديوات والمسجلات والتلفونات والحواسيب أن تظهر حيث لا يمكن لمثل هذه الأجهزة أن تعمل بدون الكهرباء. وبدون الكهرباء ما كان للمصانع الحديثة أن تظهر والتي تستخدم محركات كهربائية بمختلف الأحجام والأنواع يتم التحكم بها بكل سهولة ويسر من غرف التحكم. وبدون الكهرباء ما كان للطائرات والقطارات والسيارات والآليات أن تكون على الحال التي هي عليها الآن حيث تم استخدام التحكم الكهربائي في مختلف أجزاء هذه الوسائل. وبدون الكهرباء ما كان لكثير من الأجهزة والمعدات أن تظهر كالرادارات والليزرات والأجهزة الطبية وغيرها من الأجهزة الكهربائية التي لا يمكن لها أن تعمل بغير الطاقة الكهربائية والتي بغيابها تختفي هذه التطبيقات التي اعتاد الإنسان على استخدامها ابتداء من بداية القرن العشرين.
تتكون محطات توليد الطاقة الكهربائية من جزئيين رئيسيين وهما المحرك الميكانيكي والذي يقوم بتحويل الطاقة الحرارية الناتجة عن حرق مختلف أنواع الوقود إلى طاقة حركية دورانية والمولد الكهربائي الذي يقوم بتحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية. وتعتمد كفاءة تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية على كفاءة كل من المولد الكهربائي والمحرك الميكانيكي حيث تصل في الأول إلى ما يزيد عن تسعين بالمائة بينما لا تزيد في الثاني عن خمسين بالمائة. وهنالك نوعان من المحركات الميكانيكية المستخدمة في المحطات الكهربائية وهي محركات الاحتراق الداخلي التي تعمل على مشتقات البترول وعلى الأخص الديزل والتي تتميز بسهولة تغذيتها بوقودها السائل وبسهولة التحكم بكمية الطاقة الحركية التي تولدها ولكن عيبها في أن كفاءتها لا تتجاوز الأربعين بالمائة وكذلك صعوبة تصنيع أحجام كبيرة منها. أما النوع الثاني فهي المحركات التي تعمل على الفحم والغاز والطاقة الذرية وهي عبارة عن توربينات بخارية أو غازية يتم تدويرها من خلال تسليط تيار شديد من البخار أو الغاز على شفرات التوربين والذي يتم توليده في غلايات تقوم بتحويل الماء إلى بخار ذي درجة حرارة وضغط عاليين من خلال تسخينها بالحرارة الناتجة عن حرق الوقود. وتتميز التوربينات البخارية والغازية بإمكانية زيادة كفاءتها من خلال رفع درجة حرارة وضغط البخار والتي وصلت في التوربينات الحديثة إلى ما يزيد عن خمسين بالمائة وتتميز كذلك بإمكانية تصنيعها بأحجام كبيرة تقوم بتحويل كميات كبيرة من الطاقة.
أما المولدات الكهربائية فتقوم بتحويل الطاقة الحركية الدورانية إلى طاقة كهربائية ويمكن تصنيعها بمختلف الأحجام التي تتناسب وقدرات المحركات الميكانيكية. وتقوم المولدات الكهربائية بتوليد التيار المتردد بدلا من التيار المستمر وذلك لسهولة رفع الجهد باستخدام المحولات الكهربائية في أنظمة التيار المتردد. ويتم نقل الطاقة الكهربائية من محطات التوليد إلى محطات التوزيع عبر أسلاك من النحاس أو الألمنيوم تعلق في الغالب على أبراج فولاذية بعد أن يتم رفع الجهد الكهربائي بشكل كبير باستخدام محطات تحويل الجهد وذلك لتقليل كمية الطاقة المفقودة في الأسلاك حيث أن الفقد يتناسب عكسيا مع مربع الجهد. ويعتمد اختيار مقدار جهد النقل على المسافة بين محطة التوليد وأماكن التوزيع وكمية الطاقة المنقولة حيث وصل أعلى جهد نقل إلى ما يقرب من ألف كيلوفولت. ويتم توزيع الطاقة الكهربائية على البيوت والمصانع وغيرها من المرافق بعد أن يتم تخفيض الجهد الكهربائي إلى المستوى المطلوب وهو 110 أو 220 فولت حيث يقوم المستخدم بأخذ حاجته من الطاقة التي يتم احتساب كمياتها باستخدام العدادات الكهربائية.
الطاقة الذرية
أما الطاقة الأكثر عجبا فهي الطاقة الذرية وذلك لأن البشر اكتشفوا الفحم والبترول والغاز بالصدفة ومن خلال البحث والتنقيب أما الطاقة النووية فقد اكتشفها العلماء من خلال حل المعادلات الرياضية وإجراء التجارب العلمية المعقدة حيث وجدوا أن نوى ذرات العناصر المختلفة تحتوي على كميات خيالية من الطاقة تفوق بملايين المرات الطاقة التي تنبعث من المواد العضوية عند حرقها. لقد أثبت الفيزيائي الفذ أينشتاين في مطلع القرن العشرين من خلال البحث الرياضي البحت أنه إذا أمكن تحويل كتلة ما من المادة إلى طاقة فإنه ينتج عن هذا التحول كمية من الطاقة تساوي حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء. فعلى سبيل المثال فإن الطاقة النووية الناتجة عن تحويل غرام واحد من المادة بكامله إلى طاقة يساوي 85 ألف مليون وحدة حرارية والذي يساوي 25 مليون كيلواط -ساعة أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق ما يقرب من خمسة آلاف طن من الفحم الحجري. وعلى الرغم من أن جميع نوى ذرات العناصر تحتوي على كميات متفاوتة من هذه الطاقة الكامنة إلا أن العلماء لم يتمكنوا من الحصول عليها إلا من خلال شطر نوى بعض العناصر الثقيلة كاليورانيوم 235 والبلوتونيوم والثوريوم فيما يسمى بعملية الانشطار النووي أو من خلال دمج نوى بعض العناصر الخفيفة كنظائر الهيدروجين والليثيوم فيما يسمى بعملية الاندماج النووي. ومن الجدير بالذكر أنه عند انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم 235 الخالص فإن الفرق بين كتلة المادة قبل وبعد عملية الانشطار يساوي غرام واحد أو أقل قليلا أي أن كمية الطاقة الناتجة عن انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم 235 تساوي 78 ألف مليون وحدة حرارية أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق 4600 طن من الفحم الحجري. وعلى العكس من القنبلة الذرية التي لا يمكن لها أن تنفجر إلا بتوفر كتلة كافية ونقية من اليورانيوم 235 فإن المفاعل الذري يمكن أن يعمل باستخدام اليورانيوم الطبيعي الذي يحتوي على نسبة تصل إلى سبعة بالعشرة بالمائة من اليورانيوم 235 القابل للانشطار وهذا يعني أنه عند تزويد المفاعل بمائة وأربعين كيلوجرام من اليورانيوم الطبيعي فإنه لا ينشطر إلا كيلوجرام واحد فقط من اليورانيوم 235. وعادة ما يتم تخصيب اليورانيوم الطبيعي لزيادة نسبة اليورانيوم 235 فيه وذلك لتقليل حجم المفاعل من خلال تقليل كمية اليورانيوم الموجودة في داخله والتي قد تصل إلى عدة أطنان. فعلى سبيل المثال فان محطة توليد كهربائية بقدرة ألف ميجاوات تحتاج يوميا لتشغيلها كيلوجرامين فقط من اليورانيوم 235 القابل للانشطار وهذه الكمية من الوقود يمكن توفيرها من خلال تزويد المفاعل بمائتين وثمانين كيلوجرام من اليورانيوم الطبيعي أو بأربعين كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة خمسة بالمائة. وتبقى هذه الكمية من الوقود النووي قليلة جدا بالمقارنة مع عشرة آلاف طن من الفحم الحجري تلزم لتشغيل نفس المحطة أي أن وقود المحطة الذرية يمكن نقله بسيارة صغيرة بينما يتطلب نقل وقود المحطة العاملة بالفحم أسطول ضخم من الشاحنات أو القطارات ومساحات واسعة للتخزين.
لقد انتشر استخدام المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية في كثير من دول العالم المتقدم حيث وصل عددها في عام 2000 إلى 440 مفاعل موجودة في ثلاثين دولة في العالم ويبلغ متوسط قدرة الواحد منها ألف ميجاواط وتنتج ما يقرب من 16 بالمائة من مجموع إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم. وتستأثر الولايات المتحدة بحصة الأسد من هذه المفاعلات حيث تملك 104 مفاعلات تليها فرنسا 57 مفاعل ثم اليابان 53 مفاعل ثم بريطانيا 33 مفاعل ثم روسيا 30 مفاعل ثم كندا 21 مفاعل ثم ألمانيا 19 مفاعل. وتحتوي القشرة الأرضية على كمية من اليورانيوم تعادل كمية الرصاص الموجود فيها إلا أنه على عكس المعادن الأخرى تتبعثر خاماته في جميع أرجاء القشرة الأرضية وقد يتراكم بصورة استثنائية في بعض المناجم الغنية الموجودة في الكونغو وكندا واستراليا والتي قد تصل نسبته في الصخور التي تحتويه إلى ثلاثة بالمائة ولذلك فإن الاحتياطي العالم من اليورانيوم الطبيعي الذي يمكن استخراجه بشكل اقتصادي لا يتجاوز عشرة ملايين طن. وقد بلغ استهلاك العالم من اليورانيوم الطبيعي في عام ألفين 75 ألف طن مما يعني أن اليورانيوم قد يزود العالم بالطاقة لمائة سنة قادمة ومن الممكن زيادة هذه المدة بشكل كبير إذا ما تم استخدام مفاعلات التكثير لإنتاج البلوتونيوم القابل للانشطار من اليورانيوم 238 الغير قابل للانشطار والذي يشكل ما يزيد عن تسع وتسعين بالمائة من اليورانيوم الطبيعي. ويبلغ السعر المتوسط للطن الواحد من اليورانيوم الطبيعي عشرين ألف دولار أمريكي ولكن هذا الطن لا يحتوي إلا على سبعة كيلوجرامات من اليورانيوم القابل للانشطار مما يعني أن سعر الطن الواحد من اليورانيوم القابل للانشطار قد يصل إلى ثلاثة ملايين دولار وذلك دون احتساب كلفة عمليات التخصيب. وينتج الطن الواحد من اليورانيوم القابل للانشطار 23 بليون كيلواط ساعة من الطاقة الحرارية مقابل ثمانية آلاف كيلواط ساعة ينتجها الطن الواحد من أجود أنواع الفحم الحجري والذي لا يتجاوز ثمنه الثلاثين دولار أي أن ثمن الألف كيلواط ساعة المنتجة من اليورانيوم يساوي 13 سنتا مقابل ما يقرب من أربع دولارات لنفس الكمية من الطاقة المنتجة من الفحم الحجري. ولكن هذا الفرق الشاسع بين كلفة نوعي الطاقة يقل بشكل كبير عندما يتبين لنا أن كلفة إنشاء المحطات الذرية تفوق بكثير كلفة المحطات العاملة بالفحم الحجري.
وعلى الرغم من أن التلوث الناتج عن المحطات الذرية لا يكاد يذكر مع التلوث الناتج عن المحطات التي تعمل بالبترول والفحم والتي تنتج كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون إلا أن مخلفات الاحتراق النووي لها درجات إشعاع عالية يستمر إلى آلاف السنين ولذا يتطلب حفظه في مخازن محكمة لمنع تسربه إلى الخارج. ولم يقتصر استخدام المفاعلات الذرية على إنتاج الطاقة الكهربائية فقط بل تم استخدامها في إمداد محركات حاملات الطائرات والسفن الكبيرة والغواصات وكاسحات الجليد بالطاقة اللازمة لتشغيلها. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1954م ببناء أول غواصة تعمل بالطاقة الذرية تبعها الاتحاد السوفيتي ببناء غواصة مماثلة وقد وصل عدد حاملات الطائرات والغواصات والسفن الحربية والتجارية التي تعمل على الطاقة الذرية في عام 2000م إلى مائة وخمسين سفينة وغواصة. وتتميز هذه السفن والغواصات الذرية عن مثيلاتها التي تعمل باستخدام الفحم والديزل بعدم حاجتها للعودة إلى محطات تزويد الوقود بشكل متكرر حيث يمكنها البقاء بعيدا عن قواعدها لعدة سنوات من خلال حمل ما يكفيها من قضبان اليورانيوم.
ويعمل العلماء في الوقت الحاضر على تطوير نوع آخر من المفاعلات وهي المفاعلات الذرية الاندماجية حيث يتم دمج ذرات أحد نظائر الهيدروجين (الديوتيريوم) وتحويلها إلى ذرة هيليوم لتنتج كمية من الطاقة تفوق تلك الناتجة عن انشطار اليورانيوم 235 حيث يولد الكيلوجرام الواحد من الهيدروجين ثمانية أضعاف ما يولده الكيلوجرام من اليورانيوم. إن عملية الاندماج النووي هذه هي نفس العملية التي تعتمد عليها الشمس في توليد هذه الكميات الضخمة من الطاقة والتي تمد بها أرضنا للحفاظ على الحياة عليها حيث تحرق الشمس في الثانية الواحدة أكثر من مليوني طن من الهيدروجين وتنتج من الطاقة ما يقرب من 400 بليون بليون ميجاوات. وهنالك ميزتان للاندماج النووي مقارنة بالانشطار النووي أولهما وفرة وقوده وهو الهيدروجين الثقيل المتوفر في مياه المحيطات حيث يوجد كيلوجرام واحد منه في كل ستة أطنان من الماء مما يعني أن مخزونه يكفي لتزويد البشرية بالطاقة لعشرات الآلاف من السنين وثانيهما أن مخلفاته من المواد المشعة لا تكاد تذكر مع مخلفات اليورانيوم حيث يتلاشى إشعاعها بعد فترات قصيرة من خروجها من المفاعل. ولقد تمكن الإنسان من استغلال هذه الطاقة في صناعة القنابل الذرية الاندماجية أو ما يسمى بالقنابل الهيدروجينية والتي تم تصنيع أول قنبلة منها في عام 1952م في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والأموال الطائلة التي بذلت في سبيل استغلال طاقة الاندماج النووي في توليد الطاقة الكهربائية إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تصنيع مفاعلات اندماجية وذلك بسبب صعوبة الحصول على درجات الحرارة اللازمة لبدء عملية الاندماج والتي قد تصل إلى ما يزيد عن عشرة ملايين درجة أي ما يقرب من درجة حرارة باطن الشمس. وإذا ما استمر دعم الدول الكبرى لمشروع ترويض الطاقة الاندماجية بنفس المستوى الذي هو عليه الآن فمن المتوقع إنتاج أول مفاعل اندماجي تجاري في غضون الخمسة وعشرون سنة القادمة.
الطاقة المتجددة
إن الطاقة الموجودة في الفحم الحجري والبترول والغاز واليورانيوم طاقة غير متجددة أي أنها ستنتهي مع انتهاء المخزون المتوفر منها في الأرض. إن البديل لهذه المصادر غير المتجددة هو مصادر الطاقة المتجددة أو المستدامة وهي المصادر التي تستمد طاقتها بشكل دائم من الشمس حيث يصل من طاقة الشمس إلى الأرض ما يقرب من مائتي بليون ميجاوات. ولو أمكن تحويل جميع الطاقة الشمسية الواصلة إلى الأرض إلى طاقة كهربائية فإنها ستوفر ما مقداره بليون بليون كيلواط-ساعة في السنة وهو ما يزيد بسبعين ألف مرة عن معدل الاستهلاك العالمي من الطاقة الكهربائية . وهذا يعني أن جزء من عشرة آلاف جزء من الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض يكفي لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لجميع سكان الأرض وهي طاقة نظيفة لا تترك أي مخلفات تضر بالبيئة كما هو الحال مع مصادر الطاقة الأخرى. ولكن الطاقة الشمسية التي تسقط على الأرض لا تذهب هدرا بل تقوم بتسخين الأرض للحفاظ على درجات حرارة مناسبة قدرها الله عز وجل بدقة بالغة بحيث يمكن للحياة أن تدوم على سطحها. وتقوم كذلك بتبخير مياه المحيطات التي تتشكل منها الغيوم وتحريك الرياح التي تسوق هذه الغيوم المحملة بالأمطار إلى اليابسة فتنبت شتى أنواع النباتات التي تقوم بتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية يتم تخزينها في المواد العضوية من خلال عملية التركيب الضوئي.
ومن أهم أنواع الطاقة المتجددة التي تم استغلالها من قبل البشر الطاقة الحركية الموجودة في مياه الأنهار حيث قدر العلماء كمية الماء المتبخر من المحيطات بفعل الطاقة الشمسية في السنة الواحدة بأربعمائة ألف كيلومتر مكعب ومن اليابسة بستين ألف كيلومتر مكعب. ومع ارتفاع هذا الماء المتبخر إلى طبقات الجو العليا فإنه يتكثف بسبب انخفاض درجة حرارة الجو مشكلا الغيوم التي تسوقها الرياح إلى حيث يشاء الله ثم تتراكم حبيبات الماء بعضها على بعض فيسقط مطرا على الأرض وصدق الله العظيم القائل ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ” النور 43-44. إن هذه الكمية الهائلة من الماء الموجود على ارتفاع عدة كيلومترات من سطح البحر يحتوى على كمية هائلة من طاقة الوضع التي تتحول بكاملها إلى طاقة حرارية بمجرد اصطدام قطرات المطر بالأرض ولكن وبسبب ارتفاع بعض أجزاء اليابسة عن سطح البحر فإن طاقة الوضع المتبقية في مياه الأمطار التي تسقط على المرتفعات يمكن استغلالها في إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال إقامة المحطات الكهرومائية عند الشلالات والسدود المقامة على مجاري الأنهار. وتتكون المحطات الكهرومائية من توربينات مائية عملاقة يتم إدارتها بتيار الماء المتدفق بشدة من الشلالات ومخارج السدود. وتنتج المحطات الكهرومائية ما يقرب من سبعة بالمائة من مجموع إنتاج الطاقة العالمي حيث بلغت كمية الطاقة المنتجة في عام 2000م ألفين وستمائة بليون كيلواط ساعة والتي تشكل تسعة عشر بالمائة من إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم. وتعتبر كندا من أكبر الدول المنتجة للطاقة الكهرومائية حيث بلغ إنتاجها 355 بليون كيلواط ساعة تلتها البرازيل بمقدار 300 بليون كيلواط ساعة ثم الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 270 بليون كيلواط ساعة ثم الصين بمقدار 220 بليون ثم روسيا بمقدار 160 بليون.
وتمكن البشر كذلك من استغلال طاقة الرياح فأقاموا ما يسمى بطواحين الهواء في الأماكن التي تشتد فيها سرعة الرياح على مدار العام حيث تتكون طاحونة الهواء من توربينات هوائية مثبتة على أبراج عالية وتقوم هذه التوربينات بإدارة المولدات الكهربائية. وتتراوح قدرة هذه المولدات ما بين واحد كيلواط وألفي كيلواط وذلك حسب قطر التوربينات التي تديرها وشدة سرعة الرياح على مدار العام. وتم كذلك استغلال الطاقة الحرارية المختزنة في باطن الأرض لتوليد الطاقة الكهربائية حيث تستخدم مياه الينابيع الحارة لإمداد المحطات الحرارية بالطاقة التي تلزمها أو من خلال إنزال أنابيب إلى جيوب الماء الحار المضغوط فيخرج منها بخار بدرجة حرارة وضغط عاليين فيعمل على تشغيل توربينات المحطات الحرارية. ويعمل العلماء كذلك على استغلال الطاقة الضخمة التي تختزنها المحيطات من الطاقة الحرارية وذلك من خلال الاستفادة من الفرق الكبير في درجة الحرارة بين مياه سطح البحر الدافئة ومياه القاع الباردة حيث يصل الفرق إلى ما يزيد عن عشرين درجة مئوية وكذلك من طاقة المد والجزر.
وتمكن الإنسان كذلك من استغلال الطاقة التي تشعها الشمس يوميا إلى الأرض بشكل مباشر حيث يسقط على المتر المربع الواحد من الأرض ما يزيد عن ألف واط من الطاقة الضوئية. ويمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية في تسخين المياه لأغراض الاستخدامات المنزلية والصناعية والزراعية من خلال استخدام ما يسمى بالمجمعات أو المرايا الشمسية. ويتم تحويل الطاقة الشمسية مباشرة إلى طاقة كهربائية باستخدام الخلايا الشمسية المكونة من المواد شبه الموصلة والتي تولد جهدا كهربائيا عند تسليط ضوء الشمس عليها. وبسبب غلاء أسعار هذه الخلايا الشمسية وتدني كفاءتها التحويلية في بداية عهدها في الستينات من القرن العشرين فقد اقتصر استخدامها في التطبيقات التي لا تتوفر فيها مصادر الطاقة الكهربائية كما في الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وكذلك التجمعات السكانية النائية. ومع التقدم الكبير في صناعة الإلكترونيات فقد انخفضت أسعار الخلايا الشمسية وارتفعت كفاءتها إلى ما يقرب من خمسة وعشرين بالمائة مما جعل سعر الطاقة الكهربائية المولدة بواسطتها مقاربا لسعر المصادر الأخرى مما شجع على إنشاء عدد كبير من محطات توليد الطاقة الكهروشمسية في مختلف دول العالم وخاصة تلك التي تسطع فيها الشمس على مدار العام. وبلغت كمية الطاقة المنتجة من هذه المصادر المتجددة باستثناء الطاقة المائية ما يقرب من واحد بالمائة من مجموع إنتاج الطاقة العالمي حيث بلغت كمية الطاقة المنتجة في عام 2000م مائتين وأربعين بليون كيلواط ساعة والتي تشكل اثنين بالمائة من إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر الدول المنتجة حيث بلغ إنتاجها 86 بليون كيلواط ساعة تلتها اليابان 20 بليون ثم ألمانيا 19 بليون.