الذيب أسرع (دراسة نقدية للفيلم الأردني “ذيب” الحائز على جوائز عالمية) / وائل مكاحلة

الذيب أسرع
(دراسة نقدية للفيلم الأردني “ذيب” الحائز على جوائز عالمية)

أبارك لفريق عمل فيلم “ذيب” نجاحه الباهر الذي حصد عدة جوائز وتأهل لأكثر منها، وأقول لهم أنه قد حان الوقت لنصدر شيئا للعالم بخلاف الخضار والسجاد والملابس، لا بد للفن الأردني الذي طغى محليا وعربيا في الثمانينيات ومات تماما منذ أوائل التسعينيات حتى الآن أن يصل للعالمية….. بدون مقدمات…!!

في دعوة كريمة من قبل سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.. تمت دعوتنا كأعضاء ومنتسبي “جمعية أيلة للثقافة والفنون” لمشاهدة فيلم “ذيب” الذي حطم حاجز اللامعقول في ترشحه لنيل جوائز عالمية كالأوسكار وغيرها، وفعلا كان لنا لقاء في قاعة الشهيد “معاذ الكساسبة” لمشاهدة الفيلم سينمائيا بعد عرضه في الخارج لثلاث سنوات متتالية، أثارت فيّ تلك السنوات التي غاب فيها الفيلم عن أخبارنا المحلية الحيرة !!.. فلماذا لا يُتاح للفيلم أن يُعرض في بلده أولا قبل أن يعرض في الخارج، ولا نسمع عنه إلا بعد أن يبدأ في حصد الجوائز فعلا ؟!!..

الأدهى أن الفيلم غير موجود على أي موقع لعرضه على الناس حتى الآن…!!

مقالات ذات صلة

بدأ عرض الفيلم لتتضح الرؤى تدريجيا.. الفيلم يعرض جانبا من حياة البادية الأردنية في الفترة الواقعة بين نهايات الحكم العثماني وبدايات الثورة العربية الكبرى، والتي ما كانت لتقوم لولا تظافر جهود الثوار بقيادة الشريف حسين بن علي وأولاده وجهود أهل الصحراء الجنوبية وقتها، الفيلم يتحدث في مساحة درامية ضيقة للغاية عن حياة أجدادنا الذين حكموا الصحراء – حسب التاريخ – بشهامتهم وشجاعتهم وبعد نظرهم الفطري وعلومهم الأولية، لكن الغريب أن للفيلم وجهة نظر أخرى…!!

لم يخلُ الفيلم من الغدر والوحشية وسفك الدماء طيلة مدة عرضه، أنا لا أنكر أن تلك الفترة احتوت على غزوات ومنازعات بين القبائل التي سكنت المنطقة، لكن التاريخ أيضا لم ينس أن يسجل العهود والمواثيق التي كانت تكفل العيش بسلام في فترات اللاحرب، الغدر ليس من شيمة البدوي ولا القتل غير المبرر من أجل متاع بسيط تحمله ناقة يبيعه للجنود الأتراك !!.. الفيلم أخذ بعدا مخيفا حين وصل الأمر إلى حد مطاردة طفل صغير في بئر ماء لقتله لمجرد أنه من أبناء الخصوم، الحقيقة أن أيا كان لا يستطيع إقناعي بأن هؤلاء هم من تبعوا “عودة باشا أبو تايه” لتحرير الأرض من بقايا فلول دولة “الرجل المريض” غير عابئين بأرواحهم، الفيلم – للأسف – صورهم كرجال الكهف الذين لم يحكمهم دين ولا مبدأ في رحلة البحث عن الطعام والمأوى، ربما نسي فريق العمل السينمائي أن الشريعة الإسلامية حكمت هؤلاء وقيدتهم في إطار من الأخلاقيات بأكثر مما فعلت بنا نحن أولاد التطور والحضارة…!!

في كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” للورنس العرب “توماس لورنس”.. يصف المؤلف هؤلاء بالجنود الشجعان والملتزمين دينيا وأخلاقيا والتابعين المخلصين لقيادتهم، وأنهم كانوا يستميتون في سبيل نصر جديد كل مرة، لم يخذل أيهم الهدف المراد منه ومن بندقيته، ثم يصف المؤلف البيئة التي ترعرعوا فيها ونشأوا مع الكثير من الإنبهار بهم وبصحرائهم، هذا بالطبع أشغل خيال الغربيين كثيرا وأشعل فضولهم لعقود طويلة، لورنس بالنسبة إلى الغربيين لم يكن مجرد ضابط اتصال بين الثوار والجيش البريطاني لمدهم بالمعونات والعتاد، لورنس كان أسطورة !!.. ولأن الأسطورة لا تموت فقد حاول الجميع قراءة كل ما كُتب عنه، وللعلم فإن كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” في الغرب يعتبر مرجعا ثقافيا ووثائقيا لا بد لكل مهتم بالتاريخ من مراجعته وحفظه، كثيرون حفظوا ما فيه صما فاشتعل خيالهم ليركبوا الصعب في رحلات إلى رم والمنطقة الصحراوية التي ضمت كفاح هؤلاء ونصرهم وبناء دولتهم، مئات الآلاف زاروا ولا زالوا يتوافدون لزيارة هذه الأرض التي أسهب لورنس في ذكر مفاتنها ومروءة رجالها وعشرته معهم لسنوات..

من القراءات المتعددة التي مرت بي أدركت أن أركان القصة أربع:-

1- المقدمة: وفيها وصف للشخوص وتهيئة الجو للقارئ ليفهم أبعاد القصة وينسجم مع المكان والزمان الذي ضم الأحداث التالية.
2- المشكلة (الحبكة الأولى): وهي الهدف الأساسي من القصة.
3- الحل (الحبكة الثانية): وهي الرسالة المراد إيصالها من القصة.
4- الخاتمة.

يأتي هنا فيلم “ذيب” خاليا من أي حبكة أو رسالة مفيدة أو هدف إنساني !!.. الفيلم لعب على أوتار توق الكثيرين لسبر أغوار هذه البيئة التي جعلتها كتابات لورنس تحاكي السحر، ودغدغ مشاعر كل مهتم بالتراث الإنساني، لذا كان من الطبيعي ألا يلتفت أحد لأن الحبكة معدومة وأن القصة غير موجودة تقريبا، “ذيب” نفسه – أو الطفل الذي أدّى دوره – لم أسمع منه جملتين مفيدتين طوال الفيلم، وهذا يقودنا لأن المخرج لم تكن تعنيه القصة أو الحبكة بقدر ما كان يعنيه أن يصف الفيلم الأجواء الصحراوية التي يعشقها الجميع..

من المعروف أن أفلام “يوسف شاهين” غير المفهومة التي حازت على جوائز عالمية كانت تجامل الغرب كثيرا، في أفلامه الأخيرة التي لم تحز أي جوائز كانت المجاملات قد وصلت حد أن يرقص المخرج نفسه أمام الكاميرا ليثبت أنه راقص غربي ممتاز، العلاقات الشاذة الغريبة أيضا بين جندي فرنسي وفلاح مصري في أحد أفلامه.. أخذت بعدا عاطفيا تكاد أن تعترف معه بحق الشاذين في العيش بيننا بسلام !!.. هكذا انتهى وقت المجاملات.. وبدأت الصحافة المصرية في مهاجمة المهرجانات العالمية لأنها لم تنصف المخرج العبقري الكبير، لكن أحدا لم ير الأفلام من زاوية شاهين الشاذة أبدا…!!

الفيلم “ذيب” ممتاز جدا كفيلم وثائقي بغض النظر عن الأخلاقيات المعروضة التي لا تحاكي الواقع أبدا وبرغم ضعفه دراميا، وأشهد أن مهندس الصوت كان على درجة عالية من الحرفية ليعتني بكل الأصوات التي رافقت أحداث الفيلم، أيضا أماكن التصوير جرى انتقاؤها بدقة متناهية تشعل حماس المتابع لزيارتها فيما بعد..

المطلوب من المخرج والمؤلف إنتاج أفلام أفضل في المستقبل، نريد أفلاما تعرض واقعنا فعلا دون مجاملات للغرب تحط من قيمة تراثنا الإنساني الذي نفخر به، لا نريد نسخا مكررة من شاهين أو من بعض مخرجي المغرب العربي الذين ما زالوا يصرون على ربط تاريخهم بالذيول الفرنسية التي أجهضها أبطالهم..

نريد أشياء على المستوى المحلي أكثر.. وجائزتكم الأكبر هي رضا الجمهور…

ننخاكم ولّا “الذيب” أسرع ؟!!…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى