
تصادف اليوم الخميس ، #الذكرى_السنوية الأولى لوفاة المرحوم #القاضي_هاني_عبدالرحيم_الحياري، أحد القامات المتميزة في السلك القضائي الأردني.
ويعد القاضي هاني عبدالرحيم الحياري أحد قامات الأردن القضائية السامقة ممن لازمتهم صفة التميز، إذ كان صاحب مواصفات أجمعت عليها غالبية فئات المجتمع الأردني وخاصة زملاؤه القُضاة والمحامون، وأحسب أن من نال حظًّا وتعرف إليه لا بد وان تبادرت الى ذهنه مقولة المفكر العالمي “أريل تايتنجال” ومفادها انه” سيتم قياس نجاحك وتميزك دائمًا …بواسطة مقدار وكفاءة الخدمات التي تقدمها للغير”، فعلى طوال مسيرته في درب القضاء وإحقاق الحق لأصحابه حرص أبو علاء على التحلي بصفات القاضي الذي تمثّل فيه معاني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “قاض عرف الحق فقضى به فهو فى الجنة”، وكذلك قول عمر بن عبد العزيز: (إذا كان في القاضي خمسُ خصالٍ، فقد كَمُل وهي: علمٌ بما كان قَبله، ونَزَاهةٌ عن الطَّمع، وحِلْمٌ عن الخَصْم، واقتداءٌ بالأئمة، ومُشَاورة أهلِ العلمِ والرأي”، وأيضاً قول الماوردي: (والنَّفسُ الشَّريفة تطلبُ الصِّيانة، وتُـرَاعي النَّزاهَة، وتحتمل من الضُّرِّ ما احتملت، ومن الشِّدَّة ما طاقتْ، فيبقى تحمُّلُها ويدوم تصوُّنها”.
الحياري وخلال عقود عديدة من العمل والتفاني والحكم بين الناس، نال محبة العامة والخاصة على حد سواء، والذين رأوا فيه ميزاناً لم يحده عن الحق قيد أنملة، لذا لم يكن مستغرباً أن يكون صاحب ألقاب ثلاثة، فهو صاحب القلب الذهبي، وهو ضمير العدالة، وهو رجل من القطع النادر، لما عرف عنه من حيادية تامة ونزاهة مطلقة ومصداقية أكيدة، فالرجل وخلال عقود من العمل في خدمة القضاء، جاب فيها مختلف محافظات المملكة وتسلم خلالها العديد من المناصب القضائية، كان نِعم القاضي الذي يأنس إليه الفرقاء واثقين من عدالة قضيتهم طالما آلت الى اليد الأمينة التي يمثلها هاني الحياري رحمه الله الذي لا شك أنه أسهم كذلك في إيجاد جيل من القضاة المؤمنين بسمو رسالة مهنتهم، فلا غرابة أن وجد فيه الكثيرون المثل والأنموذج والقدوة في منهجية العمل التي ساروا عليها واختطوها لأنفسهم منذ بواكير حياتهم العملية، حتى إذا تسلم أحدهم منصبًا أرجع الفضل فيه لأبي علاء لما آل إليه.
ومن خلال جملة الأحكام التي أصدرها طيلة مدة خدمته، فقد جسد القاضي هاني الحياري معنى استقلال القرار القضائي، حيث كان مؤمنًا بأن هذا المبدأ هو من المبادئ الراسخة التي تقوم عليها دولة القانون في سبيل تحقيق العدالة للجميع على أرضها، ومن قراءة متأنية في مفاصل شخصية الراحل هاني الحياري يتبين للباحث بأنه كان يرى بأن تكريس هذا المبدأ إنما ينطوي على الكثير من الأهمية في تحقيق الأمن والطمأنينة والعدالة، الأمر الذي جعله أحد أهم المبادئ التي حظيت باهتمام الدساتير العالمية قاطبة، كما كان أبو علاء يؤمن ويرى بأن من واجبات مؤسسات الدولة قاطبة العمل الدؤوب لتكريس مبدأ استقلال القضاء من الناحيتين التشريعية والتطبيقية، لأن استقلال القضاء كمبدأ هو الضامن الوحيد لتكريس حقوق الإنسان التي تضمن خضوع الفرد لمحاكمات عادلة بعيدة عن الشُبهات، فضلًا عن أنه مبدأ يقضي بالحقوق المتنازع عليها أمام جهة قضائية مستقلة تحقق العدل والإنصاف، وإن بعكس ذلك فسوف تُهدر الحقوق ويصبح أصحابها ضحية غياب العدالة فيأكل القويُ الضعيفَ ويسود في المجتمع منطق القوة، وهذا ما كان يرفضه جملة وتفصيلا.
آمن القاضي هاني الحياري بمضمون إن سيادة القانون تعتبر أهم ركن من أركان الدولة وهو الضمانة الحقيقية للمسيرة الديمقراطية وأمن المواطن واستقرار الوطن، كان نابعًا من قناعاته بأنها هذه السيادة هي الأساس لبناء الدولة الديمقراطية، وأن ذلك يجب أن يتجذر في سلوكنا السياسي والاجتماعي والممارسات الأخرى وأهمها احترام الرأي والرأي الآخر، وأهمية مشاركة المواطنين في بحث القضايا ذات الأولوية وعدم التطاول على مؤسسات الدولة.
فوق كل ذلك ومن خلال أمثلة حيّة ساقها سعادة الأستاذ علاء نجل القاضي هاني الحياري، فقد شكل الحرص على الإصلاح بين المتخاصمين أحد المبادئ الراسخة في منظومة تفكير القاضي هاني رحمه الله، وفي ذلك فإنه لم يدخر وسعًا في تغليب نظرة الإصلاح مكان إيقاع العقوبة طالما كان هناك متسعًا للصفح بين طرفي القضية التي ينظرها، أو حينما كان يرى ذلك تقديرًا، ليأتي قراره وفق قناعاته حتى وإن لم يقبل بها زملاءه من الهيئة القضائية، ولطالما كان قادرًا على إقناع الآخرين بوجهة نظره التي نتج عنها توافقات ورضا بين متخاصمين على قضايا ذات أهمية، وفي ذلك يمكننا القول أنه كان يرى بأن الإنسانية والقضاء يلتقيان عند خط الرحمة ويفترقان عند خطوط الحقوق.
الحياري كان قاضيًا ورجلًا مُهابًا ومدركًا لخصوصية عمله كقاضٍ تُحتّمُ عليه وظيفته ذلك لأنها المهنة الوحيدة التي لا يمكن أن تسمح للقاضي أن يعيش كما يريد، فهو مُراقب في ملبسه وفي علاقاته وفي مشاعره، كما في توجهاته السياسية والاجتماعية، ويتم رصد تحركاته وتصرفاته وكلماته، وكل ذلك كان واضحًا بحسابات أبي علاء الذي كان متعمقًا في مضامين الحديث الشريف الذي رواه عمر بن شبة، في كتاب ” قضاة البصرة ” بإسناده عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من بلي بالقضاء بين المسلمين، فليعدل بينهم في لفظه، وإشارته، ومقعده، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر. وفي رواية: فليسوا بينهم في النظر، والمجلس، والإشارة.