الذباب الإليكتروني

الذباب الإليكتروني
د. هاشم غرايبه

كثر طنين الذباب الإليكتروني هذه الأيام، وكلٌ له مهمة، بعضهم بتمويل بالدرهم والريال، لمن باعوا نفوسهم بثمن بخس، وآخرون دافعهم العداء لمنهج الله، فهم لا يتقاضون أجراً على طعنهم أمتهم، ولا يبالون بتركيعها لعدوها، فالمهم عندهم النيل من الإسلام.
أقضت مضاجع هؤلاء هذه الهبة العارمة التي شملت كل أرجاء الأمة فانتفضت شيبا وشبانا غضبا وانتصارا لنبيهم صلى الله عليه وسلم، رسول الهدى والرحمة للبشرية جمعاء.
هم يعلمون حجم محبة االنبي الكريم في القلوب، لكنهم طمعوا في أن الحملة الصليبية التي شنت على المسلمين مؤخرا تحت مسمى الحرب على الإرهاب، قد حققت شيئا من انفضاض الناس عن الدين، ففاجأهم أن الإسلام هو حقا كما قيل فيه: إذا حوصر وهوجم لا ينكمش بل يشتد، وإذا ترك الخيار للناس اختاروه فيمتد.
القصة القديمة التي يتاجرون بها مهترئة من كثرة الإستعمال إذ لا يجدون غيرها، وهي التحريض على الإخوان المسلمين، على أنهم وراء هذه الهبة على فرنسا.
لغبائهم فهم بذلك يدعمون حركة الإخوان من حيث يقصدون مهاجمتهم، فلو كان ذلك حقا لكان وساما لهم، ودافعا لكي يدعمهم الناس، لكن أسراب الذباب هؤلاء لا يحتكمون لعقولهم التي أغلقها الحقد التاريخي على الإسلام أو طمست عليها العمالة لأعدائه، فتسول لهم جاهليتهم الموروثة من أبي جهل، أن الإخوان هم الذين يحرضون الناس على التمسك بعقيدتهم، ولولاهم لذوت في النفوس، ولنجحوا في اقناعهم بالعلمانية ومختلف الترهات الملحقة بها مثل الدولة المدنية والتنوير..الخ.
لعل من أسخف ما نشره الذباب الخليجي في الآونة الأخيرة، ونقله ببغائية مضحكة، الذباب الذي عندنا:إن “مهاتير محمد” و”أردوغان” في ردهم على وقاحة “ماكرون”، ينفذون أجندة الإخوان المسلمين!.
ألا يعلم هؤلاء المفلسون، أنه لم تعد مجدية الآن فزاعة اتهام الحريصين على الدين بالانتماء الى الإخوان، فهذه قد تنجح بتخويف الناس وإرعابهم في بعض الأقطار العربية الرازحة تحت حكم بعض طواغيت المسلمين، الذين كشفوا عن عدائهم الصريح للإسلام، بتقسيم الأمة حسب مواصفات الغرب الى إسلاميين ومسلمين، بهدف تقسيم المسلمين شيعاً (الثور الأبيض والثور الأحمر) لتسهيل استئصال عقيدتهم،والبدء بالإسلاميين (الثور الأبيض) كجزء من الدور الموكل إليها المكمل للحرب الصليبية (الحرب على الإرهاب الإسلامي)، والتي هدأت في جانبها العسكري، لكنها ما زالت قائمة على الجبهة الفكرية والملاحقة والحصار.
لكنها فزاعة مهترئة، لا تنفع في أقطار أخرى تعترف بهم كحزب سياسي مثلهم مثل الأحزاب القومية والماركسية، كما أن قادة الغرب لا ينساقون لهذا التحريض، فهم يعرفون المرامي والأهداف.
السؤال الهام: لماذا لا يعتبر الإخوان المسلمين في الغرب إرهابيون، ولا ينظر لهم بتلك الخطورة التي ينظر إليها حكام العرب؟.
فهل ذلك لأنهم عملاء للغرب، كما يشيع القوميساريون؟.
لو كانوا كذلك حقا، لكان التعاون والتحالف بين الطرفين أولى، فقد رأينا حكاما عرب متعادين، وبعضهم يعتبرون أنفسهم تقدميين والآخرين رجعيين، لكننا رأيناهم عندما اصطفوا تحت راية أمريكا في الحرب على العراق انقلبوا إخوانا متحابين، وكانوا حلفاء لبعضهم في “حفر الباطن” متوادين.
الحقيقة المعروفة أن جماعة الإخوان المسلمين حزب سياسي مثل غيره من الأحزاب، يعمل تحت سقف الدساتير العلمانية، لذلك فسعيه الى الوصول الى السلطة لا يعيبه، وليس عدلا أن نطلب منه (كونه يرفع شعارا إسلاميا) أن يؤثر منافسيه الآخرين، أو يتبرع بجزء من شعبيته لصالح الأحزاب القومية واليسارية المفتقرة لها، فذلك ليس من الصالحات التي تقربه من الله.
الإخوان المسلمون فرقة من فرق المسلمين التي تدعو لتطبيق شرع الله في الحكم (الإسلام السياسي)، ونسبتهم العددية بين هؤلاء ضئيلة، لا تصل الى واحد بالألف، لذلك لا ينظر إليهم الغرب بخطورة، فلا يقمعهم، لأنه يترك المهام القذرة للأنظمة، ولأنه لو فعل لنالوا تقدير الناس، واعتبر الانتساب لهم جهادا.
كما أن الغرب الذي يرتعب عند سماع (الله أكبر)، يفضل بقاءهم هكذا كسقف أعلى للإسلام السياسي، ولا يريد القضاء عليهم كلياً، لأن ذلك سيدفع الى تشكيل تيارات جهادية لا يملك الغرب ولا عملاؤه القدرة على كبح جماحها.
لذا وإن كان الإخوان دون طموحنا، فلا يجوز لنا شرعيا أن نؤيد من يعاديهم، ولا أن نسكت على مضطهديهم، فمن أكبر الكبائر موالاة معادي منهج الله، أو إعانتهم على مسلمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى