الذاكرة المثقوبة

الذاكرة المثقوبة
د. هاشم غرايبه

للسنة الرابعة والخمسين نستعيد #ذكرى أهم #هزيمة مُني بها النظام السياسي العربي، وسميت تضليلا #نكسة #حزيران، لأجل عدم تحميل الزعامات عار الهزيمة، وتصويرها أنها مجرد عثرة، وأن الأنظمة ستعاود الكرّ من بعد الفر لتمحو الذل.
لكن ما حدث بعدها قد أوحى بغير ذلك، إذ تبين أنها كانت البوابة للتنازل عن تحرير #فلسطين، وثبت ذلك عندما رفعت تلك الأنظمة شعار: السلام خيارنا الاستراتيجي بديلا لشعار استعادة فلسطين.
مر زمن طويل لكي تنكشف كثير من الخفايا، وأهمها توقيت شن الكيان اللقيط – بصفته القاعدة المتقدمة للغرب المعادي للأمة – هذه الحرب.
فقد نشرت عبر (يوتيوب) مقابلة للقناة الإخبارية الفرنسية (i24) مع المحللة “جوانا بيندر”، ومما قالته فيها ان الفضل الأكبر في تحقيق انتصار (اسرائيل) في حرب عام 67 يعزى الى الدور الهام الذي قام به الملك الحسن الثاني، في تسليمه تسجيلات وقائع مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء عام 65، لصديقه “مئيرعميت” رئيس الموساد، مقابل تصفية المعارض “بن بركة”.
تقول المحللة: في الجلسة السرية تحدث عبدالناصر عن الحملة الإعلامية التي تشنها إسرائيل عن أن العرب يستعدون للقضاء عليها، وذلك يعني بكل بساطة أنها تخطط لشن عدوان، لذلك يجب الإستعداد لذلك ووضع خطة مضادة، لكن الملوك العرب الحاضرين عارضوا أية فكرة لمهاجمة إسرائيل مما أدى الى مشادة مع عبدالناصر، وفي النهاية أفشلت الفكرة.
وفي آذار 2015 سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر معلومات عن التنسيق بين الموساد والمخابرات المغربية في الستينيات، وقد نشر الصحفيان ” رونين بيرجمان وشلومو نكديمون” تقريرا استندا الى روايات “عميت” وآخرين، قالا فيه أن اطمئنان الكيان الى الخلافات العربية وعدم الإستعداد أو النية للهجوم كانت عاملا هاما في اتخاذ قرار بشن حرب عام 67 .
أبسط المحللين الإستراتيجيين يعلمون أن الوضع الجغرافي لهذا الكيان لا يتيح له أي عمق استراتيجي يركن إليه في حالة حدوث حرب بينه وبين الدول العربية، وتركيبته الديمغرافية الهشة بوجود ربع سكانه من العرب والباقون من قوميات مختلفة غير متجانسة، لا يسمح بصموده طويلا إن كانت المعركة داخل حدوده.
بالمقابل فالاتساع الجغرافي والتجانس السكاني والعمق الاستراتيجي للدول العربية، يتحمل أية حرب مهما طالت، وأية خسارة في الأرواح والمعدات.
أما اذا كانت المقارنة بين عقيدة جندي الكيان الذي يصمد إن كان مطمئنا الى تفوقه التقني، فيما الجندي العربي الذي يقابله يستمد عزيمته من عقيدته الإسلامية، التي تحتم عليه استعادة الأرض المحتلة، وتكافئه بالشهادة إن قُتل، وتُحرم عليه تولية الأدبار، لذلك فالتفوق في الروح القتالية لصالح العربي هائل، وسينهزم الصهيوني لا محالة إن كان القتال وجها لوجه.

وعليه فاتخاذ قادة الكيان قرارا بشن هذه الحرب جنوني بالعرف العسكري، مهما كانت قواته متفوقة، إلا أن تم تدبير الأمور بحيث لا تدخل القوات العربية، بل تنسحب فور بدء القتال.
ترى هل كانت هذه الأمور غائبة عن الزعماء العرب الذين عارضوا فكرة الهجوم وفضلوا انتظار الضربة؟… ذلك غير ممكن إطلاقا!.
وإذا ما استبعدنا فكرة العمالة والتخوين، إذ لا يمكن أن تتاح لأي زعيم عربي الفرصة أن يكون صلاح الدين الثاني ويفوّت هذا المجد..
لماذا إذاً اختار الزعماء الإنهزام؟.
هذا السؤال سيبقى محيرا، وستزداد الحيرة أكثر إذا ما علمنا أن قصة فقدان الغطاء الجوي التي تذرع بها زعماء مصر وسوريا والأردن لإصدار الأوامر لقواتهم بالإنسحاب، هذه القصة غير مقنعة للأسباب التالية:
1 – قبل ثلاثة أيام كانت كل المعلومات تشير الى أن الهجوم بات وشيكا، فكيف لمصر التي تملك السلاح الجوي المكافيء (تلك الأيام)، كيف لها أن لا تكون أجواؤها مغطاة بالدوريات الجوية، وللأسلحة المضادة للطائرات أن لا تكون متأهبة.. وما هو تفسير إقامة حفل ساهر لأفراد السلاح الجوي ليلة الهجوم!؟.
2 – حتى لو سلمنا بالمقولة الساذجة بأن الطيران المصري دمر بأكمله في ساعتين، هل يبرر ذلك انسحاب كل الجيوش الجرارة والتي هي مزودة حتما بأسلحة الدفاع الجوي، ولو كانت النية صادقة في هزيمة الكيان لكان الرد اقتحام العمق الهش والقتال في المدن مما يبطل فعالية الطيران.
3 – في الحرب العالمية الثانية دمرت ألمانيا كل السلاح الجوي الروسي والمطارات والمصانع والجسور في أول يومين.. ولم ينهزموا!.
ستبقى التساؤلات المريرة بلا أجوبة طالما أن الأنظمة التي اختارت الهزيمة ما زالت هي الحاكمة الى الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى