الدين والضمير / د. هاشم غرايبه

الدين والضمير

يختلط مفهوما الدين والضمير في الذاكرة الجمعية لمجتمعاتنا، بسبب أنهما يعنيان صلاح الفرد واستقامته، ربما كان ذلك لأن كليهما يصنع الأخلاق الحميدة، والتي تنتج التصرفات السليمة للفرد وتعامله الإيجابي المنتج للخير والتعاون مع الآخر، والحصيلة تكون مجتمعا صالحا.
هذه هي الحالة الإفتراضية، لكن الواقع الملموس مختلف.
فالضمير رغم أنه يعني الفطرة السليمة التي أوجدها الله في النفس كمرجعية، إلا أنه قد يتعرض لظروف تفقده صرامته، فيغدو مرنا مطواعا لذوي الإربة، فيفقد المعيارية القياسية التي تحدد مدى تطابق أو تباين السلوك معها، كما تتدخل التربية والبيئة والثقافة في ضبطه، وتتحكم المفاهيم المجتمعية في توجيهه.
أما الدين فهو أيضا تقدير ذاتي تحكمه القناعات الشخصية، لكن الدوافع للإلتزام بالأخلاق أقوى كثيرا من تلك التي يملكها الضمير، لأن هنالك مصلحة للفرد (الثواب والعقاب)، كما أنه يمتاز عن الضمير بوجود مرجعية ثابتة (الحكم الشرعي) تحدد بشكل قاطع كل تصرف بمسطرة دقيقة (الحلال والحرام).
العوامل الذاتية الأخرى الضابطة لتصرفات الأفراد كالإنتماء الوطني والقومي والولاء لنظام الحكم أو للمجتمع أو القبيلة ..الخ، هي قليلة المفعول وضعيفة التأثير، وتحكمها المصلحة والإنتفاع.
وجدت المجتمعات منذ القدم أن الضابط الأقوى من كل ما ذكر هو القانون، والذي تفرضه سلطة عادلة، لذلك قامت الدول وأنشأت الحكومة لتضمن تطبيق القانون.
من يحاولون تهميش الدين وإبعاده عن دوره الأساسي في تنظيم المجتمعات، يحاولون التقليل من أهميته في بناء المنظومة الأخلاقية الأمثل، ويرفعون من قيمة التربية الإلحادية في تنمية الضمير الفردي كبديل.
في هذا المسار اطلعت على دراسة نشرت في مجلة( Global Economy) للباحث حسين عسكري من جامعة جورج واشنطن بعنوان : كم هي إسلامية الأقطار الإسلامية؟.
كان القياس على مدى انعكاس القيم الدينية على سلوك الناس ومعاملاتهم، وقد تناولت عينات من مختلف دول العالم، وقد جاء في النتيجة التي هي جدول بأكثر الشعوب تطبيقا لما أراده الإسلام من تعاملات أخلاقية كالتالي:
اولا نيوزيلنده تليها لوكسومبرغ ثم ايرلندا، واول دولة مسلمة كانت ماليزيا في المرتبة 38، الكويت 48، البحرين 64، الإمارت 66 ، الأردن 77 ، تونس 83 ، المغرب 119 أما السعودية 131 ومصر 153 لبنان 158 إيران 163 سوريا 186 واليمن 198 أما في المرتبة الأخيرة فكانت منطقة السلطة الفسطينية.
تحلل الدراسة سبب حصول اليابان على مركز متقدم بأنها تدرس مادة الأخلاق لطلاب المرحلة الإبتدائية وتخصص الصفوف الثلاثة الأولى للتربية، ولا توجد عندهم خادمات في البيوت تربي الأطفال بل يتولى ذلك الأم والأب فقط.
نقطة الضعف في هذه الدراسة أنها تدمج بين إجراءات السلطة وسلوك الناس، مفترضة أن هذا السلوك المجتمعي هو حصيلة الثقافة والتربية الدينية، فهي تعتبر أن الدول الإسلامية تطبق التشريعات الإسلامية، وتتعامى عن حقيقة أن كل الأنظمة ليبرالية وقوانينها غربية المنشأ، لكن فسادها واستبدادها مسكوت عنه خوفا من البديل الذي سيكون إسلاميا حقيقيا.
نخلص في النتيجة إلى أن السلوك يقوّمه الدين أكثر بكثير من الضمير، ولكن يضبطه القانون، لذا فالحالة الأمثل للبشر هي الجمع بين الوازع الأخلاقي الديني والسلطة الملتزمة بتطبيق الشرع الإلهي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى