الدين والرسالات السماوية / د . هاشم غرايبة

الدين والرسالات السماوية

هنالك خلط عند كثيرين في مدلول ثلاثة مصطلحات: الدين والعقيدة والرسالة السماوية، حتى يصل البعض الى تصور أنها مترادفات لشيء واحد يميز المؤمن من الكافر، لذا سنبدأ بتفكيك هذا الخلط بالتعريف والذي يبدو لمن يفهمه حقا أنه بديهي ، لكنه سيتبين لاحقا أنه ضروري، وليس من باب لزوم ما لا يلزم فقط .
الرسالة السماوية: هي ما أنزله الله على الرسل على مر العصور، وكُلِّف كلُّ رسولٍ بتبليغ مضمونها الى قومه، الذين وصل بهم الفساد منتهاه، فكان لا بد من إعادتهم الى الفطرة الإنسانية وكان مضمونها تقريبا متشابه ، وهو التوحيد وإفراد الله بالربوبية والإلهية ، لأن في ذلك صلاح النفوس وردعها عن الشرور، في معظم الحالات كان الرفض والعداء أعظم كثيرا من الإستجابة، لذلك كان العلاج الأخير هو الإستئصال والإستبدال بقوم آخرين .
عدد الرسالات السماوية غير معروف لنا ومعظمها لم يبق لها أثر، وخاصة أولئك الأقوام قبل الطوفان العظيم، والذي أنجى الله منهم من تناسلت منهم البشرية من جديد، لذلك دعي نوح عليه السلام أبا البشر الثاني .
العقيدة: هي ذلك المكنون الفكري الذي ينبني حول مضمون ما أنزل على الرسل، وكان موثقا بكتاب سماوي أنزل على النبي دفعة واحدة ويضمن تفصيلات المباديء الإيمانية وتشريعات تتضمن العبادات والعلاقات المجتمعية والسلوك الفردي، “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَأوُودَ زَبُورًا “إلا أنه لم يبق أي أثر للقديمة منها، ويعتقد أن أصل الديانات الآسيوية الوثنية توحيدي لكن جرى إفراغها لتصبح مجرد فلسفات تأملية.
لم يبق إلا الكتب الثلاثة الأخيرة وجاء آخرها(القرآن الكريم) مؤيدا لما جاء فيها ومهيمنا عليها: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ”، لأنه تعالى كفله من التحريف والتغيير الذي طال جميع الكتب السابقة، ليبقى مرجعاً موثوقا للدين.
السؤال الهام: إذا كانت العقائد السماوية متماثلة المبدأ والمصدر والهدف، لماذا هي مختلفة “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا”؟
لقد أراد الله ذلك لحكمة في سابق علمه: فالعقائد ليست متباينة إنما كان هنالك تدرج في التكليف للبشر حسب تطور معارفهم وقدراتهم لكل عصر. هنالك مثال يوضح ذلك: فعلوم الأحياء تُدرّسُ لتلاميذ المرحلة الإبتدائية بصورة مبسطة، في المرحلة الثانوية تدرس بشكل أعمق لكن المعلومات لا تناقض ما تعلموه سابقا بل تصبح أكثر دقة وتفصيلا، تم ترتقي في المرحلة الجامعية عند دراسة الطب، ثم تصبح أكثر عمقا عند التخصص الفرعي، لكنها مع ذلك لا تنقض أية معلومة سبقت بل تؤكدها وتتوسع فيها.
الدين: هو كيان متكامل يحكم حياة البشر ابتداء من الإيمان الفردي الى ضوابط الأفعال (الحلال والحرام) الى العلاقة البينية بين الأفراد ( التشريعات )، حتى تصل الى العلاقة بين المجتمعات على أسس التعاون والمساواة والتآزر الإنساني ، وبما أن الدين استكملت كافة جوانبه في الرسالة الأخيرة فقد أصبح هو القالب التشريعي النهائي الذي ارتضاه الخالق للبشر جميعا ويغطي بالتفصيل الدقيق كل ما كان مجملا في الرسالات السابقة ، ولذلك لم يكن موجها للقوم (العرب)الذين أُنزِل عليهم كما في الرسالات السابقة، بل كُلِّفوا بنشره عالميا، كما عرف البشر حين اكتماله كماله الذي ميزه عن باقي التشريعات البشرية.
لذلك فالدين واحد غير متعدد وهو بما يحتويه من معالجات لكل الإختلالات والمناقص البشرية يمثل المنهج الصالح في كل زمان ومكان ويغني عن أية اجتهادات بشرية تجريبية، تصيب إن وافقته وتخطيء حتما إن خالفته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى