الدين : غاية أم وسيلة ؟

#الدين : #غاية أم #وسيلة ؟
مقال : 12 / 6 / 2023

بقلم : د. #هاشم_غرايبه .
هنالك خطأ شائع هو الاعتقاد أن الهدف من الدين عبادة الله، العبادة هي استحقاق على المخلوق اتجاه خالقه، شكرا على نعمه في الدنيا، وطلبا لرحمته وثوابه في الآخرة.
بينما الدين هو إنعام آخر من انعامات الخالق على المخلوق، أنزله لبني آدم كجملة من التشريعات لتنظيم حياته الدنيوية.
لذلك فمعارف الدين تختلف عن المعارف الإنسانية التجريبية، التي تحتمل التغيير والتطوير والإستبدال، أما الدينية فهي كاملة متكاملة، لا تتغير بتغير الأزمان والظروف، لأنها تنتمي الى المعرفة الإلهية المطلقة التي لا خطأ فيها ولا انحراف، لكن قد يفهمها الإنسان ويجد لها تفسيرا إن استطاعت مداركه ومستوى فهمه إدراكها، وقد يحار في ذلك إن لم يكن تطور فهمه أو زمان استيعابه قد حان.
من هنا تتأتى مشكلة التطابق أو التناقض في الأفكار بين منتج الفكر البشري والمعرفة المنتمية الى الفكر الديني، فقد يلتقيا، وقد يكون لما يحن الوقت لذلك، وفي تلك الحالة يتوهم الماديون أن ذلك قصور الفكر الديني عن فكرهم، بينما الحقيقة أنه العكس، أي أن الفكرة الإنسانية إما أنها خاطئة وسيأتي يوم تصحح فيه، أو أن الدينية صحيحة لكن لم يحن الوقت بعد لاستيعابها.
المشكلة في استيعاب هذه المسألة تكمن في عقلية الشخص، الذي لا يؤمن بالمعلومة المتأتية عن طريق الدين (النقل)، ويؤمن بتلك المتأتية عن طريق العقل، فقد يقتنع مثلا بوجود الثقب الأسود، رغم أنه نظرية لا دليل مادي على وجودها، إنه بذلك متناقض لأنه هنا آمن عن طريق النقل وليس العقل.
مثال آخر على تناقضهم: إنهم يدركون أن هنالك قوانين دقيقة صارمة تحكم الطبيعة مثل: الجاذبية والإحتكاك والتمدد والتقلص والضغط الجوي …الخ، ولا يمكن أن ينفلت أي جسم من تلك القوانين أو يخالف أيا منها، إذاً فالمنطق يفترض أن هنالك قوة مسيطرة ضابطة تمسك بزمام الأمور ولا يفلت من تحكمها أي شيء، هذه القوة التي هي أحكم وأدق ما يمكن تصوره ! هل من المنطق أن عدم قدرة البشر على الإحاطة بها يؤدي الى إنكار وجودها؟، كيف اقتنع إذاً بوجود الثقب الأسود مع أنه لا يمكن رؤيته؟.
طالما أن المنطق يفترض وجود إله خالق مدبر، فكل ما يصدر عنه واجب تصديقه، وما وصلنا منه هو الرسالات التي تفسر ما عجز الإنسان عن فهمه وهو سر الوجود وعلة خلقه، وما غيب عن معرفته وهومستقبله ومصيره، إضافة الى الدين كتعليمات تكفل سعادة الإنسان وتنظيم علاقته بسائر الموجودات.
لذا فتشريعات الدين جاءت بهدف وضع ضوابط لتصرفات الإنسان لكي تتحقق المصلحة الإنسانية العليا وهي سعادة الفرد وصلاح المجتمع، ووضع حلولا لكل الإشكاليات التعاملية المادية لتضمن العدالة والمساواة وعدم التعدي على حقوق الآخرين، ووضع مجموعة من الوصايا الأخلاقية لضمان حياة كريمة لكل بني آدم.
لكن ما كان الإنسان ليلتزم بها لولا اقتناعه بأن هنالك قوة قاهرة هي الله ليس بمقدوره الإفلات منها ، لذا ارتكز الدين أولا على التوحيد وهو الإيمان بتفرد الله عزوجل بالألوهية التي تعني السيطرة المطلقة على كل شيء، وثانيا على الإيمان بالغيبيات التي هي جملة من الأمور التي لا يمكن للبشر ادراكها بحواسهم القاصرة، وثالثا اليقين بأن التزام الإنسان بالتشريعات المفروضة عليه أوتركها أمر سيحاسب عليه ثوابا أو عقابا .
إذاً فالإلتزام بالدين هو وسيلة لتحقيق غاية أساسية وهي سعادة الإنسان في الدارين، مرتكزة على أن تكون الرقابة ذاتية، وأن يتيقن الإنسان أن كل أفعاله وأقواله مراقبة، وسوف يحاسب عليها ثوابا أو عقابا، تماما مثلما يعرف المرء أن شارعا مغطى بكاميرات المراقبة فهو سينضبط بعدم مخالفة قانون السير، لكنه ذاته قد يتجاوزه في منطقة غير مراقبة.
لذلك فكل الذين ينكرون دور الدين، ماهم إلا مكابرون أو جاهلون، فلا يمكن أن تحقق المناشدات ولا المواعظ المعتمدة على استنهاض الضمير والأخلاق شيئا مقابل القوة الطاغية للمصلحة الأنانية … الدين فقط يمكنه ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى