الديمقراطية لا تموت فجأة… بل تذبل حين يضعف الحارس الداخلي

#الديمقراطية لا تموت فجأة… بل تذبل حين يضعف الحارس الداخلي

بقلم: الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة

هل تموت الديمقراطية بانقلابٍ عسكري صاخب؟ أم أنها تتآكل ببطء، من الداخل، حين يصمت الحُرّاس وتغفو المؤسسات؟
هذا هو السؤال المحوري الذي طرحه العالمان ستيفن ليفيتسكي ودانييل زيبلات في كتابهما الشهير “كيف تموت #الديمقراطيات: ما يخبرنا به التاريخ عن مستقبلنا”. دراسة عميقة امتدت عبر قرنٍ من الزمان وأكثر من خمسمئة تجربة سياسية حول العالم، لتصل إلى نتيجة قاطعة: الديمقراطيات لا تُقتل بالرصاص، بل تموت اختناقًا باللامبالاة، وتآكل المعايير، وضعف المؤسسات.

الأحزاب السياسية: خط الدفاع الأول عن الحرية

مقالات ذات صلة

يُبيّن المؤلفان أن الأحزاب السياسية هي “الحارس الداخلي” للديمقراطية. فهي التي تُغربل المرشحين، وتمنع المتطرفين من تسلق السلطة، وتؤطر الحياة العامة ضمن منطق التنافس السلمي لا الصراع العدائي.
لكن حين تُضعف الأحزاب نفسها، أو تتحول إلى أدوات في يد أفراد، تبدأ الديمقراطية بالانهيار من الداخل. فهتلر وموسوليني لم يصعدا إلى الحكم بانقلابات، بل عبر الانتخابات، لأن الأحزاب التي كان يفترض أن تحمي الديمقراطية تواطأت أو صمتت.

هنا تتضح العبرة: الديمقراطية لا تحتاج فقط إلى دستور مكتوب، بل إلى ثقافة سياسية متجذّرة. فالدساتير قد تُكتب في يوم واحد، لكن بناء مؤسسات قوية ومستقلة يحتاج إلى جيلٍ كامل من الوعي والمسؤولية.

الإعلام الحر: مرآة الوعي وحصن الحقيقة

لا يمكن لديمقراطية أن تزدهر في ظل إعلامٍ مُقيّد، أو صحافةٍ خائفة.
#الإعلام_الحر ليس خصمًا للسلطة، بل شريكًا في تصحيح مسارها. فعندما تُحاصر الحقيقة، ينهار وعي الناس وتُفتح الطريق أمام الشعبوية والاستبداد.
إن التاريخ السياسي يثبت أن أول ما يفعله المستبدون هو تكميم الأفواه، والسيطرة على وسائل الإعلام، وتحويلها إلى أبواقٍ تمجّد الحاكم بدل أن تراقب أداءه.
وفي المقابل، حين يكون الإعلام حرًا ومسؤولًا، يصبح حارسًا إضافيًا للديمقراطية، يفضح التجاوزات، وينبّه إلى الخطر قبل أن يتجذر.

القضاء النزيه: ميزان الدولة وروح العدالة

أما القضاء، فهو الركيزة الثالثة التي تحمي النظام الديمقراطي من الانهيار. لا حرية بلا عدالة، ولا عدالة بلا قضاءٍ مستقل.
حين يُصبح القضاء تابعًا أو مُسيّسًا، تفقد الدولة روحها، ويتحوّل القانون إلى أداةٍ بيد الأقوياء.
لذلك، لا بدّ من تحصين القضاء من الضغوط السياسية، وضمان استقلاله الكامل، لأن ذلك وحده ما يحمي المواطنين من تعسّف السلطة، ويضمن الثقة بين الدولة والمجتمع.

دروس من التاريخ… وتحذير للمستقبل

يحذّر ليفيتسكي وزيبلات من أربعة مؤشرات تُنبئ بقرب موت الديمقراطية:

  1. رفض قواعد اللعبة الديمقراطية.
  2. نزع الشرعية عن الخصوم السياسيين.
  3. التسامح مع العنف أو التحريض عليه.
  4. الاعتداء على الحريات المدنية واستقلال المؤسسات.

هذه المؤشرات ليست بعيدة عن واقع كثيرٍ من الدول الحديثة، حيث تغيب الثقة بين القوى السياسية، ويتحوّل التنافس إلى معركة إلغاء، ويضعف احترام القواعد غير المكتوبة التي تحفظ روح النظام.

من الدرس العالمي إلى الرؤية الأردنية

في السياق الأردني، تبدو هذه الدروس أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى. فـالرؤية الملكية للتحديث السياسي التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني تسعى إلى بناء حياة حزبية قوية، ومؤسسات فاعلة، وإعلام حر ومسؤول، وقضاء مستقل، وهي المنظومة ذاتها التي يحذر الكتاب من غيابها في الدول التي انهارت فيها الديمقراطية.
فالأردن اليوم يقف أمام مرحلة انتقالية تاريخية نحو تحديثٍ شامل، يتطلب تفعيل دور الأحزاب السياسية كمنصّات للتمثيل والتعبير، وليس مجرد أدوات انتخابية مؤقتة. كما يتطلب ترسيخ ثقافة الحوار، وتجنّب الاستقطاب، وصيانة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.

خاتمة: الديمقراطية مسؤولية جماعية

إن الديمقراطية لا تموت فجأة، ولا تُقتل على يد عدو خارجي، بل تضعف حين يتخلى المواطنون عن الدفاع عنها.
وحين يصمت الإعلام، ويتردد القضاة، وتغيب الأحزاب عن دورها الوطني، يصبح الطريق ممهّدًا نحو الاستبداد والانحلال السياسي.
من هنا، فإن استلهام التجارب العالمية، كما دعا الكتاب، يجب أن يقترن بإرادة وطنية صادقة لتقوية مؤسساتنا السياسية، وترسيخ استقلالها، حتى تبقى ديمقراطيتنا الأردنية حيّة، نابضة، ومحصّنة أمام كل رياح التراجع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى