الديكتاتور والشعب اليقظ ! / سهى عبد الهادي
وأخيرا إنضم الشعب الأمريكي إلى قائمة الشعوب التي يحكمها ديكتاتور ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه … هل التجربة واحدة ؟ أم أن هناك فرق ، وفرق كبير !!
تناولت العديد من المدونات والمقالات عجائب الرئيس الأمريكي الجديد وتطرف أفكاره ، وتداعيات كل ذلك على قضايا متعدده ، ليس في نطاق الولايات المتحدة فحسب بل فيما يخص العالم أجمع ، مما جعل الجميع في حالة ترقب وتأهب لما سوف يأتي به هذا الرئيس الذي يعتبر حالة غريبة وإستثنائية حتى في تاريخ امريكا نفسها ، وكيف تأثرت شعوب ودول بأكملها بهذا التطرف ، بدءا من الجار الأقرب في المكسيك ، ومرورا بمستقبل العلاقات الدبلوماسية مع الصين ، وإنتهاءا بضحايا المنع والعزل الذي طال المسلمين …
وتناول البعض في بحثه روعة إنسانية الشعب الأمريكي ، الذي وقف وقفة مشرفة مع رعايا الدول التي شملها القرار العنصري الجائر ، الذي استند بمكر على تغذية اسطورة الأمن المهدد ، لكي يمارس ابشع أنواع التمييز القائم على مرجعية المعتقد الديني والعرق ، والذي يخالف الدستور الأمريكي مخالفة صريحة
فيما تناول آخرون إنعكاس تطرف هذا الرئيس ايجابيا على المسلمين ، حيث اصبحوا أكثر جرأة في طرح معتقداتهم الدينية بصورة علنية أكبر بكثير مما إعتادوا عليه ، وخير دليل على ذلك ما شهدته المطارات من وجود لافت للحجاب الإسلامي مختالا بمشاعر الفخر والكبرياء ، ولا تغيب عن الذهن صورة أعداد المصلين الذين إفترشوا الأرض لإقامة صلاتهم وسط جموع غفيرة أجمعت على احترام هويتهم وشعائرهم الدينية
كل ما ذكرت تم الإسهاب في الحديث عنه وتغطيته كما قلت سابقا في مدونات ومقالات قيمة تحمل وجهات نظر متعددة ، وقد أكون غفلت عن الكثير مما أحاط بهذه الظاهرة ، وذلك لأن ما سبق على أهميته لم يكن سوى مقدمة لما أريد طرحه …
ما ادهشني في التجربة الأمريكية ومن خلال متابعتي للقنوات الإخبارية الأمريكية التي تبث الأحداث على مدار الساعة ، وتترقب تغريدات الرئيس وما يتفوه به من ترهات ، راصدة لذلك طواقم متعددة من مراسلين إعلاميين ومحررين ومحللين ، يقفون على قدم وساق ونشاط متأهب في محاولة بائسة لفهم بعض ما جنته ايدي جموع غفيرة من الأمريكيين جراء إنتخابها لهذا الرئيس المثير للإهتمام بطريقة أو بإخرى ، متوسمه فيه تاريخا قديما لم تستطع الخروج من بوتقته ، هو المساحة الهائله والمتاحة لوسائل الإعلام ولكل صاحب رأي في حرية التعبير والنقد والجرأة في الطرح ، حرية وصلت حد السخرية والتنكيت على من يمثل رمز الدولة وقائدها ، ولعل ذلك يعود لنظرتهم له على أنه رغم هالة الرئاسة التي تحيط به مجرد موظف دولة يستمد سلطته الشرعية أولا وأخيرا من الشعب والدستور !!
وهذه الدهشة ما هي الا غيض من فيض ، فكيف إذا علمنا أن قاضيا عاديا في أي بلدة ما من أرض الأحلام ، يستطيع إيقاف قرار قام الرئيس بعظمته وجلاله بإصداره ، وهكذا فقط وبجرة قلم يسري ما أمر به القاضي ليكون أقوى مفعولا وأعم أثرا مما أمر به سيد البلاد ، وليذهب بعد ذلك الطرفان المتنازعان إلى المحكمة ، لتفض بشرعيتها الخلاف القائم بين طرفين متعادلين ومتساويين في الحقوق والواجبات ، رغم أن أحدهما رئيس الدولة !!
ولا ننسى الشجاعة الكبيرة لبعض من قاموا بالتخلي عن مناصبهم العليا ، راميين بعرض الحائط هيبة من يعارضون ، مقابل تمسكهم بواجبهم الوطني ، وعدم تخليهم عن عدالة مبادئهم التي يؤمنون بها ، حتى ولو كان في ذلك خروجا عن إرادة رأس الدولة نفسه !!
امثلة كثيرة مثيرة للإعجاب ، ولعل مصدر هذا الإعجاب ليس فقط روعة هذه الأمثلة بقدر ما هي الحسرة التي تخفق في الصدور على أحوال بلاد العرب أوطاني ، التي يسودها الإستبداد ، ولا يستبعد فيها أن تدوسك الأقدام اذا ما خطر لك فقط أن ترفع رأسك وفي نيتك أن تفكر ، فما بالك اذا ما إعترضت أو سخرت ، ولك أن تتخيل ما سوف يحدث لك فيما لو قررت كسر كلمة سيادة الرئيس !!