الدولة العميقة واثرها على المجتمع / محمد الجبور

الدولة العميقة واثرها على المجتمع

تقوم الدولة العميقة أحياناً بانتهاج الحيل والخداع على المواطنين من أجل الحفاظ على النظام العام ومنظومة القيم والمعتقدات المتعلقة بشكل مُباشر أو غير مُباشر للدولة. استخدام الجهاز الاداري البيروقراطية يعد أحد أدوات الدولة العميقة، وهو فرع من القانون من أجل تطويل العمليات الادارية على المواطنين، والتي من خلالها يعمل الموظف على الحفاظ على النظام العام وعدم إعطاء المواطن الفرصة بالاعتراض أو إحداث خلل في تلك المنظومة. أيضا تقوم الدولة بامتلاك أدوات الاقتصاد والتحكم في الاسواق من أجل الحفاظ على شبكات المصالح الاقتصادية التي تستفيد بشكل ما أو بآخر ببقاء النظام العام على ما هو عليه، وفي سبيل ذلك تقوم بافتعال الأساطير والحكايات التي من خلالها تتحكم في مسألة العرض والطلب واتجاهات السوق. بجانب ذلك تقوم الجهات السيادية العسكرية مثلاً بامتلاك العديد من الشركات الاستثمارية التي تعود عليها بالربح وتكون جزءً من العمليات الاقتصادية، كما تقوم الجهات السيادية بالتوغل داخل الأجهزة الادارية والتنفيذية داخل الدولة مثل: الحكم المحلي والمحافظات تعيين ممثلين الدولة العميقة عسكريين بصفة خاصة في تلك الأماكن حتى تضمن أن جميع مفاصل الدولة تعمل بنفس الوتيرة الى جانب تعيين الضباط المتقاعدين من الخدمة العسكرية في مجالس إدارات الهيئات والشركات المتعلقة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية. وكي تُستكمل هذه المعزوفة فإننا نرى الحملات الدعائية في الإعلام والتحريض وتوصيل رسائل الدولة بشكل مباشر وغير مباشر، والمساهمة في خلق الحيل والخداع وتضخيم العديد من القضايا الفرعية على حساب القضايا الكبرى لتحريك الرأي في إتجاه يُحافظ على الدولة والنظام العام ولن يكون هناك مجالات للشك في خضوع وسائل الإعلام المختلفة لأجهزة الدولة العميقة التي ترعى وتمول مثل ذلك الدور
لعله من أحد أدوات عمل الدولة العميقة كي تحافظ على شبكات المصالح بداخلها هو استخدام العنف في إطار حالات استثنائية خارج إطار القانون وهو ما يعرف بحالة الاستثناء والتي يتم فيها اتخاذ العديد من الاجراءات الأمنية بدعوى الحفاظ على الأمن القومي من الخطر الخارجي، وأنه هناك دائما عدو مترصد لابد من التأهب دائما لصده عن ما يشكله للدولة من تهديد وفي إطار ذلك تقوم الدولة بقمع المعارضين وكل من هم لا يشعرون بالرضا عن أداء الدولة بشكل عام والسياسي بشكل خاص، ويكون الهدف هو إضفاء طابع قانوني على حالة الاستثناء وليس بعيدا أن يتم استغلال المؤسسات الدينية التي تسيطر عليها الدولة لتبرير تلك الاجراءات من الناحية الدينية حتى يتم إضفاء طابع شرعي ديني على ممارسات الدولة الأمر الذي يدفع المواطنين بالتزام الصمت.
خلاصة القول هي أننا أمام تكتُل وشبكة معقدة من العلاقات والتداخل بين أجهزة ومجموعات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية ودينية لمقاومة أي تغيير يطرأ من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة العميقة والقائمين عليها ونستطيع أن نرى ذلك في أمثلة واقعية مثلاً في تركيا الحفاظ على علمانية الدولة عن طريق الاغتيالات السياسية واحداث اضطرابات. الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمن القومي من خلال السيطرة على السوق داخليا والحروب وقلب الأنظمة السياسية في دول بعينها خارجيا. ومصر الحفاظ على المصالح المختلفة المنتفعة من النظام العسكري مثل السيطرة على الخدمات الحيوية مثل الكهرباء والطاقة وغير ذلك من الأمثلة الكثير والكثير الذي يوضح تلك الحقيقة بشكل جلي إنها ليست دولة داخل الدولة إنما هي الدولة نفسها وهذا يفسر عدم حدوث التغيير المنشود في الدول التي قامت بها الثورات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى