الدكتور غازي القصيبي يقيّم شهادة الدكتوراه

الدكتور غازي القصيبي يقيّم شهادة الدكتوراه
موسى العدوان
الدكتور السعودي غازي القصيبي رحمه الله، كان يحضّر لشهادة الدكتوراه في الإدارة في جامعة لندن ( كلية يونفرستي كولج ) عام 1968، وكانت رسالته تتعلق باليمن. كلفت الجامعة الدكتور جون بيرتون بالإشراف على رسالته. وعندما قدم له مخطط البحث المكون من ثلاثين صفحة وبذل في تحضيره جهدا كبيرا، توقع نقاشا مطولا من المشرف.
ولكن دهشته كانت بالغة، عندما أعاد له المشرف أوراقه بعد نظرة عابرة. فسأله القصيبي عن رأيه في مخطط البحث ؟ أجابه المشرف قائلا : أنت طالب ناضج تحضّر للدكتوراه، وأفترض أنك تعرف ما تفعل. لا يهمني المخطط، تهمني النتيجة. أنظر إلى هذه الطاولة . . ما دامت الطاولة تفي بالغرض، فليس من شأني أن أعرف المخطط الذي استعان به النجّار.
بعد ثلاث سنوات من التحضير، أنهى القصيبي رسالته وقدمها إلى الدكتور بيرتون الذي استلمها بلا تعليق. فجرت مناقشة الرسالة من قبل ممتحنين، هما المشرف الداخلي الدكتور بيرتون ودكتور آخر خارجي هو البروفسور فاتيكوتس. وبعد ساعتين من النقاش، كانت الأولى منهما بين الممتحن الخارجي وبين القصيبي، والثانية نقاشا بين الممتحنين. ثم طلبا منه الانتظار خارج القاعة لمدة ثلث ساعة خالها دهرا كما قال.
خرج الأستاذان من القاعة، وصافحني الدكتور بيرتون قائلا مبروك، ثم قال الممتحن الآخر تستحق التهنئة، هذه أول رسالة دكتوراه أجيزها منذ فترة طويلة. امتحنت في الشهور الخمسة الماضية خمسة مرشحين لم ينجح منهم أحد.
يقول الدكتور القصيبي : ” وصلني اللقب السحري . . ( يا دكتور . . ! ). هل شعرت بنشوة وأنا أستمع إليه لأول مرة ؟ هل شعرت أني ودعت إلى الأبد مرحلة الدراسة ؟ كان هناك بطبيعة الحال قدر من السعادة، لأن هدفا هاما وضعته نصب عيني قد تحقق. إلاّ أنه لم يكن هناك أي نوع من أنواع النشوة بهذا اللقب الجديد. بدأ اللقب الجديد غريبا في بداية الأمر ثم تعودت عليه، كما يتعود البشر على مختلف أنواع السرّاء والضرّاء.
أمّا عن الدراسة فقد كنت أعلم أنها عملية مستمرة، تدوم ما دامت الحياة، وإن اختلفت المدارس وتغيرت المناهج. كنت ولا أزال أرى أن شهادة الدكتوراه لا تعني أن حاملها يمتاز عن غيره بالذكاء أو الفطنة أو النباهة فضلا عن النبوغ أو العبقرية. كل ما تعنيه الشهادة أن الحاصل عليها، يتمتع بقدر من الجَلَدْ وبإلمام بمبادئ البحث العلمي.
الهالة التي تحيط بحملي الدكتوراه، خاصة في العالم الثالث، وتوحي أنهم مختلفون عن بقية البشر، وهْمٌ لا أساس له من الواقع. قابلت عبر السنين عددا لا يُستهان به من حاملي الدكتوراه اللامعين، وعددا مماثلا لا أزال حائرا لا أعرف كيف حصلوا على الدرجة، وأستغفر الله من سوء الظن. لابد أن أضيف بكل صراحة، أن أي دكتوراه يحصل عليها صاحبها من موقع وظيفي كبير، تبقى في ذهني محاطة بالشبهات، وأستغفر الله مرة ثانية من سوء الظن.
قلت مرة مازحا شبه جاد، إن درجات الدكتوراه في العالم العربي، يجب أن تقسم إلى قسمين ( د. ق. و. ) و ( د. ب. و. ) بمعنى دكتوراه قبل الوزارة ودكتوراه ما بعدها . . واستغفر الله مرة ثالثة من سوء الظن “. رحم الله الدكتور غازي القصيبي الذي قدم لنا دروسا قيّمة في مجالات التعليم والإدارة الحكومية النموذجية.

  • * *
    التعليق :
  1. ظاهرة حَمَلة لقب الدكتوره، أصبحت منتشرة في مجتمعاتنا العربية بصورة ملحوظة. فهناك من يحملون لقب ال ( د ) عن جدارة وفهم، ولهم كل التقدير والاحترام، وهناك من يحملونه كمظهر للتباهي، هو في حقيقته فارغ من المضمون.
  2. يمكن للبعض أن يحصلوا على لقب أل ( د ) زورا، إمّا بطريقة المجاملة من قبل جامعات معينة، لكونهم في وظائف حكومية أو أمنية، أو مقابل الثمن من جامعات أجنبية، رغم أنهم لا يستحقون ذلك اللقب. وهؤلاء يمكن معرفتهم من قبل إقرانهم، ومن كتاباتهم وأحاديثهم في المجتمع، ولكنهم لا يحظون باحترام حقيقي من قبل المواطنين.
  3. ولكي نضع الأمور العلمية في نصابها، أتمنى على وزارة التعليم العالي، أن تفرض على من يحملون شهادات الدكتوراه السابقين واللاحقين، نشر رسائل الدكتوراه، التي بموجبها حملوا هذا اللقب، ليكون الشعب شاهدا على أحقيتهم به، وحفاظا على سمعة من يحملونه بجدارة.
    التاريخ : 2 / 3 / 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى