الدعم… مفهومه وممارساته..!

الدعم… مفهومه وممارساته..!
نايف المصاروه

دَعَمَ: (فعل)، دعَمَ يَدعَم ، دَعْمًا ، فهو داعِم ، والمفعول مَدْعوم.
دعَم الشَّخصَ: أعانَه وقوَّاه وسانده.
دَعَمَ آرَاءهُ : أَسْنَدَها، أيَّدَها، نَصَرَها.
دعَم الحائِطَ وغيرَه: أَسْنده بشيءٍ يمنع سقوطَه أو مَيْلَه.
دعَمتِ الحكومةُ السِّلْعةَ: تحمّلت جزءًا من ثمنها.

تتعدد اشكال ومسميات الدعم، فمنه وأكثره شيوعا الدعم الاقتصادي، ومنه السياسي والعسكري و القانوني والمعنوي وهناك الدعم النفسي وغيرها.

منذ ان أحتل الصهاينة فلسطين قبل اكثر من ستين عاما، وانا اسمع عن دعم صمود الشعب الفلسطيني عربيا واسلاميا بشكل خاص ودوليا أحياناً بشكل عام.

ولان لكل زمان دولة ورجال، وللحق فقد تتعددت أشكال الدعم العربي والاسلامي لأهل فلسطين، منه الاقتصادي والسياسي والمعنوي ، باستثناء الدعم العسكري الذي توقف بعد عام 68 ، وبالرغم من كل ذلك فإن  الصهاينة قد أوغلوا في الإرهاب والإجرام الذي يتكرر يوميا، حتى وصل ما احتلوه واغتصبوه من الارض إلى أكثر من 75٪ ،ناهيك عن عمليات القتل والهدم والتشريد والاعتقال الذي طال حتى الأطفال ، ويقابل ذلك صمت وسكوت عربي واسلامي ودولي مخزي، ولا يسمع الا صوت… استمرار مسلسل مفاوضات السلام الزائف “الأرض مقابل السلام”.
والأنكى انه وبعد قرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بالإعتراف بالسيادة للصهاينة على القدس كاملة بشقيها الشرقية والغربية، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وما تبع ذلك من قيام بعض الدويلات بنقل سفاراتها ، وبدلا من الرد العربي والاسلامي الحازم، أقله الاحتجاج القانوني، إلا أن ذلك حتى لم يحصل، وبادرت  الإمارات والبحرين والسودان والمغرب لتطبيع العلاقات الشاملة مع الكيان الصهيوني، وقال بعضهم “إن  التطبيع مع الصهاينة هو دعم لفلسطين واهلها” !
ولكن وبعد إفتتاح السفارات وتبادل السفراء، وبدأ عهد الاستثمارات،الرسمية والخاصة، أذكر منها  إستثمار مبلغ” 10″مليار دولار، مع الصهاينة المحتلين المعتدين، بدلا من استثمارها في مشاريع واستثمارت تدعم صمود أهل فلسطين.

وتطالب لبنان بسرعة ترسيم الحدود المائية مع الصهاينة، وليس مع أهل فلسطين عبر السلطة الفلسطينية!

بالرغم من كل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة سابقا ولاحقا، وسيبقون ،والتي كان آخرها إعتدائهم العنصري النحس على المصلين في باحات الاقصى قبل يومين، ومع ذلك… يتم التعامل معهم كدولة وليس ككيان غاصب ومحتل، ويكافئون على ذلك بتوقيع المزيد من إتفاقيات للسلام ، ويجري ترسيم الحدود، كما تتعدد معهم المناورات والتعاون عسكري.

بصدق.. عندما أستعرض فنون السياسة وممارساتها  في عالمنا العربي،  اصاب بالغثيان، ولا أدري كيف يفاوض المحتل للأرض والمعتدي على الحقوق؟
ترى هل يعلم  دعاة التطبيع والسلام من العرب ، أنهم يفرطون في حقوق الامة كلها، وينتهكون شرفها ويدنسون عرضها، قبل تدنيس مقدساتها؟

وهل يعلم الذين يطالبون بترسيم  الحدود مع الصهاينة، أن الترسيم هو أيضا إعتراف ضمني آخر بهم كدولة!

منذ أكثر من ستين سنة والعرب والمسلمون يصيحون  لبيك يا أقصى، وقادمون يا أقصى، ولكنهم لم يلبوا ولم يأتوا حتى الآن، ولو كانوا يمشون على الاقدام لوصلوا ، من كل اقطار الدنيا  إلى القدس، لكن التعبيرات اللفظية والمجازية ، لا ولم ولن تغير من الواقع شيئا،بمعنى آخر كلها “هشت” ٠

بحسب علمي فإن الدعم الحقيقي  لفلسطين واهلها، يكون  كما كان في زمن الرجال،بالمقاومة وبالمدد بالرجال والسلاح  والمال، ويكون كذلك  بالتوحد بالقرار السياسي الذي يسمي الاشياء بمسمياتها، فالاحتلال هو  الإحتلال وهو الإغتصاب لكل الحقوق ، والذي لا ولن يكون بالإستسلام تحت مسميات سلام الشجعان تارة، والسلام الابراهيمي تارة أخرى .

ترى لماذا ماتت النخوة، ولم نعد نسمع انا واخي وابن عمي على العدو المعتدي!
والذي يجري بكل أسف هو عكس ذلك، انا والغريب المعتدي على أخي وابن عمي!
إن الدعم الحقيقي لفلسطين واهلها يتجلى ايضا، بمالمقاطعة السياسية والاقتصادية لأية دولة أنى كانت، تعترف بسيادة الصهاينة على شبر من أرض فلسطين.

تصور يا رعاك الله… لو أن العرب.. يعودون لزمن الرجولة.. ويتوحدون بمقاطعة اسرائيل سياسيا وإقتصاديا.. فقط كيف ستكون النتائج؟

ولان ذلك لم يحصل… فقد توسع الصهاينة بمكرهم وكيدهم  وخبثهم، وبدعمهم المالي والعسكري لإثيوبيا لبناء سد النهضة على نهر النيل، وما سيسببه ذلك من شح في الحصة المائية لمصر والسودان، وما يترتب عليه أيضا  من آثار على الواقع الزراعي والاقتصادي والبيئي، وبالرغم من كل المفاوضات التي جرت وتجري، إلا ان إثيوبيا تصر على مراحل تعبئة السد،  وتلوح في الأفق إشارات لنزاع  عسكري ، الخاسر فيها كل الأطراف اثيوبيا ومصر والسودان، والرابح فيها هي عصابة اسرائيل.

ونسمع عن دعم سياسي شبه معنوبي عربي لمصر والسودان، في مواجهة التغول الاثيوبي ،  ولكننا لم نسمع حتى اللحظة، عن أية مقاطعة عربية  لإثيوبيا  سياسيا او اقتصاديا على الأقل !

تصور يا رعاك الله… لو ان العرب يتوحدوا فقط بالمقاطعة السياسية والاقتصادية لإثيوبيا… لو  ،فكيف ستكون النتائج…. تصور!

ومنذ ان دك العدوان شموخ العراق، ونحن نسمع عن دعم لوحدته وسيادته على أرضه، والنتيجة حال العراق كما نراها اليوم ، اقتتال وتفرق طائفي وتدخل إيراني في كل المفاصل، وشكلت وحدات وميلشيات عسكرية تمول وتأتمر بأوامر من إيران، كما اقتطع شمال العراق ليكون إقليما  مستقل  للاكراد… ومن ينسى كيف عم الفرح ربوع الاقليم.. وكيف رفع علم الصهاينة،وبالامس القريب يعلن عن استهداف إيراني لمكاتب الموساد الاسرائيلي في ايربيل.

اقتطاع الشمال العراقي هو امر مشابه، لإنفصال أو إقتطاع  جنوب  السودان، والذي إقتطع أيضا وبدعم وتحريش وتخطيط من الصهاينة ، وللعلم… فإن الدافع الرئيسي لذلك هو مزيدا من تقسيم وحدة الامة وإضعاف قوتها، ثم الإستحواذ على خيراتها  بشتى الطرق وتحت كل المسميات.

وبعد أن تعرضت سوريا ايضا للهجوم عليها، بمخطط خبيث والذي ظهر من قبل دعاة الإرهاب والخراب، ونحن نسمع أيضا عن دعم عربي لفظي، وأكثر العرب ضالعون في تلك المؤامرة ،وبدلا من مؤازرة سوريا عسكريا وسياسيا، لمواجهة فرق الإرهاب وجماعات الخراب، تم إبعاد سوريا عن حاضنتها العربية، لتكون لقمة سائغة في أيدي إيران وروسيا وكل الجماعات، حتى أن أمريكا انشأت ومولت وسلحت تنظيم قسد، ليكون شوكة أخرى في خاصرة أهل سوريا، ليقض مضاجعهم، وليستولي على بعض مصافي النفط… الذي يتم  تهريبه أو بيعه لنفس من أنشأ ذلك التنطيم.
وبالمحصلة… نعادي إيران من جهة لتستولي على كثير من الجهات، والنتيجة مزيدا من التوسع الإيراني والمد الشيعي، والعبث الصهيوني مستمر في منطقتنا العربية، وتصفية حسابات على ساحتنا وسبادتنا.
ترى هل يعي ويعلم العرب معنى السيادة؟

وبعد أن ظهر الحوثيين وتمددوا، أعلن عن تحالف عربي لدعم الشرعية في اليمن ، ويظهر بكل الوضوح وجود إيران، من خلال إمدادهم للمتمردين الحوثيين بالمال والسلاح ، ويتفرق أهل اليمن الى فرق وجماعات ومجالس، ويزداد الفقر والجهل، وتعم الأمراض والمجاعة، وبعد سنوات من الحرب، وتكرار استهداف المواقع الحوثية، والتي يقابلها غارات حوثية  متكررة  بالمسيرات المفخخة على الأراضي السعودية ، واستنزاف لقدراتها المالية والعسكرية والامنية، والنتيجة.. العودة للتفاوض، وكما يتم التفاوض مع الصهاينة على ما تبقى من فلسطين، يتم  التفاوض مع المتمردين الحوثيين على ما تبقى من اليمن.
السؤال… أين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وما أخبارهما، وهل اقتصر دورهما على بيانات الشجب والتنديد والإدانة فقط ؟
واين الأمم المتحدة ومجلس أمنها وكل الهيئات الحقوقية  التي كنا نسمع عنها؟
والسؤال الأقوى… أين وحدة العرب… وأين جيوشهم، واين صفقات الأسلحة التي تشترى بالمليارات؟
ولماذا لا تظهر في الشدائد التي تتعرض لها أمة العرب ؟

وسؤال آخر .. لكل القادة والساسة وصناع القرار من العرب، ترى هل تعلمون كم من الأجيال أورثتم وتورثوا الحروب والدمار والإنقسام، ولا تزال عروشكم وممالككم المتهالكة تصدح بما يسمى بالنشيد الوطني؟

وسؤال للشعوب العربية.. لماذا ترضون بالذل والخضوع والانبطاح؟ 
اما علمتم أن السكوت والصمت، عما جرى ويجري في فلسطين، كان البداية لما جرى ويجري في العراق وسوريا واليمن !
إن الدعم الحقيقي هو بوقوف الشقيق الى كتف شقيقه، ومساندته ومؤازرته حتى يعاد له كل الحق والكرامة.

وفي معرض الحديث عن الدعم وأشكاله ومسمياته، متى تتوقف بعض الدول العربية والإسلامية، عن قبول الدعم بكل اشكاله ومسمياته، الذي تبين ويتبين انه إستعمار تحت مسمى الدعم، لزيادة رقعة الذل والتحكم في القرار وصنع السياسة وإنتقاص السيادة؟
ومتى نستيقظ من سباتنا الشتوي والصيفي، ونشمر عن سواعدنا ونعتمد على ذاتنا؟

ونحن نعيش رمضان، وقد توحد اكثر من مليار مسلم على وجه الأرض في شهر الصيام ، فلماذا لا  نتوحد  لإستعادة الارض التي فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين؟
ومتى نتوحد  في مقاومة كل الغزاة والمحتلين والمتآمرين؟

وكما حرصنا على مراقبة هلال شهر رمضان، فمتى سنحرص  على مراقبة سلوكياتنا، السياسية والإقتصادية والفكريه، ومتى سنراقب كل التعديات والإنتهاكات التي تتعرض لها امتنا  في فلسطين والعراق، وسوريا ولبنان واليمن وفي كل مكان ؟
وكما ان الصلاة والصوم عبادة.. فإن الجهاد في سبيل الله لإستعادة كل الحقوق المسلوبة هو أيضا عبادة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى