الدراما العربية في رمضان

الدراما العربية في رمضان
د. قــدر الدغمـي

لقد ارخت جائحة (كورونا) بظلالها على العالم وعلى وطننا العربي بشكل عام وعطلت تقريبا كل القطاعات، إلا أنها مع مرور الوقت أصبحت بالنسبة للكثرين واقع لا بد من التعايش معه خاصة في الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك حيث الاهتمام ينصب على الصلاة والصوم والنوم ومتابعه برامج القنوات الفضائية التلفزيون من ساعات السحور إلى الفطور واحيانا يتعدى ذلك ، فالمشاهد والمتابع للدراما الرمضانية هذا العام يلاحظ بأنها وصلت إلى حد إلى السخف والاستخفاف المقيت، فغالبية الشاشات العربية متخمةٌ بالأعمال الدرامية المتنوعة ، ومنها لا يحمل أي مضمون أو رسالة هادفة ، وهذا يعود في مجمله إلى ضعف تردي الإنتاج وضحالة من يمتلك زمام تقديم الأفكار الخلاقة لهذه الأعمال.
نحن لسنا مثاليين ، لكنا في زمن لا يحتاج فيه الواحد إلى جرعات عالية من السخافة ، ولا أن نركز على سفاسف الأمور وصغارها التي من شأنها أن تساهم في إنتاج جيل متشرذم يفتقد إلى هويته وعروبته ، فعلى سبيل المثال ملايين الدولارات تصرف عبثا مقابل ضحكة أو فكرة ضحلة وسخيفة تم انتشالها من سلة مهملات المجتمعات العربية وعرضها بشكل مؤذ للجوارح ، لذلك نلاحظ أن بعض القنوات الفضائية العربية ثملت ببعض المشاهد التي يغلب عليها طابع التكرار والاستخفاف والتركيز على الجوانب السلبية والمقيتة في تلك المجتمعات ، فإلى متى ندور في حلقة مفرغة غير ابهين بتقدم الشعوب ونح نراوح مكاننا ..؟
لقد مضى زمن كانت تتنافس فيه وسائل الإعلام ومن ضمنها دور السينما والمسارح والشاشات الصغيرة في تنوير العقول وتقديم الإبداع بصوره الإنسانية التي من شأنها بناء حضارة وتكوين قيم خلاقة يجد الفرد فيها مصلحته، أما اليوم فمع الأسف الشديد بعض الصور التي نشاهدها منتهية الصلاحية لا بل لا تحمل في طياتها ما يمكن أن يفيد الفرد أو المجتمع ، فالصراخ والعويل، والخداع والخيانة، وتقزيم سلوكيات الإنسان وتحجيمه وابعاده عن واقعه مسألة يجب التوقف عنده كثيرا، ومن خلال قراءتي للمشهد العام فإن الكثيرين من المشاهدين ابتعدوا عن شاشاتهم المفضلة لأنها لم تحترم عقولهم وفكرهم.
لقد كانت البرامج ذات الطابع الفكري تستهوي المشاهدين وتستحوذ على جل احاديثهم في السهرات والأمسيات الرمضانية وغيره ، مع العلم بأنه لم يكن هناك هذا الكم الهائل من القنوات الفضائية والتلفزيونية وقنوات الروابط الإلكترونية عبر (النت) حيث كانت قليلة جدا ، ومع ذلك لم تكن على حساب الترفيه والتسلية والضحك الهادف وهو جزءا مهما في حياة الناس ، لذا لا بد من الارتقاء بعقلية المشاهد في وقت غابت فيه الروحانية في هذا الشهر الفضيل بسبب ما فرضته علينا جائحة (كورونا) وما تبعها من توقف شبه كامل للحياة وحجر وحظر للحركة ومنع للتقارب الجسدي بين الناس وأغلاقا لدور العبادة ، والجلوس لساعات طوال في المنازل ، فاضطرت الكثير من الأسر أن تجلس أمام الشاشات الفضائية رغما عنها.
فالمواطن العربي الغلبان يظن بأن الدراما الرمضان ستسعده وترفه عنه وتنسيه ما يعانيه من خوف وقلق وتوتر نفسي ، ليجد بعض البرامج والمسلسلات المعروضة حاليا عبارة عن تفاهة وثرثرة وكلام فاضي ، وفيها استنساخ وتكرار وخروج عن أخلاق المجتمع وصوره الإيجابية ، ويكون ذلك أما بسرد عبارات يظن كاتبها بأنها ستستقطب العدد الهائل من المشاهدين ، وستكسب قوة متابعة كبيرة ، أو يؤتى بشخص ليس له علاقة بالفن لا من قريب أو بعيد ليتلفظ بألفاظ سوقية تحمل في معانيها أبشع ما جاءت به لغة زعران الشوارع من انحطاط ودونية في محتواها ومغزاها .
فقد مل المشاهد العربي من رؤيته الفن الهابط والأعمال الفاشلة ، ومشاهد تمثيل الهراء والسخافات ، لأنه لم يعد بتلك السذاجة التي كان عليها سابقا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى