الخَصخَصة من عين أُخرى
سلامة الدرعاوي
تظهر بين الفترة والأخرى انتقادات كبيرة لِمَشروع الخَصخَصة الذي نفذته الحُكومات خلال العقدين الماضيين، على اعتبار أنه جزءاً من عملية فَساد ألحقت الضرر بالاقتصاد الوطنيّ، والحقيقة أن هذا العنوان فيه مُغالطة كبيرة جداً، فما حدث في مشروع التَخاصية بحدّ ذاته في الأردن فيه سوء إدارة في بعض المشاريع وفيه نجاح لِبَعضها الآخر وفيه إخفاق كبير لِما بعد تخاصيّة المشروع.
باستثناء مَشروعي المطار والمياه، فإن غالبية مشاريع الدولة التي جرى خصخصتها غابت عنها مفاهيم التطوير الإداريّ، واقتصرت عَمَلياتها على بيع أسهم الحُكومة في تلك الشركات لمستثمرين غالبيتهم يسعى للربح السريع أكثر مما كانت الرغبة أن يكون شريكاً استراتيجيّاً قادراً على التطوير ورفع المستوى الإداريّ والإنتاجيّ والأنشطة المُختلفة.
التحفظات على مشروع التخاصيّة الأردنيّ ناتجة أساساً من الركائز التي بُنيت عليها فكرة البرنامج، فهو وليد اتفاقيات صندوق النقد الدوليّ الذي لجأت إليه الحُكومات عقب انهيار الدينار سنة 1989، حينها كان الاقتصاد الوطنيّ في حالةِ انهيار، وإيراداته في تراجع مُخيف نتيجة للنُمُوّ السالب، وقتها كانت شروط برامج التصحيح تنصبّ على زيادة الإيرادات المحليّة قبل أن يتلقى أيّة مُساعدات خارجيّة، وكانت البوابتين لتلك الزيادة هُما: ضريبة المبيعات والسير في برنامج التخاصيّة.
برنامج التخاصيّة الأردنيّ جاء للأسف وليدة حاجة الدولة المُلحّة للمال لكي تسدّ به التزاماتها تجاه الدائنين ومجتمع المانحين من جهة، ومواجهة ضغوطات عجز الموازنة من جهة أخرى.
فالحُكومة التي كانت تملك 60 بالمئة من اسهم شركة الاتصالات الأردنيّة بعد تخاصيتها وبيع 40 بالمئة من أسهمها بمبلغ 508 ملايين دينار لأحد أكبر الشركاء الاستراتيجيين في العالم في قطاع الاتصالات، واصلت مع كُلّ أسف الحُكومة سياسة بيع الأسهم المُتبقية لها على شكل دفعات إلى أن باعت غالبية أسهمها ولم يتبق لها سوى أقل من واحد بالمئة من أسهم الشركة، علما أن العمليّة الأولى التي تمت بها الخصخصة فتحت القطاع على مصراعيه وجذبت أهم المستثمرين إليه وشغّلت آلاف العاملين فيه، وتطوّر القطاع مع تطور هائل في خدماته، وبالتالي لم يكن هناك أسباب فنيّة أو إداريّة أو استراتيجيّة لاستكمال بيع حصص الحكومة في هذه الشركة سوى الحاجة إلى الأموال لتلبية تمويل نفقاتها المُتزايدة.
أقول هذا لأن من حق أيّة حُكومة أن يكون لها مُلكيات أسهم في شركات من مختلف القطاعات الاقتصاديّة، وحقها أن يكون لها مَصادر دخل متنوعة ومُتعددة، وأن لا تعتمد على مصادر محددة، لأن الحُكومة ونفقاتها ترتفع وتزداد عام بعد عام.
خطورة هذا النهج أدت للأسف إلى اعتماد الخزينة على محدودية من الدخل المتأتي لها وهو في الغالبية من عوائد الضرائب والرسوم المختلفة، وهذا الأمر فيه خطورة اقتصاديّة عالية، والسبب في ذلك انه في حالات النُمُوّ الاقتصاديّ الإيجابيّ المُرتفع نسبيّاً، فأن الخزينة تتحصل على إيرادات محليّة كبيرة تُساهم في تلبية احتياجاتها التمويليّة المُختلفة، لكن في حال تراجع النُمُوّ الاقتصاديّ كما هو حاصل الآن والذي هو امتداد لحالة سائدة منذ عام 2008، فأن إيرادات الخزينة تتراجع من الضرائب والرسوم بسبب تراجع وتباطؤ الاقتصاد الوطنيّ، وفي حالة الأردن فأن الحُكومات تلجأ للمساعدات الخارجيّة من جهة، وفرض رسوم معينة أو إلغاء أيّة أشكال للدعم في الخزينة من أجل تعويض هذا النقص في الإيرادات من جهة أخرى.
هنا تَكمن الحاجة الاقتصاديّة للخزينة لتعويض تراجع الدخل من خلال أدواتها الاستثماريّة المُختلفة ومنها مُلكياتها في الشركات والقطاعات المُتنوعة، لكن للأسف في الحالة الاردنيّة الحكومات حصرت اعتمادها على الضرائب والرسوم التي للأسف لمّ تعد قادرة على تلبية نفقات الحُكومات المتزايدة.