الخيانة ، بين الإضمار والإظهار / د . سمير أيوب

الخيانة ، بين الإضمار والإظهار
إضاءة على المشهد في مصر
تَهميشُ المَواطِنِ العربية تِباعا الواحدة تلو الاخرى ، تمهيدا لتهشيمها ، وإعادة تدوير عِظامِها ، وإستكمالُ نهب كل ما تبقى من ثرواتها ، حقائق بَيِّنَةٌ أمام كل ذي سمعٍ وبصرٍ شهيد .
فبعد ان كانت مفردات وطقوس الخيانة مع العدو ، تتسلل في الخفاء ، وصلنا في ظلال اتفاقيات الأذعان مع العدو ( كامب ديفيد ، اوسلو ، ووادي عربه ) الى وقائع غير مسبوقة في عهر التواطؤ العلني ، لا تفرق بين العيب والحرام ، مُصادمة لكل قواعد وثوابت الوطنية ، تثير في مبادرات خطرة ، موجات متبجحة من التملق اللزج للعدو . تكاد ان تجعل من مراتب الخيانة ذات الأنياب الضارية ، مجرد وجهات نظر ، وإن كان الضحايا في النهاية هم الوطن واهله .
عايشت منذ ايام مُستَمعاً ومُحاوراً ، أسبوعاً صاخباً شَهِدَتْهُ مصر . فقد تَزامَنَت زيارتي لأرض الكنانة ، مع فضيحة اللقاءِ المُعْلَنِ للنائب توفيق عكاشه ، لممثلي العدو الصهيوني في منزله . واقعةٌ فتحت بوابات الجدل والغضب الشعبي الهائل ، من كل اطياف المشهد السياسي في مصر ضد مرتكبها عكاشة ، وعلى اكثر من صعيد . دون ان تحصرها في واقعة واحده ، بل تعميما ضد كل هواة الجلوس مع العدو الصهيوني ، من غير رجالات الدولة ، الذين تلزمهم معاهداتهم بذلك .
وبالمناسبة ، هذا العُكاشة ، في مقدمة مُهَرِّجي الأعلام السياسي في مصر ، رداح شتام بذئ . يقود جوقةً تعمل على شيطنة الفلسطينيين ، وتشكليل ثقافة معادية لهم . بل تفوق على العدو في تبني الخطاب الصهيوني في هذا الشأن .
إتسع رحم ردود الفعل الغاضبة عليه ، للكثير من الأرتدادات المناسبة للحدث . ولكن رد الفعل الأبرز ، جاء عبر ضربة الحذاء التي سددها نائب آخر ، قبل طرد عكاشة من البرلمان المصري ، واسقاط عضويته فيه . تعبيرا عن رأي الشعب ، في عكاشة وأمثاله وما يمثلون .
لم يختلف اثنان ممن التقيت في مصر وخارجها ، على ان ما فعله عكاشه مالك قناة الفراعين ، لا يختلف عن ما سبقه اليه ، النائب ا الأسبق في البرلمان الأردني ، حماده فراعنه وزميل له . اللذان في تحد سافر لمشاعر الشعبين الأردني والفلسطيني الرافضين للتطبيع ، قاما في حينه وهما نائبان ، بزيارة كنيست العدو الصهيوني . ولولا الحماية التي تأمنت لهما في حينها ، لبطش الناس علنا بهما .
فمهندسوا مصالح العدو ، إن وجدوا ضالتهم ، بين اولئك الذين لا ينتمون حقا او بالأساس لأوطانهم ومصالح امتهم ، يسارعون للأستثمار جيدا في كل متخاذل عربي ، عبر قنوات التواصل . سعيا وراء تحويله الى متواطئ او عميل . وفق معادلات وترتيبات القوة الناعمة للعدو . فمن المؤكد ، ان قصص الأيقاع او التطوع هذه ، مرشحة للأستمرار والتوالد . فما بين خائن أوعميل ، أومتواطئ أومغفل أو واهم ساذج ، مساحات واسعة شاسعة لسرد الاسماء . النائبان الأسبقان : حماده فراعنه وزميله ، لم يكونا الأولين ، وعكاشة لن يكون الاخير فيها .
ما فعله النائب المصري المطرود ، فتح ملف التطبيع على مصراعية من جديد . فمن يطبع مع العدو الأستراتيجي لأمة العرب ، لا يقل خطرا عن المتآمرين والطابور الخامس ، ولو باسم معاهدات ألأذعان . وكشف أن جلابيب الخيانة ومضارب التواطؤ ، بعد اوسلو وما سبقها وما لحقها من اتفاقيات ، تتسع لمن هب ودب في العمالة والنذالة والتفريط .
عدم الاستقرار السياسي والأمني في الوطن العربي ، ومصر في اللجة منه ، حمَّلَ اللقاء المكشوف المشار اليه ، سلسلة طويلة من علامات الأستفهام المشروعة . توقيت الخطوة وأهدافها المُشَفَّرَة، لم تكن مصادفة ، ولا عبثُ غَبيِّ بهلوان . فلا مكان للصدف أو العشوائيات ، في معادلات وترتيبات العدو . واللقاء بلغات رسائله المتحرشة والمضمرة ، قصف علني . جاء ضمن توجه مؤسسات العدو، لتمرير عدة رسائل مفتوحة ، ومجسات نبض مفضوحة ، وعروض شراكة مفخخة . بغرض :
– إعادة تسويق العدو جماهيريا على انه المنقذ من الدواهي التي تعيث فسادا وإفسادا في كل مناحي الوطن العربي برمته .
– إرغام الناس على قبول العدو والكف عن المقاومة ، من خلال زرع فكر التطبيع في اذهانهم ، من صغرهم بالتربية والتعليم .
– مَدُّ التعاون الأمني مع مصر ، الى مجالات اخرى اقتصادية وثقافية .
– اختراق الموقف الشعبي المصري الرافض للتطبيع بالخلخلة وبالتفكيك المتواصل . بعيدا عن الأتصالات الرسمية العلنية والسرية ، يرى جُلُّ المصريين ان الكيان الصهيوني ، هو الأكثر عداء لمصر ، على الرغم من المعاهده والمواقف الرسمية لحكوماتهم ، المسايرة سرا وعلانية ، لبعض مصالح العدو .
– للأستفراد بالفلسطينيين ، لا بد من اقناع بسطاء الناس في كل مَواطِنِ العرب ، ان مسارات المشكلة الساخنة بعيدة عنهم ، ولا علاقة لهم بها ، لأنها محصورة مع الفلسطينيين فقط .
– ان الذين يحمون الفساد في مضاجعه القُطرِيَّة ِ، لا يقلقون من خيانة ارباب التطبيع . كلاهما بعد ان قبض الثمن علانية ، يريد إذلال الوطن . والتسليم بما ستؤول اليه حال المنطقة .
ما اكثر القضايا التي قد نختلف بشدة من حولها . ولكن ، من المؤكد ان الوطن ليس من بينها . فما حدث او قد يحدث ، يخبرنا باننا مُلزَمين على قراءةٍ نقدية ، لِشهوةِ بعض المُتواجدين على ساحة الأعلام السياسي ، فشهوات بعضهم ، لا تقوم إلا على التواطئ الموصلِ الى الخيانة مُكتَمِلة العناصر ، والمتنصلة من الشرف ، بحثا عن شهرة الكيفما كان وبأي ثمن كان .
رفض التطبيع ، لم يعد وحده كافيا . فالمسألة اخطر من مجرد استقبال ، او ذاك الهراء الذي يتخفى تحت يفط بالية ، تدعي ان بلادنا لديها اتفاقيات سلام . يتعين علينا لآلاف الأسباب ، طرحَ جديدٍ قبل ان تستفحل الأمور وتتراخى القبضات . فنحن امام الجيل الرابع من شلل اصحاب الحناجر والخناجر، الذين يستغلون اللحظات الحالكة ، فيروجون لصهينة الأستقرار والأمن والأمان ، للطعن في الظهر الوطني .
دون أن ننسى ولو للحظة ، أن بيننا وبين اعداءنا ، بُحورٌ من الدماء الطاهرة ، تسيل صبح مساء ، في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال ، يجدف فيها وعبرها ، طغمة من الجواسيس الملغومين بالسلوك الأرهابي . يواجههم مواكب من الشهداء ، وباقات من المناضلين المقاومين ، على كل المستويات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى