
#الخلاف_والإختلاف
مقال الإثنين: 8/12 /2025
بقلم د. #هاشم_غرايبه
كثيرا ما يطرح بعض المعادين لمنهج الدين سؤالا واحدا يكررونه في عصر وآن: أي إسلام تدعوننا لاتباعه .. الإسلام السُنّي أم الشيعي، الحنفي أم الشافعي، المتشدد أم المعتدل ..الخ، ويسهب السائل في عرض التصنيفات والتفريعات، في محاولة لتصوير المنهج الإسلامي وكأنه أمر خلافي وغير متفق عليه.
في حقيقة الأمر، كل تساؤل من هذا القبيل ليس بهدف التحقق والتثبت، ولا استفهاما بريئا بقصد المعرفة، بل للتشكيك بصحة المنهج أصلا، أو للإيحاء بأنه ليس أصيلا صادرا عن الإله الواحد، وإنما هو اجتهادات بشرية تحتمل الأخذ والرد.
الإجابة القاطعة التي لا يحبون سماعها، هي أن الدين منهاج وضعه الله لتنظيم حياة البشر من جميع نواحيها، ولكل الأزمنة والعصور، وأجمله في القرآن الكريم، وبما أن الصياغة القرآنية ثابتة لن تتغير وفقا للتغيرات الظرفية للبشر زمانا ومكانا، لذا يجب أن تكون بلغة تتحمل في باطنها كل هذه المتغيرات، ويمكن فهمها وتطبيقها لقادم الأزمنة، وفي كل أحوال البشر.
في الزمن الأول – زمن التنزيل – كان هنالك النبي صلى الله عليه وسلم، أعطاه الخالق الحكمة التي تمكنه من فهم ذلك، وتعليم الناس كيف يستنبطون الأحكام من الآيات، وتتلمذ على يديه جيل من الصحابة ورثوا ذلك العلم وأورثوه للتابعين ..وهكذا جيلا بعد جيل، وهؤلاء هم العلماء الفقهاء.
هكذا علمنا أن الدين في الأصول ثابت لا يتبدل، وفي الفروع والتكييفات متطور حسب الأحوال والمتغيرات، لكن هذا التطور ليس وفق الهوى والإختيار، بل خاضع لقواعد صارمة أُقرّت منذ الجيل الأول، يفهمها الفقهاء، ويلتزمون بها، ويقيض الله في كل جيل ممن آتاهم العلم من عباده المؤمنين من يحافظ هلى هذا النهج القويم.
إذاً فهذا المنهاج كالشجرة أصلها واحد راسخ يستقي من جذور ثابتة، يتفرع ويتوسع مع الزمن، الأغصان الباسقة الممتدة يحسبها الجاهل مبتعدة عن الساق مستقلة عنه، لكنها في حقيقتها منتمية الى الساق ذاتها، وتؤتي الثمار ذاتها.
لماذا إذاً نشهد خلافات تصل في بعض الأحيان الى التكفير والتقاتل؟.
الإختلاف سنة طبيعية، لأن الفقه فهم بشري، والإنسان دائما ما يرى فهمه هو الأصوب، لذلك فالإختلاف ناجم عن مخالفة الشخص لفهم الآخر للأمر الواحد، ولأن ذلك من سنة الله في خلقه التي أوجدها في خلقه الإنسان، ليكون ذو طبيعة مختلفة عن باقي المخلوقات من نبات وحيوان، والتي هي صور متطابقة عن بعضها في الجنس الواحد، فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرا:13]، والحكمة من جعل البشر من أصل واحد هي لتحقيق المساواة فلا يتعالى عرق على آخر، ومن توزعهم على أمم مختلفة هي التكامل وتبادل المعارف.
شرع الله أصلا التزاوج بين ذكر وأنثى لتكاثر الجنس البشري، يأتي كل منهما من أم وأب مختلفين، لكي تختلط الصفات الموروثة ويتنوع اكتسابها في النسل، والإختلاف يبدأ بالتنوع في الطباع والقدرات والفهم حتى بين الإخوان الأسرة الواحدة، فكيف بين الأقوام وبين العصور.
لذلك يغدو السؤال ساذجا: إذا كان الدين واحدا فلماذا الإختلاف فيه!.
إن الإختلاف الفقهي أمر مفهوم في ظل نشوء أوضاع جديدة كنتيجة لتطور المجتمع المسلم، لذلك ظهرت مدارس فقهية متعددة لم تقتصر على الأئمة الأربعة المعروفين، لكنه في كل الأحوال لم ينشئ افتراقا في الأمة لأنه كان في الفرعيات، وما كان من التباعد المبدئي بحيث يوصل الى الإنشقاق بين أتباع الأئمة المختلفين، فظل فقه كل إمام غير ملزم، بل يمكن للمسلم الإختيار بين أي فقه، لأنها كلها من منبع واحد وتؤدي الى الهدف ذاته وهو تحقيق التقوى.
حصل الإفتراق عندما كان الخلاف سياسيا أي أنه ليس على مبدأ الدين بل على الوصول الى السلطة، وهكذا بدأ التشيع، وكان لينتهي هذا الخلاف بانقضاء زمن المتنازعين، لكن الشعوبيين المتعصبين للقومية الفارسية والقبطية استغلوا الحالة، فأججوا الخلاف.
ولأجل إدامة شرخ الأمة أسقطوا على الخلاف لبوسا فقهيا، فانشق المتشيعون لآل علي بن ابي طالب، وأنشأوا فقها خاصا مختلفا عن فقه الأئمة الأربعة، الذين بقوا مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المنهج الوحيد المنقول عن الوحي الإلهي، لذا فهو يمثل الإسلام.
أما المدارس التي بدأت فقهية كالمعتزلة، فهي بقيت مع جوهر الدين، ولا يملك أحد عزلهم منه، لكن السلطة الحاكمة استعانت ببعض شيوخها لتكفيرهم وإخراجهم من الملة.
هكذا نتوصل إلى أن الدين أنزله الله ليبقى، وهو باق ما دامت السموات والأرض، ولن يضيره فهم بشري منحرف، أو توظيف طامع بالسلطة، فكل هؤلاء زائلون.
