سواليف
الرجل الوحيد مع الملك عبدالله خلال زيارته الخاطفة للإمارات قبيل توقيع اتفاق ابراهام للسلام مع اسرائيل، كان الرئيس المكلّف الجديد الدكتور بشر الخصاونة، وهذه صورة نادرة للخصاونة لا يكاد يتذكّر غيرها الأردنيون في مسيرة الرجل لعامين مع الملك كمستشار له كون الخصاونة بقي ضمن تركيبة الظل، وكانت خدمته في القصر أقلّ صخباً من زملاء كثر له على رأسهم الدكتور كمال الناصر والمرشح اليوم لحمل حقيبة وزارية في حكومة الخصاونة.
تذكّر الصورة المذكورة كعلامة على قرب الرئيس المكلّف للملك عبد الله الثاني، يضيف ببساطة وبسرعة إلى المشهد تساؤلات حول دور الخصاونة في خطة قادمة للمنطقة قد تكون حكومة يقودها الخصاونة جزءا منها، ولكن الأهم أنه وبمجرد تكليف الخصاونة بدأت محاولات تلمّس اجندته عبر “النبش” في أطروحات دراسته ومواقفه السابقة.
ورغم ان كتاب التكليف الملكي قدّم كل الايحاءات على ان الخصاونة يحضر إلى الدوار الرابع بأجندة خدمية وتراعي الوضع الوبائي والملف الصحي، إلا أن المتابع للرجل يدرك أنه لم يكن يوما رجل خدمات، ولا حتى اقتصاد، ولكنه على الاغلب الرجل الذي سيحمل مواقف الأردن القادمة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية واتفاقات السلام وصفقة القرن.
ولعل محرك البحث الشهير جوجل قد لا يحمل للخصاونة مواقفاً حقيقية كتلك القادر على استخراجها اسم الرجل في محركات بحث وثائق ويكيليكس، حيث لقاءات عقدها الخصاونة مع سفراء ودبلوماسيين الولايات المتحدة بمختلف مناصبه، تحدث فيها في الكواليس عن تلاشي الامل في حصول الفلسطينيين على “حق العودة” وصفا نفسه بأنه “واقعي” في ذلك، وفي موضع آخر تطرق الخصاونة إلى عدم تناغم محتمل في المواقف بين الشارع والحكومة في تأييد أي عقوبات على إيران وخطورة تواجد إسرائيل في الخندق المقابل لطهران، في مكان ثالث تحمّس الخصاونة لدعم بلاده للرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
وثائق ويكيليكس تظهر أيضاً الانخراط الكبير والواسع في الشؤون الخارجية الذي اكتسبه الخصاونة بحضوره في لقاءات السفراء الأمريكيين مع مخضرم كوزير الخارجية الأسبق عبد الاله الخطيب للحديث عن حماس ولبنان وسوريا وغيرها، وفي تواجده مع وزير الخارجية الأطول إقامة في طريق المطار (مقر الوزارة) ناصر جودة (حتى حين كان وزير اعلام) حول الوساطة الامريكية واهميتها في محادثات السلام مع الفلسطينيين، كما كلّفه وزير الخارجية الأسبق أيضا الدكتور مروان المعشّر في إدارة قسم استحدثه في الوزارة عن حقوق الإنسان وتعزيزها واعتبر الخصاونة فرصة لتعزيز الأردن دوليا في حديثه للدبلوماسيين الأمريكيين.
خلفيات الخصاونة، وهو المستشار الأقرب لعاهل الأردن في المرحلة الماضية، تؤكد على كونه “لو هرف بما يعرف” فعلاً، لن يكون في أي ملف أبعد عن العلاقات الخارجية وتحديدا القضية الفلسطينية والتسويات المحتملة ومتلازمة العلاقات مع الامارات ومصر والعراق والتي تابعها بتفاصيلها وفق معلومات “رأي اليوم”.
بهذا المعنى يبدو نموذج الخصاونة أبعد من حيث الشخصية والتكوين عن سلفه الدكتور عمر الرزاز، والذي كان يصرّ على التركيز على الشأن الداخلي وليس الخارجي في أجندته رغم رفعه شعارات كبيرة كالنهضة وتجديد العقد الاجتماعي وغيرها في حين قال مباشرة لـ “رأي اليوم” وعدة مرات ان همه المشهد الداخلي وانه يترك الخارجي للقصر.
ورغم كون الرزاز كان دوما وقد يبقى مقرّباً للقصر الملكي، إلا ان الخصاونة يبدو اعتى في البيروقراطية والدبلوماسية الأردنية من سلفه، كما انه اكثر تبحّرا في التوازنات الخارجية والإقليمية، وهو ما يفترض وبالتحليل ان يرجح استعانته بخبرات داخلية كبيرة تترك له مساحة للمناورة في الملف الخارجي الذي يتوقع ان يغيّر فيه وينهي عصر وزير الخارجية الحالي (في حكومة تصريف الاعمال) ايمن الصفدي لصالح خبرات مختلفة وجديدة.
ورغم هذه التوقعات، ورغم خبرات الخصاونة، لا يبدو انه من السهل تجاهل ان الرجل عمليا لا يملك أي خبرة في الاقتصاد والملفات المحلية في السياقين التنموي والصحي إلى جانب افتقاره للخبرة في السياسة المحلية، وهي الملفات التي من المطلوب من الحكومة المكلفة معالجتها بصورة عاجلة وموسعة لضمان استقرار البلاد، بعد ان كانت ليلة الأربعاء الخميس التي اعلن فيها القصر تكليف الخصاونة هي ذاتها الليلة التي صنفت فيها دول غربية عمان كدولة خطرة وبائياً.
الخصاونة وقبل ان يلتقط أنفاسه ويضع خططه الواقعية كما يصف الرجل نفسه مطلوب منه وبسرعة العمل على ثلاثة مسارات الأول الصحي والوبائي والثاني الاقتصاد والثالث الانتخابات، وهنا اختبارات يفترض ان الخصاونة كثّف اجتماعاته مع مركز الازمات وبعض الخبراء لوضع خطط لها، وكلها قد لا تكون بعيدة عن ترسيمات المرحلة المقبلة إقليميا للاردن.
بكل الأحوال فرئيس الوزراء المكلّف والمستشار السابق رجل ظلٍّ محترف وذو خبرة لا يستهان بها، إشكاليتها الوحيدة انها خبرة في ملفات تختلف عن أولويات المرحلة كما يراها الاردنيون، وتتطابق مع أولويات من الواضح انها تتطابق ومتطلبات سير الإقليم على سكّة صفقة القرن، هنا سيكون بالضرورة من المثير مراقبة شكل حكومة الخصاونة وتحوّله من “رجل خفيٍّ” في القصر والخارجية لرجلٍ شديد العلنية في الحكومة وإدارة شؤون البلاد، خصوصاً وقد تحوّل لرئيس حكومة دفاع بصلاحيات فوق العادة.