الخديعة الكبرى – 9 / د . هاشم غرايبة

الخديعة الكبرى – 9
الحلول المجتمعية في الدولة الإسلامية :-
بداية سنلقي نظرة فاحصة على ما آلت إليه المجتمعات في ظل النظام الرأسمالي، بعد إذ تبين لنا أن نشأة الرأسمالية في أوروبا ام تكن استجابة لمتطلبات تطور الحاجات الإنسانية، بل لأطماع طبقة النبلاء والإقطاعيين. فبعد أن تمكنت هذه الطبقة من بناء تحالف مع القوتين النافذتين : الطبقة الحاكمة ورجال الدين ، استغلت التطورات العلمية لتطوير المكننة الصناعية مما حقق لها المزيد من العوائد، انقلبت على الكنيسة باستحداث مفهوم العلمانية الذي ألغى دور الكنيسة في التدخل في شؤون المجتمع، ثم انقلبت على العائلات الحاكمة باستحداث مفهوم الديمقراطية بحجة حق الشعب في حكم نفسه بنفسه ، واكتشفنا عندما ناقشنا البعد السياسي أن الشعب حقيقة ثانوي التأثير في اختيار السلطة، وأصبح من ينفرد بالنفوذ هم كبار الرأسماليين (مسماهم السابق : الإقطاعيون والنبلاء )، لكن لتخفيف حدة الشعور بالتذمر الشعبي تحولت الرأسمالية الى مسمى الليبرالية ، وأخيرا الليبرالية الجديدة ورافق ذلك دعايات تسويقية عن الإهتمام بحقوق الإنسان .
لو نظرنا الى ما تحقق فعليا على صعيد رفاه المجتمعات وتحقيق العدالة والمساواة منذ أن تمكنت الرأسمالية من الإنفراد بالسيادة عالميا (بعد سقوط الإشتراكية ) ، سنجد القليل والذي يتركز في المجتمعات الغربية ، فيما عم الظلم والإفساد والإفقار كافة شعوب العالم الثالث، ولكن كان السبب الرئيس في تأخره هو التسلط والهيمنة واستلاب ثرواته من قبل العالم الأول.
حتى لو أخذنا المعيار بالمعدل العالمي العام، فإن ما يشاع أن النظام الرأسمالي قد حققه، سنجده سالبا، فقد أدى غياب آليات الضبط الى تباعد الطبقات، وأخذت تزداد عمقاً وبسرعة الهوة الفاصلة بين الطبقة العليا وباقي المجتمع. فحاصل جمع الثروة التي يمتلكها 1125 مليارديرا في العالم، عام 2008، بلغت 4400 مليار دولار. أي تساوي تقريباً مجمل الدخول التي يحصل عليها في عام واحد نحو ثلاثة مليارات مواطن.
كما أدى تطور المكننة الى الإستغناء عن الأيدي العاملة وبالتالي زيادة البطالة لدى ذوي الدخل المتدني مقابل زيادة الأرباح لأصحاب رؤوس الأموال مما أدى الإحتقان المجتمعي والميل الى العنف وتزايد معدل الجرائم .
فيما دفعت حرية الإستثمار من غير ضوابط أخلاقية إلى استغلال المرأة والأطفال فنشطت أسواق الرقيق الأبيض والدعارة والمخدرات .
أما المكتسبات التي تحققت مثل توفير التعليم والتأمين الصحي والضمان الإجتماعي والرعاية الإجتماعية والتأمين ضد البطالة ، فإنها تعتبر انجازات عظيمة إذا ما قورنت بما كان يناله العبيد والأقنان في العصور الوسطى من الإقطاعيين ، ويبدو لغير المدقق أن أحفاد أولئك القساة القلوب صاروا كرام النفوس عطوفين !.
لكن إن دققنا سنجدهم مثلهم في الجشع والطمع، لكنهم أكثر ذكاء وحكمة، فكل ما يعتبر مكتسبات للشعب ما هو في حقيقة الحال إلا أحد أوجه الإستثمار التي يبرع الرأسماليون في ابتكارها ، فنشر التعليم وجعله متاحا هو في حقيقته استثمار مربح وليس خدمة مجانية ، وينسحب ذلك على التأمين الصحي والضمان الإحتماعي ، لكن الرعاية الإجتماعية والتأمين ضد البطالة هما المشروعان غير الربحيين، ومع ذلك فهما يبقيان استثمارا مجزيا لكنه غير مباشر إذ أنه يحقق اطمئنان العامل على مستقبله ولذلك يكون انتاجه أفضل .
الساذج فقط من يعتقد أن صاحب مزرعة الأبقار يجزل في تقديم الطعام والعناية والعلاج لأبقاره بسبب طيبة قلبه وسمو أخلاقه أو بدافع من الرفق بالحيوان .. إنه يفعل ذلك بالتأكيد لضمان إدرار للحليب أكثر.
وغدا سنكمل بحول الله .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى