الخديعة الكبرى – 2 / د . هاشم غرايبة

الخديعة الكبرى – 2

مع بدايات الألفية الثالثة، ومع البدء في غزو الدول الإسلامية، بشّرت إدارة (المحافظين الجدد) بقيادة بوش بالدين الجديد للبشرية (الديمقراطية ) وبأنه يجب أن يسود العالم، وكما هو معروف أن الديمقراطية هي الرداء الأخلاقي الذي تتخفى به الليبرلية الجديدة والتي هي النسخة الأحدث من الرأسمالية .
سنتناول في سلسلة من المقالات مقارنة بين هذا الدين الجديد والدين الأصلي ( الإلهي )، في أبعاده الثلاثة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ولأجل الموضوعية سنتغاضى عن البعد الأخلاقي والفكري لأنه بأكمله في صالح الدين الإلهي .
وقبل أن نطرح البديل، سنبدأ بكشف ما جرى إخفاؤه من معايب ومساويء تسقط تلك الألوهية المدّعاة .
أولاً : الجانب السياسي :
1 – اختيار الحاكم : لا شك أن اختيار الشعب لحاكمه أمر محمود، فلا تجتمع الأمة على ضلالة، وكلما توسعت الخيارات كان ذلك لصالح الأصوب، لكن هل يحقق التطبيق المعاصر ذلك حقا أم أنها مجرد لعبة مسلية لا أكثر.
لعل أفضل تطبيق لذلك هو الإنتخابات الغربية، وسنفحص ثلاثة نماذج معاصرة: البريطاني الملكي، والفرنسي الجمهوري، والأمريكي الرئاسي. ومع تباين الأسلوب المتبع في النماذج الثلاث إلا أنها جميعا تتشابه في أن الحكم يتولاه شخص يتم اختياره من واحد من حزبين رئيسين يتداولان السلطة بينهما، فيما تكون مشاركة غيرهما هامشية لا تأثير لها، الحزبان الأكبران يستمدان قوتهما من القاعدة البرلمانية التي يحصل عليها الفائزون في الإنتخابات التشريعية.
إذن تمثيل الشعب يكون على مستويين: تشريعي برلماني، واختيار الرئيس، في النموذج البريطاني يندمج الخياران، وفي الفرنسي ينفصلان، أما في الأمريكي ( وهو الأهم عالميا ) فالأمر معقد أكثر، لكننا سنتوسع في تحليله كونه صانعَ العِجْلِ المؤلّه.
تجري الإنتخابات على مرحلتين: الاولية تتم داخل الحزبين الرئيسيين (الديموقراطي والجمهوري) لاختيار مرشح الحزب، يصوّت فيها عادة المنتمون للحزب في كل ولاية، لهذا فإن الشعب ليس له خيار هنا بل لأعضاء الحزب .المرحلة الثانية هي الانتخابات العامة التي يصوت فيها المواطنون الأميركيون لانتخاب المندوبين الذين يدلون بأصواتهم لصالح أحد المرشحين، وهنا أيضا الخيار للمندوبين وليس للشعب، والمندوبون غير ملزمين برأي من انتخبهم.
والمرشح الذي يفوز بالرئاسة هو الذي يحصل على 270 صوتا من أصوات الكلية الانتخابية البالغة 538 مندوبا.
إذا فالنخبة هي التي تختار أولا وثانيا ،.. فأين خيار الشعب ؟.
حتى لو كان لصوت الشعب الدور الأول ( كما في النموذج الفرنسي )، فذلك شكلي وموهوم لأنه واقع تحت تأثير الإعلام والمال والنفوذ مما يجعل الإختيار الحر في أضعف درجاته، ويظل التأثير الأعظم لكبار الرأسماليين الذين يدعمون حملة مرشح ليس لأنه يمثل الشعب ومصلحته أكثر بل بهدف تحقيق مصالحهم .
2 – اختيار التشريعات : يعتبر الدستور هو العقد الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، أقدمها كانت وثيقة ( الماغنا كارتا ) الإنجليزية عام 1215 ، تنال هذه الوثيقة تقديسا ديمقراطيا ، لكنها في حقيقة الأمر كانت عهدا من الملك جون للبارونات بحفظ حقوقهم وإقرارا بالقانون الإقطاعي وليس فيه إلا القليل من ذكر حقوق الشعب. تطورت الدساتير الأوروبية منذ عام 1789 مستلهمة روح تلك الوثيقة، لكنها ظلت تجريبية يجري تعديلها، لذلك فلا قدسية لما هو قابل للتعديل، ولا يمكن تأليهه طالما أنه تحت التجربة والخطأ.
وإذا ما لاحظنا التطبيق فلا يمكن الجزم بحصانة أي تشريع أمام تغول السلطة الحاكمة، فلم يحدث يوما أي تعديل بناء على الحاجة الحقيقية أو خيار المشرعين الحر بل بتأثير من المهيمن أو المتنفذ.
وسنكمل غدا بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى