بسم الله الرحمن الرحيم
#الخاطر_الاول
ضيف الله قبيلات
البِرُّ هو #الإحسان والفضل، والكريم ينبعث منه البذلُ والعطاء طيبةً به نفسه .. بل إنه يجد في ذلك لذه.
أما #البخيل فلا يصدر عنه عطاءٌ إلا عناءً ومقاساةً من نفسه، وعطاؤه رهبةً وطمعا ليس إلا، يرجو دفع البلاء عن نفسه وماله وولده، وقد قيل “بِرُّ الكريم طبع وبِرُّ البخيل دفع”.
ا#الكرم صفةٌ حميدة جُبلت عليها نفوس الكرام، والكرم ليس بالمال وحده فهو أيضاً بالجاه والعلم والرأي والنصيحة والمشورة ومن يبخل كِبْراً أو جُبناً بعلمه فكأنما كتم العلم لأن ذكر الحقائق الشرعية ونشرها بين الناس هو من الكرم العلمي بعد إذ هو واجب شرعي، والشجاعة أخته والجبن عدوه.
ومن لا يملك #المال يقدّم النصيحة والخدمة الإجتماعية ويدلّ على الخير فالدّالّ على الخير كفاعله والكرم هو في كل موهبةٍ وهبها الله تعالى للإنسان كالمبادرات والأفكار والإبداعات التي تفتح آفاق الخير للمسلمين أو تدفع الأذى عنهم، قال تعالى:” وفي أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم”، وقال جل جلاله :” من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً مضاعفه”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
يسعد المجتمع ويتذوق حلاوة الطمأنينة والسلام ويشعر بالأمن والرخاء باستشعار أفراده روح التعاطف والتراحم، فعندما يعود الموسرون على المعوزين ويرحم الأغنياء الفقراء والمحتاجين وتقوم الدولة بواجب توفير الكفاية المعيشية للمواطنين وتحفّز الأغنياء لدفع الزكاة ويتعدون ذلك إلى الصدقة وتضع الدولة التشريعات والمنظومة التربوية والإعلامية اللازمة لذلك يصبح المجتمع كالبنيان المرصوص بالمودة والمحبة يشدّ بعضه بعضا، قال تعالى:” وما انفقتم من خيرٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين”.
أما عندما تغفل الدولة عن واجباتها الشعبية الداخلية ثم تتعدى الغفلة للفساد والإفساد وتصبح الأنانية والجشع والطمع ديدن المسؤولين وحاشيتهم فيقتدي بهم الأغنياء ويلتحقون بركبهم فيتصاهرون ويتآزرون ويتشاركون ويصبح المال دُولَةً بينهم فإن نوازع الحقد والحسد والبغض والكراهية والكيد تشيع في المجتمع ويبدأ الصراع الطبقي الذي يتطور تدريجياً فيصير صراعا مسلحاً نهباً وعنفاً وقتلاً فتهدر الكرامات وتزهق الأرواح وتمحق الأموال وينتشر الرعب في الأرجاء، قال تعالى:” الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذاباً أليما”، وقال عزّ من قائل :” الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم”، وقال صلى الله عليه وسلم:” السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الناس قريبٌ من النار”.
ولقد عرف المسلمون ما هو أكثر من الكرم وقد دعاهم إليه الإسلام ألا وهو “الإيثار”، قال تعالى:”ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”، وقال جل جلاله :”ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا”.
ورد في كتاب “التشوّف إلى رجال التصوف” لابن الزيات عن مناقب الشيخ أبي العباس الخزرجي السبتي ” مواليد سبته في المغرب” عن أبي زيد عبد الرحمن بن يوسف الحسني قال:” رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله أريد أن أراك في النوم كل ليلة، فقال هذا لا يمكن فإني مطلوب في المشرق والمغرب، فشكوت له فقري فقال لي البخل أضرَّ بكْ، قال فمر بنا أحمد بن دوناس وهو رجل صالح أحسبه من الأولياء الأخفياء لا يمسك شيئاً لشدة كرمه وربما تجرّد عن أثوابه فيؤثر بها ويستتر بالأبواب فسلّم علينا وانصرف فقلت يا رسول الله هذا ؟ فقال البخل أضرّ به، فقلت يا رسول الله بيّن لي ما هذا البخل؟ فقال صلى الله عليه وسلم إذا خطر لأحدكم خاطر بالعطاء ثم أعقبه خاطر آخر بالمنع فالتردد في الخاطر الأول بخل”.
قال: فسألته عن أبي العباس السبتي؟ وكنت سيء الاعتقاد فيه فتبسم ثم قال : هو من السُّبَّاق، فقلت له بيّن لي ؟ فقال هو ممن يمر على الصراط كالبرق .
قال فأصبحت وخرجتُ فالتقيت أبا العباس السبتي فقال ما سمعت وما رأيت ؟ فقلت له دعني، فقال والله لا تركتك حتى تعرّفني .. فذهبت معه إلى حانوت ابن مساعد وانشأت أحدثه إلى أن قلت ” التردد في الخاطر الأول بُخل” فصاح وغشي عليه ثم أفاق فقال ” كلمة الصَّفا من المصطفى “.
إذن فلينظر الإنسان في أحوال نفسه كيف يلقى من نفسه عندما يهم بخير فتدعوه للتردد والمنازعة للمنع أو الإقلال حتى إذا أعطى قليلاً وأكدى حدثته نفسه أنه جواد كريم وليته عرف مقامه وتقصيره فيتوب إلى الله ويستغفر وينكسر عسى أن يتخلص مما ورد في البخل من الوعيد الشديد والذّم الأكيد ولنتذكر دائماً ” أن التردد في الخاطر الأول بخل “.