
“وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ”
رقية غرايبة
رواية ” يسمعون حسيسها ” رغم مرور زمن طويل على قراءتها إلا ان أحداثها جذوات جمر في القلب تشتعل بين الفينة والفينة تأبى ان تخمد أو تنطفئ
قراءة وقائع هذه الرواية وتصور أحداثها فوق الاحتمال البشري (وخاصة جنس الاناث) لا يمكن ان تستطيع مواصلة قراءتها بدون بكاء ومرارة وجزع وتشاؤم وكآبة قاتلة
تتحدث الرواية عن قصة واقعية حقيقية لحياة طبيب سجين في سوريا وكان الفضل في نقل معاناته للناس للكاتب الكبير الدكتور ايمن العتوم – بارك الله في جهوده –
رغم ان أحداثها لا تمثل إلا جزءا بسيطا لا يذكر من معاناة السجناء في سوريا ومعاناة الشعب السوري إلا انها تلقي ضوءا وان كان خافتا على حياة المعذبين في الارض
اذا كان سماع صور بشاعة و إِضْطِهَاد و بَغْيُ و جَور وظلم وقهر الظالمين ما لا يحتمل فما حال من ذاق صنوف التعذيب والاحتقار والامتهان والإذلال لإنسانيته
ما كان يثير استغرابي كيف استطاع بعض السجناء الذين كانت كل لحظة وثانية من حياته عذاب وآلام ان يحافظ على توازن عقله وروحه وإيمانه بدون شك او جزع او كفر وأن يتحلى بلباس الصبر واليقين في مثل هذه الظروف الحالكة الظلمة فهذه هي قمة الرقي البشري للعقل الانساني وللبصيرة فمواقف هؤلاء الصابرين العظماء تكشف عن الأثر البليغ للإيمان حينما يتجذر في قلوب الرجال في خلق النضج العقلي فهؤلاء الذين سمت أرواحهم فوق لغة الجسد وآلامه
بينما في المقابل صنف قال تعالى فيهم :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) سورة الحج11
قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن الحارث ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) قال : كان الرجل يقدم المدينة ، فإن ولدت امرأته غلاما ، ونتجت خيله ، قال : هذا دين صالح . وإن لم تلد امرأته ، ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء
فهذا الصنف اذا ابتلي فحلت به مصيبة ما او فشل في موضوع دراسة او عمل او زواج ……الخ ، جزع من رحمة الله عز وجل وأكثر من الشكوى والسخط وفقد ثقته بالله عز وجل وانقلب على وجهه وحصر كل معاني الحياة وحقيقة الوجود وغايته في دائرة صغيرة من الألم وضاقت عليه الدنيا بما رحبت
وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة
قال تعالى :
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) سورة الجاثية 23