الحياة مدرسة

#الحياة_مدرسة

د. #هاشم_غرايبه

كثيرة جدا هي المشاكل التي تنغص الحياة الزوجية، لكن أجهل الناس هم من يعتقدون أن توفر المال كفيل بحلها.
أهمها التباين الشاسع بين الزوجين في فهم الأمور، والذي ينجم عن التفاوت الإجتماعي والثقافي، مما يشكل هوة واسعة يصعب ردمها، ومنها ما لا يمكن تحملها فتؤدي الى الانفصال.
أذكر نصيحة أسداها أبي الى أحدهم جاءه خاطب لابنته لا يعرفه، قال له: الأخلاق هي علامة الدين، فلا تسأل عن صومه وصلاته، بل عن صدقه في تعاملاته، يمكنك تجاوز كثير من الخصال لكن هنالك أمران إن وجد أحدهما فيه فلا تعطه ابنتك وهما أن يكون بخيلا أو شكاكا.
فهمت معنى البخل، وعرفت أنه خصلة ذميمة تفسد متع الحياة، فهي تمنع الإنفاق وتجلب ضيق العيش، رغم أمكانية أن يكون في سعة.
لكني لم أفهم ما هي خطورة الشك على الحياة الزوجية، إلا بعد أن اطلعت على قصص الكثيرين، وتوسعت ثقافتي بالمطالعة.
المحبة بين الزوجين علاقة مقدسة، أوجدها الله بصورة التواد والتراحم، وهي حالة ثابتة متواصلة، وأبقى من الجاذبية الجنسية المتذبذبة.
كون التواد والتراحم تبادليا، أي أخذ وعطاء، فهو عرضة للتقييم الشخصي، فمن يشعر بالرضا عما يناله، يخشى من فقدانه، لذلك يكون حريصا على ديمومة هذه العلاقة، فيظهر خوفه بشكل غيرة..وهذا أمر محمود باعثه المحبة، أما أن يكون حالة نفسية مستحكمة أساسها الشك بإخلاص الطرف الآخر وصدق محبته، أوعدم الوثوق بأخلاقه وسلامة نواياه، فذاك هو الشكاك.
هنالك اعتقاد خاطئ أن الغيرة المبالغ بها بين الزوجين هي دلالة على الحب الشديد، فتظن الزوجة أن حرص زوجها على أن لا تقع أعين الرجال عليها، هو من كثرة شغفه وتعلقه بها، وتعتقد أن عدم تقبله وجود رجل ضمن دائرة رؤية زوجته هو من فرط اعجابه بمفاتنها، وخوفه من سحر جمالها وجاذبيتها للرجال، لكنه قد يكون بسبب ضعف ثقته في نفسه، فيعتقد أن زوجته إن أتيح لها معرفة رجل آخر ستنطلق معه فيفقدها.
أو يظن الرجل أن مراقبة زوجته الحثيثة له، وإصرارها على معرفة كل تحركاته، هو بسبب أنها تعتبره فاتنا ورجلا مميزا تهواه النساء، فتقع في غرامه من النظرة الأولى، لذا فإن غيرتها من باب الخوف من زواجه بأخرى تستأثر به دونها.
الغيرة الطبيعية أمر فطري أوجدها الله عند الزوجين، وهي من منتجات المودة والرحمة لكي تبقى الأسرة قائمة، ويمنع كل طرف اية مغريات خارجية بجذب الآخر خارجها.
أما الغيرة المرضية مختلفة تماما، فهي مرض نفسي طبيعته الشك في نوايا الآخر وصدقه، وأساسه الأنانية وحب التملك، ويتعمق كلما كان هنالك ضعف في الثقة بالنفس، وانعدام لحالة التكافؤ بين الطرفين، وهو ليس تعبيرا عن محبة شديدة للآخر، بدليل أن منتجها دائما هو الإضرار بالأخر إذا تركه، وقد يترتب عليها القسوة أو الحقد عليه لدرجة أنه ترتاح نفسه بإيذائه، ويفرح كثيرا إن أصابه ما يؤلمه.
المودة والرحمة التي يجعلها الله بين الزوجين، منذ أن يفضي بعضهما الى بعض، فيصبح ذلك ميثاقا غليظا على المحبة والاخلاص، لا يمكن أن تسمح لأحدهما بإيذاء الآخر، ولا يمكن أن يتمنى له السوء مهما كان مسيئا إليه، صحيح أن من يتعرض الى خيانة من قبل من كان يحبه، يعتقد أنه بات يكرهه، لكنه في حقيقة الأمر يكون غاضبا جدا لكرامته أكثر بكثير من شعوره بالخسارة، فهو يعتقد أنه تعرض للغش، من حيث أنه كان يضمر عواطف محبة صادقة، فيما كان الطرف الآخر يخدعه، لكن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يتحول حبه الى حقد، ولا تتولد لديه رغبة في الإنتقام، بل يتوقف عند الاحتساب عند الله عما لحق به من ظلم.
في الخلاصة نجد أن الغيرة بين الزوجين أمر طبيعي، بل ومستحب، لأنه تعبير عن المحبة والحرص من كل طرف على الآخر، لكنه يبقى غير مؤذ لأنه ليس شكّا في مصداقية المشاعر ولاهو تقييد مربك للحركة.
لكن الغيرة الضارة، هي التي منشؤها حالة مرضية نفسية، اساسها عدم ثقة الشخص بنفسه، وبأنه غير مقنع بذاته للطرف الآخر، فهي تحول الحياة الأسرية الى تعاسة وشقاء، بدل أن تكون واحة محبة وهناء.

مقالات ذات صلة
اعلان
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى