مظلومية معان وأهلها / ماهر ابو طير

مظلومية معان وأهلها

كلما طالبت معان، او احد فیھا، بمطلب على صعید ظروفھا الاقتصادیة، تحدیدا، خرج احدھم في وجھھا لیقول لھا انھا مثل بقیة مدن الأردن، فلماذا تطلب اكثر؟

لا تطلب معان اكثر من غیرھا، حتى لو كانت بوابة نشأة الدولة الحدیثة، لأن بعضنا یغمز من قناتھا بالقول ان معان تفترض ان حصتھا الاقتصادیة یجب ان تكون اكثر كونھا كانت حجر الأساس في بنیة الدولة الحالیة، وھذا الغمز، على كل حال، لا یغیر من الواقع شیئا، وھو مردود من جھة ثانیة، كونھ محاولة للتھرب من المسؤولیة.

قصة معان، مثل قصة مدن الجنوب عموما، الأكثر فقرا، حیث لا أمل في الأفق، ولو كانت ھناك ارقام للھجرات من مدن الجنوب الى عمان لكانت مفجعة، رغم ان الجنوب عموما، ھو خط الحمایة الاساس في وجھ الاحتلال الإسرائیلي ومشاریعھ التوسعیة، إضافة الى انھ أیضا غني بالموارد، وھذا یعني ان اھل الجنوب، عموما، فقراء، ینامون وتحتھم كنوز الأردن التي ینالون حصة قلیلة جدا منھا.

مقالات ذات صلة

ھي أیضا، قصة عجلون واربد والاغوار، وكل مكان في المملكة، لكن قصة معان تأتي مختلفة، لان ھناك ضیقا في صدر كثرة من معان وأھلھا، اذ كلما طالبت معان كلما كان الضیق منھا مضاعفا، بسبب الشعور ان معان أولى مدن ھذه الدولة، التي تطرق الغائبین عنھا بمطرقة الأسئلة حول المسؤولیة، وحول مستقبلھا، ومستقبل من یعیش فیھا.

لا احد یبحث عن الشعبیة في قصة معان، لكن التنمیة غائبة عن المدینة، ولولا ذلك لما سار العشرات من أبناء معان الى عمان، مئات الكیلومترات من اجل وظیفة، وناموا تحت المطر وفي البرد، واغلبھم من الجامعیین، الذین یجلسون بلا عمل منذ سنوات، فلا توفر لھم الدولة أي وظیفة ولا یقترب القطاع الخاص من تلك المنطقة، خصوصا ھذه الأیام التي یعاني فیھا أساسا من كل أنواع المشاكل، ویواجھ تراجعات كبرى في كل مكان.

ھي قصة عمان المحسودة، أیضا، لكنھا الغارقة في ازماتھا، من البطالة، الى الدیون، الى الإغراق السكاني جراء الھجرات، بحیث باتت تخنق من فیھا، وغیر قادرة على استیعاب احد جدید، والذي یفر من معان الى عمان، لا یأتیھ راتبھ، بكلفة الایجار والمواصلات، وھذا یعني ان عمان لیست ھي الحل، جغرافیا بقدر كون عمان مركز القرار، وفیھا تتم صناعة الحل.

لا بد من الاعتراف ان لمدینة معان حساسیتھا الخاصة، ولا احد فیھا یقول انھ فوق البشر، لكنھا تعاني بشدة، وكلفة التاریخ لا یمكن ان تغیب الیوم تحت مبررات شتى.

خذوا ھذا المثل، في حكومة النسور، تم اصدار قرار بتوزیع مئات الاف قطع الاراضي على اھل معان، والاعلان كان ناقصا، فلا خدمات، ولا مشروع كاملا، ولا رؤیة للتطویر العقاري، فوق الخلافات التي نشبت بسبب الاعتراضات، إضافة الى ترك اھل البادیة الجنوبیة، یومھا، دون منحھم أي ارض، فتراجع المشروع، لاعتبارات مختلفة، وكأن قدر معان، ان تبقى كما ھي.

مدن الجنوب، عموما، ومن ناحیة استراتیجیة، یجب ان تبقى حصناً اجتماعیاً، عبر خطط التنمیة، والتطویر، والمشاریع، والزراعة، والمیاه، والسیاحة، والتعدین، وغیر ذلك، اذ ان ھذه المنطقة المفتوحة على اخطر احتلال، لا یمكن تركھا مفتوحة بھذه الطریقة دون بنى صلبة اجتماعیا واقتصادیا، ودون صناعة كتل بشریة إضافیة، من اھل تلك المناطق في وجھ المستقبل، الذي لا یعرف احد ماذا یخفي في ثنایاه!

مناسبة ھذا الكلام، مسیرة الباحثین عن العمل، عشرات الشباب من معان، لا خائن فیھم، ولا مندس، اغلبھم من الجامعیین، وھم یبرقون برسالة المدینة، قبل ان تكون رسالة كل فرد فیھم، وھم أیضا، یرسلون النداء باسم كل مناطق الأردن بلا استثناء، فالقصة قد تبدو مظلومیة معان وأھلھا، لكنھا في حقیقتھا مظلومیة الجمیع في ھذا البلد، وھم لا یجدون فرصة عمل، ولا مستقبل امامھم، فوق الضرائب والغلاء، وإغلاقات الحیاة التي تتنزل على الجمیع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى