الحلقة المفقودة / مهند أبو فلاح

★ ( الحلقة المفقودة ) ★

مهند أبو فلاح

” إننا من ناحية قومية أمة عربية تعتبر العلاقة القومية بين أفرادها وجماعاتها علاقة طبيعية، فهي أمة تعيش في ارض واحدة وتتكلم لغة واحدة، وتتحسس بالألم تحسسا واحداً، وتحلم بالآمال حلما واحدا، ولها مصلحة واحدة، ويوحدها شعور حب البقاء وبروز الكيان توحيدا صادقا من ناحية شعبية مهما تباعدت الأمكنة. فهي من هذه الجهة امة عربية بداهة وقوميتها من حيث العلاقات ونتائجها متحققة بداهة أيضا. وصار من ناقلة القول إن ندعو إلى العروبة وهي موجودة، والى القومية وهي حية ” فقرة مقتبسة من مذكرة خطية رفعها الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الى المؤتمر الثقافي الذي نظمته جامعة الدول العربية في مدينة الاسكندرية المصرية في شهر آب – اغسطس ١٩٥٠ .

اللافت للانتباه في هذه المذكرة الخطية التي حملت عنوان رسالة العرب انها تضمنت اعترافا واضحا و صريحا لا لبس فيه من لدن النبهاني الذي كان يشغل منصب قاضي في محكمة الاستئاف الشرعية بالقدس بوجود الامة العربية و هو امر ينكره الحزب في ادبياته الحالية ، بل اقرارا ايضا بأن القومية هي حقيقة حية خالدة تماما كما ينادي بذلك حزب البعث ، فما هي خلفية تلك الرسالة التي يتجاهلها كثير من اتباع التيارات الدينية في عصرنا الحاضر ؟!!!

قبل ذلك التاريخ بسبعة اشهر و في مطلع العام ١٩٥٠ قام النبهاني بزيارة الى دمشق الفيحاء بصحبة اثنين من اصدقائه البعثيين و هما عبد الله الريماوي و بهجت أبو غربية خصيصا للالتقاء بالاستاذ أحمد ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث الذي كان قد استقال قبل فترة وجيزة من منصبه كوزير للمعارف في نظام سامي الحناوي قبل ان يطيح بهذا الاخير انقلاب عسكري بزعامة اديب الشيشكلي .

حوار مطول دار بين الاستاذ عفلق و ضيوفه القادمين من فلسطين حول مفهوم الرسالة الخالدة في فكر البعث و معناها و هو الامر الذي اشار اليه الاستاذ عفلق في كلمة له حول هذا الموضوع حملت عنوان ” الرسالة الخالدة ” و اوردها في كتابه الشهير ” في سبيل البعث ” حيث ذكر في مقدمتها ” ان كثيرا من رفاقنا و اصدقائهم يتساؤلون عن معنى الرسالة الخالدة لدى البعث ” و اسهب الاستاذ عفلق في بيان معنى الرسالة الخالدة و انها ليست ما ينبغي ان نفعله عندما تصل الامة العربية الى اوج ازدهارها و تقدمها بل ما نفعله الان للنهوض بها .

على اية حال فإن رسالة العرب التي صاغها المرحوم النبهاني تضمنت توصياته للنهوض بالواقع التربوي العربي و التي يبدو واضحا للعيان انه تم استقاؤها بالمجمل من بنات افكار الاستاذ عفلق التي لم تبصر النور خلال الفترة التي شغل فيها منصب وزير المعارف و التي لم تدم اكثر من ٣ اشهر بدءا من شهر آب اغسطس ١٩٤٩ الى شهر تشرين ثاني نوفمبر من العام نفسه حيث اضطر الى تقديم استقالته في ظل الحملات الاعلامية المتصاعدة ضده من قبل جهات مناوئة لحزب البعث ناهيك عن العراقيل البيروقراطية التي وضعت في طريقه .

اخيرا و ليس اخرا مازالت الحلقة المفقودة التي ادت الى التحول الدراماتيكي المفاجيء في تفكير الشيخ تقي الدين النبهاني مجهولة لدى الباحثين العرب و التي دفعته الى شيطنة الفكرة القومية ، ما يجعل الامر مفتوحا للنقاش على مصراعية وصولا الى الحقيقة المغيبة عن جماهير شعبنا العربي الحر الابي في وطننا الكبير .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى