الحكومة والشفافية المفقودة

#الحكومة و #الشفافية المفقودة
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
مصطلح #الشفافية في #الأردن من أكثر المصطلحات شيوعا واستخداما وخصوصا من قبل المسؤولين الحكوميين ابتداء من رئيس الوزراء وانتهاء بأي مسؤول في أدنى حلقات الهرم الإداري في #الحكومة، لا بل فقد أصبح هذه المفهوم يستخدم بمناسبة أو بغير مناسبة من قبل الخطباء والمتحدثين في المجالس العامة والخاصة وحتى في #الأسواق والكراجات لدرجة يعتقد ضيوف الأردن أن المملكة واحة من الشفافية، وحرية المعلومات وسهولة الوصول لها.

والحقيقة تبدوا عكس ذلك تماما حيث أن معظم #القرارات الحكومية وخصوصا تلك المتعلقة بالتعيينات في المواقع القيادية أو #الدبلوماسية أو التنسيبات بخصوص الموافقة أو عدمها على قرار حكومي معين تبدوا معظمها غير شفافة وغير متاح للصحفيين أو عموم المواطنين الوصول إليها أو إن تم الوصول إليها قد تبدو الأمور أصولية ولا يشوبها شائبة قانونية أو إجرائية في حين أن القرارات تم الاتفاق عليها بشكل شخصي قبل انعقاد الاجتماعات وتم إخراجها بشكل رسمي وإلباسها رداء قانوني يصعب خرقه أو اختراقه وهو تماما ما حدث في كثير من قضايا الفساد التي وجد بأنها محبوكة بشكل يصعب من خلاله إدانة أو تجريم جهة معينة.

الشفافية تعني أنه يمكن للمواطن المعني أو المتضرر من قرارات حكومية معينة وكذلك الصحافة والصحفيين الوصول إلى المعلومات والحيثيات المتعلقة بالقرارات باستثناء القرارات المتعلقة بالأمن القومي والمصلحة العامة ومصالح الوطن العليا وهذه الجوانب يصعب تعريفها وتحديد المقصود بالأمن الوطني ومصلحة الوطن العليا.

مصلحة الوطن العليا وتحقيق الأمن الوطني والمصلحة العامة مصطلحات مطاطة ليس لها معاني دقيقة وتستخدم لتحقيق أهداف سياسية أو قمع جهات أو أفكار أو اتجاهات معارضة للقرارات الحكومية أو إخفاء معلومات وقرارات غير نزيهة وغير صحيحة عن الناس.

يتساءل بعض المواطنين عن مدى شفافية تعيين رؤساء مجالس الإدارة لهيئة الإذاعة والتلفزيون والصحف التي تمتلك الحكومة معظم أسهمها، وهيئة الإعلام العام المستقلة (تلفزيون المملكة)، والسفراء في وزارة الخارجية من داخل وخارج السلك الدبلوماسي؟ وعلى أي معايير تستند عملية التعيين هذه؟ وما مدى شفافية تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء في الجامعات الأردنية الرسمية، وهل يستطيع أحد أن يكشف الأسباب الحقيقية والتدخلات الخارجية في مثل هكذا تعيينات؟ وهل يستطيع أحد أن ينكر أن جميع التعيينات لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات مشروط بموافقة جهات خارجية؟ بالطبع عند رفض تعيين المتقدم يقال له إنه لم يقع عليه الاختيار لكنه لا يطلع على السبب الحقيقي فأي شفافية هذه التي نتحدث عنها؟

معظم قضايا الفساد في الأردن جاءت نتيجة لغياب الشفافية التي يرددها معظم المسؤولين الأردنيين الذي يخفون المعلومات ويضفون جميع صنوف السرية في العمل الحكومي لدرجة أن الإفصاح عن أي معلومات عامة يمكن أن يعرض الموظفين للمساءلة وكأنهم قد أفصحوا عن معلومات نووية أو عسكرية لجهات معادية. أين الشفافية من غسل الأموال والتي مضى عليها سنوات طوال، وأين الشفافية في التعيينات في وزارة الخارجية، وأين الشفافية بتدخل أطراف خارجية في تعيينات قيادية في وزارة الخارجية وغيرها؟.

ضمن هذا السياق فقد بين تقرير حديث لمركز راصد الخاص بمراقبة أداء حكومة بشر الخصاونة بعد عام أن “غالبية الأردنيين يعتقدون أن الحكومة لم تمارس الشفافية أو أنها مارستها بشكل ضعيف، والأداء الإعلامي للحكومة كان ضعيفا وبعيدا عن تدفق المعلومة والشفافية”.

إن الاستخدام المتكرر لمصطلح الشفافية في الأردن هو مؤشر على غيابها وليس حضورها ووجودها في المجتمع، وكما يقولون إن الأواني الفارغة هي الأكثر إزعاجا وضجيجا من الأواني الممتلئة تماما مثلما أن التجارة الكاسدة والمنخفضة الجودة يكثر أصحابها من الصراخ والتشدق بالجودة في حين أن البضاعة الجيدة لا تحتاج لنفس القدر من الدعاية والترويج.

الأردنيون يروق لهم استخدام المصطلح انطلاقا من اللياقة الكلامية والخطابية في حين لا يعكس ذلك شفافية حقيقية في العمل الحكومي

في الدول الديمقراطية الحقيقية قلما تسمع حديث الشفافية ولكنك تراها كل يوم وتسمع عن الفضائح والمخالفات والتجاوزات القانونية والأخلاقية ومعظم هذه الفضائح والتجاوزات تكشف من خلال وسائل الإعلام وحرية الوصول للمعلومات.

الشفافية في الأردن كلام نظري وللاستهلاك المحلي فلا رؤساء الحكومات ولا المسؤولين بكافة شرائحهم يميلون للشفافية وهم يتمتعون بالسرية في المعلومات والقرارات ويتمترسون خلف السرية لأنها تتستر على أخطائهم وفضائحهم وقراراتهم وسوء استخدامهم لصلاحياتهم و…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى