الحكومة تبيع وهم “التحفيز الاقتصادي”

الحكومة تبيع وهم “التحفيز الاقتصادي”

عبد الفتاح طوقان

خطة اقتصادية تقديرية بقيمة ستة عشر مليار دينار لتحفيز الاقتصاد الاردني” وهما و سرابا “ حاولت الحكومة ان تبيعه الي حاكم البلاد و الشعب معا ، و هي نفسها التي اوصلت المديونية مع سابقاتها الي ستة و عشرين مليار دينار في الأردن في شباط ٢٠١٧ ، و بالتالي اصبحت على قائمة الدول التي يترتب على اقتصادها نسبة ديون مرتفعة الى الناتج المحلي.

نظريات و حوارات ورقية حول الاقتصاد و الخطط و التحفيز قدمت و اضاعت وقت ملك البلاد والحكومة و المجالس الاقتصادية و هي “ تلت وتعجن” و تعيد و تتحدث عن ازمة قطاع الطاقة ، اغلاق طرق التجارة ، انخفاض حوالات المغتربين ، انخفاض الدخل السياحي ، ارتفاع التكاليف الامنية ، زيادة اسعار النفط ، ارتفاع اسعار المواد الغذائية كمبررات وضعت الأردن على قائمة الدول الاعلي مديونية عالميا من وجهة نظر الحكومة .

مقالات ذات صلة

و اذا كانت تلك الفرضيات صحيحة و من اسباب الفشل و التعثر و الانكسار الاقتصادي فلماذا لم تحاسب وزيرة السياحة ووزير شوون المغتربين ووزير الدفاع ووزير الطاقة ووزير الصناعة و التجارة عن الخلل في سياستهم التي لم تجد حلا او تقدم استراتيجية لتلك الاسباب السابقة التي اوردتها ؟ اليست تلك من مسؤولياتهم ؟ و ماذا قدموا من افكار و تطبيقات وخطط وضعوها ؟ و أين و أين و أين الي اخر ذلك الفيض من الاسئلة .

و اقصد ان تلك الفرضيات ليست اساس المديونية بمجملها و انما هي شماعة الحكومات للتغطية علي التقصير الحكومي لادارة اقتصاد البلاد و للاهدار و الفساد المالي و السرقات بلا حساب او محاسبة . اين المحاسبة و الشفافية لحكومة رفعت الدين مليارين في عام ، و كيف يقاس نجاح الحكومات ؟ و علي اي اساس تستمر او تبقي او تقال ؟ .

ثم لنقف و نسأل : أين الدراسات الاكتوارية المدعومة و الموثقة بالارقام و التحليل التي تظهر قيمة النمو المتوقع من الخطة التحفيزية ، عوضا عن الاكتفاء بالخطابات التنظيرية و الانكفاء امام الملك ووضع جملة عائمة غائمة “ أن الخطة ستحقق قفزة ملموسة في الاقتصاد “ .

التساؤل المنطقي هو كم تبلغ تلك القفزة و قيمتها و نسبتها مقارنة بالتضخم و المديونية و الموازنة ؟ و ما هي النقطة التي سيقفز منها و عنها ؟ ، ما هي المدة المحددة للتلك القفزة و متي ستتم ؟.

خطة اقتصادية تبدو “هلامية “ ، تعتمد في خطوطها العريضة علي “زيادة الدعم للاردن “ و تشير الي “ أن الاردن مختلف عن محيطه “.، و هو كلام يتردد من سنوات دون اي نتيجة ، مجرد “حشو كلام “.

من قال ان هناك من يريد ان يدعم الاردن ؟ و من اين له هذا المال الزائد للدعم ؟ و ما اسبابه و العائد منه للداعم ؟ ، و من قال ان المقارنة في الاستثمار و الدعم تعتمد علي نظرية “الاردن مختلف عن محيطه” ، في الوقت ان دول العالم كلها مفتوحة للاستثمار و لديها مشاريع جاهزة خارجية و عروض كبيرة من الاندماجات ،و العالم مليء باستحوذات عبر حدود عابرة للبحار تحقق ارباحا اكبر مما يتحقق لها في الاردن في ظروف اكثر استقرارا و سهولة و شفافية ، كما و أنه منذ وقت توقيع معاهدة وادي عربة تراجع الدعم الخليجي كون الاردن لم يعد اطول خط مواجهه مع العدو الاسرائيلي ، و انتهت قضية “الصراع “ الذي بسببه تدفقت اموال الخليج علي الاردن حينها.

أن ضبابية سياسات الحكومة الحالية و غياب التيقن في وضع استراتيجية اقتصادية و استثمارية لانقاذ البلاد ، وعدم مقدرة الحكومة الواضح علي المساهمة في نمو الناتج المحلي و عدم توفير الحكومة بيئة مناسبة للشركات المصدرة ، و فشلها في أن تفتح الاسواق التنافسية الخارجية ، بأعتبار انها حكومة غير مؤهلة بتركيبتها الضعيفة ، اضافة الي غياب فكر الحكومة الاقتصادي لمواجهة المخاطر الجيو سياسية للمنطقة لهو من اساسيات عرقلة الانتعاش الاقتصادي في الاردن ، بل أنها حكومة بقصر رؤيتها وعدم تآهيل وزرائها و قلة حيلتها و قدراتها ، مع تنازلها عن الولاية العامة ، و تغيراتها العشوائية و الانصياع التام للبنك الدولي و فرضها سياسات ضرائبية اثرت و تؤثر بشكل كبير علي الاستثمار و الاقتصاد بوجه عام، و هو ما يهدد الاجيال القادمة.

من المعروف عالميا هناك ثلاث دول كبري تستقطب الاستثمارات الاجنبية المباشرة و هي امريكا بواقع ٣٩١ مليار دولار تليها بريطانيا بقيمة سنوية اجمالية ٢٥٤ مليار دولار ثم الصين بقيمة ١٣٤ مليار دولار . و اذا ما اضيف علي ذلك ٤٣٠ مليار دولار من السعودية الي امريكا فهذا يؤكد ان الاردن ليست في وارد اي داعم عربي او علي اقل تقدير ليس لها “حمص” في مولد الاستثمار الخليجي . و هو ما يثير التساؤل من جديد ما حقيقة الذي تقدمه الاردن مختلفا من وجهة نظر الحكومة و من منظور من سيقدم الدعم او الاستثمار ؟ ، و ما هو الرقم الذي تسعي اليه الاردن من اصل ٢ تريليون دولار من حجم استثمارات اجنبية في دول العالم ؟ .

بالطبع لا يوجد الا نظريات من قبل الحكومة مما دفع برئيس الحكومة ان يصدر تصريحا “نريد افكار عملية لا نظريات “ ، و هو كلام يظهر جليا “مفاجأة اقتصادية غير سارة “ ، و يلزم الحكومة بوضع بيانات اقتصادية واضحة و سجل و مؤشر رقمي علي كم هو النمو المتوقع و مؤشرات اسعار المنتجين و النشاط الصناعي المرجو و غيره و الذي يجب أن تعمل الحكومة علي تحقيقه عوضا عن دخان الهواء و علامات جر ذيول الخيبة الاقتصادية و الفشل الذريع و الغموض.

ثم أن خطة الحكومة و المجلس الاقتصادي “ الهامشية” ارتأت أن تعتمد علي القطاع الخاص المحلي و القطاع الخاص العربي و الاجنبي ، و كل هذا كلام جميل و لكنه كلام نظري و دون اي خطوات عملية في غياب العنصر الرئيس الا و هو “ الوزير صاحب الرؤية و القادر علي وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ و لديه خبرة في جذب الاستثمارات “.

“بيع الوهم الاقتصادي “ مجرد احاسيس تٌصدرها الحكومة للشعب و معها يستوجب رحيل الحكومة التي تثير قلق كبير بموازنة تبلغ ما يقارب اثنا عشر مليار دولار ،في عام ٢٠١٧ و عجز يقارب المليار ، و توحي بلغز اقتصادي اكبر و كارثية قد تؤدي – لا سمح الله – الي تراجع سعر الدينار و زيادة معدل التضخم و انكماش الاقتصاد مما يؤثر سلبا علي الاردن و بالتالي الواردات خلال فترة توليها الحكم و بعده .

لذا وجب الحذر لتعزيز مكانة الاردن و التآكيد علي مرونة و متانة الاقتصاد باعلان بيانات مفصلة عن الحساب الجاري للبلاد وحجم ايرادات الضرائب و الانفاق الحكومي ، و المديونية المدنية الحقيقية و العسكرية سواء للبنوك المحلية او المؤسسات الدولية ، و مستقبل روابط التجارة وقيمة الفاتورة الامنية و التجهيزات و المشاركات و الالتزامات العسكرية و مقارنتهم بعشر سنوات مضت و ربطهم بالاصلاحات وكيفية الخروج من الكساد خلال خمس سنوات و التعافي من تخبط السياسات الاقتصادية أن لم يكن غيابها و هشاشاتها .

اذا كانت الحكومة تري ان بيعها “الوهم “ ليس جريمة ، فالجريمة ان يشتري الوهم مجلس النواب و الشعب ، و الجرم الاكبر ان تبقي في موقعها .

aftuokan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى