الحكومة الأردنية وإدارة أزمة المعلمين
د. علي المستريحي
تعرض لنا أدبيات إدارة الأزمات استراتيجيات عدة لإدارتها. فقد جربت الحكومة استراتيجية “كبت الأزمة” باستخدام العنف ولم تفلح. وجربت أيضا استراتيجية “تفتيت الأزمة” باتباع سياسة فرّق تسد، ولم تنجح هذه أيضا، فالمعلمون هذه المرة على قدر كبير من التماسك والاتفاق فيما بينهم. كما أن الاستراتيجيات الأخرى المتمثلة في “إنكار الأزمة” أو “عزلها وخنقها” أو “تفريغها من مضمونها” أو “تصعيدها” أو “وقف نموّها” تبدو جميعها بعيدة المنال وغير مجدية أو غير واقعية بالنسبة للحكومة مع هذه الأزمة بالذات، وبهذه المرحلة المتقدمة منها ..
بعد الفشل الذريع للحكومة لإدارة الأزمة إلى الآن، من المؤسف أننا نلمس محاولة منها (أو من قبل بعض الأطراف الداعمة لها) لاتباع استراتيجية “تحويل مسار الأزمة” وخلط الأوراق، وذلك بمحاولة تحويل المواجهة بين المعلمين والحكومة إلى المواجهة بين المعلمين من طرف وأهالي الطلبة وفئات مهنية أخرى من المجتمع كالمتقاعدين العسكريين أو الأطباء أو المهندسين أو الممرضين أو غيرهم من الطرف الآخر، كمحاولة منها لتصدير الأزمة بعيدا عنها! وهو فشل آخر سيضاف إلى فشلها، وقد يفضي لحالة تأزيم مجتمعية سيستعصي معها كبح جماحها أو احتواؤها إن استفحلت ..
إدارة نقابة المعلمين للأزمة هي المسيطرة إلى الآن، وهي الأكثر جدوى وفاعلية .. هي استراتيجية واحدة فقط ينفع معها الوضع الراهن لإدارة الأزمة يمكن أن تتبعها الحكومة، تلك هي استراتيجية “احتواء الأزمة Cooptation” من خلال الاعتراف بحق المعلمين والاعتذار لهم والتفاوض الجاد معهم للوصول إلى تفاهمات مقبولة للطرفين. ولو رغبت الحكومة بالوصول لمستوى أعلى من حسن التصرف، فلا زال بإمكانها تحويل الأزمة من مهدّد threat إلى فرصة opportunity للتعلّم ولبدء مشروع جادّ لإعادة هيكلة عادلة لكل القطاعات بما فيها المؤسسات والهيئات المستقلة ورواتبها الفلكية دون طائل يذكر (وحقيقة لا تتوفر لدى أقل قناعة باحتمالية سعيها لذلك بتشكيلتها الحالية ودون تغيير جوهري في النهج)!