الحكومات وسقف التوقعات / الدكتور عديل الشرمان

ظل يأكل حتى امتلأ بطنه ، وتدلى كرشه ، لا لوم عليه فهو لم يعتد هكذا نوع من الولائم ولم يعتد أن يجد هذه الأصناف من الطعام اللذيذ كتلك التي وجدها على مائدة العشاء التي دعي إليها ، المشكلة ليست هنا (بالهنا والعافية) ، المشكلة بدأت عندما بدأ الطعام يتبخر إلى أن لف دماغه فأصابه بالنعاس، خلد إلى النوم مبكراً على غير عادته ، متوسداً يد زوجته أم العبد ، وأخذت الأحلام تعصف فيه من كل صوب … أم العبد التي ترقد إلى جانبه لم تذق طوال تلك الليلة للنوم طعماً لأن زوجها ( أبو العبد) لم يفارقه الضحك على طول ساعات نومه ، حتى أم العبد راحت تشاركه الضحك من غير أن تعلم عن السبب ليعج المكان بالضحك كاسراً حاجز الصمت والظلام الحالك ،،، فجأة يتدلى شاربه ليصمت أبو العبد قليلاً ، أم العبد تحمد الله أنه هدأ، إلاّ أنه ما يلبث أن يرتفع شاربه ثم ينفجر بالضحك من جديد ، أم العبد تنصت جيداً ، فأبو العبد يتمتم بكلمات( بالكاد) مفهومة ( هات القهوة يا ولد ، أعطيني سجل الحضور والغياب، إنت محسوم من راتبك أسبوعين ، أنت موقوف عن العمل ، ليش متأخر عن الدوام ، إنت ما تفهم، اكتبوا فيه للمحاكمة ، جهّز السيارة يا ولد .. إلخ ) .

وهكذا فإن دوامة الضحك والهذيان لم تنتهي … وفي اليوم التالي يصحو أبو العبد الموظف الصغير، الذي بالكاد يكفيه راتبه لأيام، يصحو منهكاً على غير عادته ليجد نفسه في روتين الحياة المليئة بالفقر وقد فقد كل شيء كان يحلم به، المكانة والمنصب ، والمال والسيارات والخدم ، وتبددت الأحلام ، ولم يجد إلاّ المسكينة أم العبد بسروالها المعتاد وشعرها المنكوش ، فانهال عليها بالضرب حتى تركت البيت ، في حين يجد أبو العبد نفسه وحيداً وقد خسر كل شيء حتى زوجته التي أحبته وعاشت معه لسنوات طويلة، فانكفأ على نفسه في زاوية البيت ولاذ بصمت عميق ، ثم اخذ يلعن ويشتم تلك المأدبة (مأدبة العشاء) الفاخرة التي غيّرت مسار حياته وحولتها إلى جحيم ، وتمنى أنه لو لم يملأ بطنه من ذلك الطعام اللذيذ ، الذي رفع سقف التوقعات لديه ، فانهار عليه سقف البيت وإلى الأبد .
هذه هي حال حكوماتنا تأتي ويأتي معها الامل بغد وحياة افضل، ترتفع مع قدومها سقف التوقعات والأحلام لكن ما نلبث وإذ بالسقف ينهار علينا، والأحلام تتبدد وتتلاشى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى