#الحكم_الشرعي في #التطبيع
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
التطبيع مصطلح حديث، لم يكن موجودا في زمن السلف الصالح، لذلك لا يوجد له حكم شرعي منقول، ولما كان أمرا خطيرا له تأثير بالغ على الأمة، فمن الضروري تبين حكمه في ميزان الشرع.
لعل السبب الرئيس في تهرب الفقهاء والعلماء الشرعيين من بحث هذا الأمر، هو أن أغلب الجهات المخولة بذلك هي جهات رسمية تعتبر جزءا من نظام الحكم، وليست مستقلة القرار، بل موالية للحاكم أكثر من الدين والشرع، ، فلا تفتي إلا بناء على طلبه وفيما يوافقه، وتتجنب إصدار الحكم الشرعي الذي يتعارض مع رغباته.
من هذا الباب سنجد أن مفتي السلاطين هؤلاء يتحملون المسؤولية عن فساد السلطة وانحرافها عن منهج الله، وبالتالي فهم أشد إضرارا بالدين من المنافقين ذاتهم، فلا جرم أن ينالوا العذاب الأعظم يوم القيامة، مثلهم مثل من خدموهم وأضلوا الناس عن علم وسبق نية، مقابل ثمن بخس، لأنهم بذلك استبدلوا رضى الحاكم برضى الله، فباعوا آخرتهم بدنياهم ..فما أخسر تجارتهم!.
لذا يجب على كل من نال علما وفقها عليه أن يتبرأ منهم، ولا يسكت عن قول الحق، ولا يخشى السلطان الجائر، وهذا السبيل الوحيد لكي ينجو من غضب الله.
ولعل استغراق هؤلاء في منهج السلفية الاستنساخية، التي تقول بأن ما لم يقل به السلف الصالح ابتداع فسوق، مرده الى رغبتهم في التملص من واجب الافتاء فيما يستجد من أحكام لم توجد في زمن الأولين، فسكتوا عن مخالفة الحاكم الحكم الشرعي الأصيل، وبعضهم أجازه بحجة أقبح وهي ذريعة طاعة الحاكم، مما أوقع هؤلاء في وهدة النفاق.
قبل البحث عن الحكم الشرعي للتطبيع، علينا أن نحدد مفهومه ومراده، فمتفق عليه أنه يعني إزالة حالة العداء مع العدو الغاصب للأرض، والقبول باحتلاله، والتنازل عن استعادتها، والتعامل مع دولته التي أقامها بطريق غير شرعي على أرض المسلمين، وكأنها دولة حقيقية مالكة شرعية للأرض، ثم تطوير العلاقات للتعاون معها في كافة الميادين.
ولذلك فحكمه حرام، وذلك للأسباب التالية:
1 – التسليم للعدو الغازي لديار الإسلام ومسالمته قبل أن يخرج منها مخالف لأمر الله: “اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ” [البقرة:191]، كما يتناقض مع الواجب الشرعي، وهو الجهاد حتى إخراجه مما احتله.
2 – الدفاع عن ديار المسلمين له تأصيل شرعي، وهو فرض عين على المسلم، ومسماه جهاد الدفع، والتخلف عنه من الكبائر الموبقة في النار.
3 – مسالمة المعتدي المحتل للديار، الواردة في قوله تعالى: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا” [الأنفال:61] لا يجوز إلا في حالة واحدة، وهي خروجه وإعادة ما احتله، فيمكن بعدها التطبيع معه، أما أن يكون عن رضوخ واستكانة بذريعة عدم التكافؤ في القوة، فذلك غير جائز، لأن الله لا يقبل الذلة والصغار للمؤمنين، وهي نكوص عن فريضة الجهاد، لأن الله لم يفرض الجهاد في حالة تفوق المسلمين فقط، فقد تعهد بنصرتهم بغض النظر عن اختلال موازين القوى، ولم يشترط عليهم إلا بذل الجهد في الإعداد والتجهز.
4 – معاهدة العدو المستمر في عدوانه على الأمة تعني التخلي عن واجب نصرتها، وهذا مخالف لأمر الله.
4 – المهادنة المؤقتة في حالات الضرورة أمر مقبول إن كان لحين الإعداد والتجهز، ومختلف تماما عن التطبيع الذي يعني إنهاء حالة العداء والتخلي عن الأرض نهائيا، لأنه يسقط الحق في استرجاعها.
5 – الاحتجاج بصلح الحديبية لا تستقيم مع الحالة الراهنة في الصراع مع الكيان اللقيط، فالمشركون لم يحتلوا ديار المسلمين، كما أن المسلمين حين خرجوا لم يكونوا بقصد فتح مكة أصلا، بل أرادوا زيارة البيت الحرام مثلهم مثل باقي قبائل العرب، وعندما صالحوا المشركين كانت البنود لصالحهم، فقد اعترفوا لأول مرة بحقهم في زيارة البيت الحرام ولو أنها أجلت الى العام القادم، ولم تكن المعاهدة فيها اقرار لحق المشركين في السيطرة على الحرم، بل كانت خطوة أولى للفتح.
بناء على ما سبق نتوصل الى الاستدلال على حرمة التطبيع الراهن حرمة قطعية، وكل من شارك فيه أو أيده آثم، ولا تقبل له توبة إلا بالعودة عنه وإصلاح ما أفسد.