الحق على العَلَّاقة

الحق على العَلَّاقة
سهير جرادات

أذكر في أحد الأيام المدرسية ، أن الطالبات انتابتهن حالة من الهلع والخوف إثر انفجار زميلتهن بالبكاء بعد أن طلبت المعلمة منها خلع ( البالطو)، وتعليقه كبقية زميلاتها في الخزائن الموجودة خارج الصف ،ومع ارتفاع نحيب الطالبة وما رافقه من حالة صراخ هستيري كلما حاولت نزع ( البالطو)، اشتدت وتيرة التوتر بين بنات صفها ومربية الصف .
انتشرت حالة من الضجيج في الساحة الداخلية للمدرسة ، بسبب تراكض الطالبات نحو غرفة الإدارة، بعد أن طلبت مربية الصف منهن الاستنجاد بمديرة المدرسة، التي بدورها فشلت في تهدئة الطالبة”الموجوعة”، أو إقناعها بمرافقة زميلاتها إلى “العيادة الطبية” الموجودة في قسم الذكور ، وكان صوت بكائها يرتفع كلما حاولن الامساك بيديها ومساعدتها على الوقوف، فالآلام الحادة التي كانت تؤلم جسدها في منطقة الظهر والرقبة ، رافقها عدم القدرة على تحريك يديها من الأكتاف حتى أصابع اليدين ، لترتفع معها درجات التوتر والهلع بين طالبات صفها والصفوف المجاورة.
وحفاظا على هدوء الطالبات، قررت المديرة أن تحمل معلمات الطالبة”الموجوعة ” إلى عيادة المدرسة ، لتبدأ رحلة البحث عن الحارس ، الذي يمتلك مفتاح الباب المؤدي إلى مدرسة الذكور ، حيث يتم اغلاق الباب صباحا بعد قرع الجرس ولا يتم فتحه إلا عند انتهاء الدوام كونه الطريق المؤدي إلى الساحة الداخلية التي تصطف فيها الباصات.
وعقب العثور على الحارس الذي يمتلك مفتاح باب “النجاة” ، ونقل الطالبة إلى العيادة في قسم البنين ، بدأ الهدوء يعود إلى قسم الإناث بعد أن خبا صوت نحيب زميلتهن، لتقوم مساعدة المديرة بطمأنة الطالبات عبر الإذاعة المدرسية بأن زميلتهن بأيد أمينة مع طبيب المدرسة ، وتم استدعاء أهلها ، وعليهن العودة إلى الغرف الصفية لاستكمال الحصة الأولى.
بادر الطبيب بتهدئة روعها ، وأخذ يستفسر عما يؤلمها ، وهي تؤكد له : أن الوجع في أكتافها ورقبتها وذراعيها نزولا إلى رؤوس أصابعها ،وقام الطبيب بفحص حرارتها ، ليجدها بمعدلها الطبيعي ، وللحيرة التي أصابته أثر حالة الألم والثقل التي كانت تشعر بها الطالبة المصابة ، كلما حاول رفع أحد يدها أو كلتيهما ، طلب الطبيب من المعلمات المرافقات أن ينزعن عن الطالبة ” البالطو” ، ليقوم بالكشف السريري عليها .
مضت الحصص الثلاث الأولى ونحن الطالبات نتساءل عن حال زميلتنا ، واجزم بأننا لم نستوعب ما قدم لنا من دروس ، وجاء وقت -الفرصة- وخرجنا إلى الساحة لنجد زميلتنا “المصابة” موجودة في الساحة تتناول سندويشتها والابتسامة تعلو وجهها ، ركضنا نحوها فرحين مستهجنين وجودها ، وسألناها ببراءة الصبا : كيفك ، شو مالك ؟!.
وجاءت الاجابة غير المتوقعة ، ترافقها ابتسامة ممزوجة بالفرح والخجل ، بقولها : ما في شيء ، بس كنت لابسة ” البالطو ” ب ” عَلاّقة الملابس الخشبية ” !!!”.
نعم ، بهذه البساطة ومن باب حرصها على الالتزام بعدم التأخر عن المدرسة ترتدي (البالطو) مع العَلاّقة الخشبية ، التي كانت كلما تحركت تضغط على كتفيها ورقبتها وتشتد على يديها حتى يصيب ذراعيها الخدر ، الذي يصل إلى أطراف أصابعها .
مع قصة زميلتنا عشنا حالة من الرعب والهلع المبرر وغير المبرر ، حالة تتناسب مع الوضع ولا تتناسب مع النتيجة ، حالة كانت البداية فيها خاطئة والنهاية مضحكة ومؤلمة في الوقت ذاته، بعد أن تبين أن حالة القلق التي عشناها كانت بسبب ” العَلاّقة ” .
ونحن أيضا حالنا يشبه قصة الطالبة مع ” العَلاّقة ” ، لكن مع الاختلاف بأن ” العَلاّقة ” لبسناها طواعية وليس بالخطأ ،وتعايشنا معها حتى تمكنت منا واصابتنا بالشلل الاقتصادي ونشرت الفساد السياسي منذ سنوات ، وأصبحت هي المسؤولة عن آلامنا وسوء حالتنا التي وصلنا لها ، كما أنها المسؤولة أيضا عما سنصل اليه مستقبلا بسب استحواذها على الصلاحيات ، وتفردها بقراراتها ، وتصرفاتها التي تصب في مصلحتها .
وبعد أن عُرف سبب الألم بطل العجب ، ووجب الحل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، من خلال إجراء تعديل باستبدال هذه ” العَلاّقة الخشبية ” إلى “عَلاّقة حديدية ” يمكن أن نقومها ونعيد تشكيلها بما يتناسب مع المصلحة العامة ، ولا تعوق حركة التقدم ، أو يمكن استبدالها ب ” عَلاّقة بلاستيكية ” تكسر نفسها بنفسها في حال رفضت، أو خالفت رغبة قوى الشد العكسي ، تفاديا لفكرة – لن تكون لمصلحة أحد – وهي التخلص من هذه ” العَلاّقة ” .
وفي زمن الكورونا ، ومنعًا لإنتشاره ، يمكننا أن نخضع ” العَلاّقة ” ، للحجر الصحي داخل الخزانة أو خارجها … خربشات كورونية
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى