الحقيقة والزيف

#الحقيقة_والزيف

د. #هاشم_غرايبه

منذ قديم الزمن تميز الأوروبيون عن باقي البشر بالقسوة والوحشية، فكانت الشعوب الشمالية: الهون والفايكنج لا يكتفون بالنهب والقتل، بل يحرقون المكان الذي يهاجمونه ولا يتركون فيه كائنا حيا، أما شعوب أوروبا الوسطى فلم تكن أقل منها وحشية، اذ لم تنقطع الحروب بينها، والتي ذهب فيها عشرات الملايين، وآخرها الحربين العالميتين.
لم يكن ذلك الا تجسيدا لطبيعة الأوروبي الشرسة، والتي جعلت لتعذيب والقتل عندهم نوعا من التسلية، فحلبة الموت الرومانية (الكولسيوم) في وسط روما كانت هي مصدر التسلية والترفيه لكل المجتمع، فالأسرة بكاملها كانت تحضر إليها لمشاهدة الأسود المفترسة التي يتم تجويعها ثم إطلاقها على الأسرى فتلتهمهم وسط ضحكات واستمتاع الحضور، كما كانوا يجبرون أسراهم على أن يتقاتلوا حتى الموت.
وفي اسبانيا مازالت مبارزة الثيران التي تنتهي دائما بقتل الثور هي الأكثر شعبية الى اليوم.
وعندما خرج الأوربيون بقسوتهم هذه إلى العالم بما سموه الاكتشافات الجغرافية، أحدثوا دمارا وخرابا هائلا للبشرية، فقد أبادوا سكان ثلاث قارات هي الأمريكتين واستراليا، فأصبح سكان أمريكا الجنوبية بأكملها اسبان وبرتغاليون وطليان، فيما صار سكان أمريكا الشمالية واستراليا من باقي القوميات الأوروبية.
أما أفريقيا فقد استعبدوا سكانها بدلا من ابادتهم، فجعلوا الاتجار بالعبيد استثمارا كأنهم ماشية.
أما في آسيا التي كانت تمتلك رصيدا حضاريا متقدما عليهم، فلم تنجح حروبهم الاستعمارية الا في احتلال شرقها وجنوبها مؤقتا، مستعينين بأقذر حرب بنشر المخدرات بما سمي بحرب الافيون الى ان أجبروا على الجلاء منها.
وبالطبع لم يسلم الشرق الأوسط من أطماعهم، فقد تعرض لاحتلال الإغريق والبيزنطيين والرومان لآكثر من ثمانية قرون، وما تحرر الا عندما توحد تحت الراية الاسلامية، لكنهم شنوا عليه ومنذ القرن العاشر أكثر من ثلاثة عشر حملة صليبية كان آخرها ما سموه الحرب على الإرهاب.
كما شهد الشرق الأدنى أبشع مجازر ضد المسلمين، ففي البوسنة قتل فيها نحو 300 ألف مدني مسلم، واغتصبت فيها نحو 60 ألف امرأة وطفلة، وهجّر نحو مليون ونصف مسلم، واستمرت المجازر لنحو 4 سنوات هدم الصرب فيها أكثر من 800 مسجد بعضها يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر، وأحرقوا مكتبة سراييفو التاريخية.
لقد كانت ثمرة الحروب الأوربية خارج أوروبا أن أصبحوا (هم العالم), وذلك بامتلاكهم لمعظم الأراضي فيه،
فالإنجليز مثلا هم يحكمون بريطانيا، لكنهم يملكون 16 دولة أخرى، بالرغم من أنها مسجلة كدول ذات سيادة، ولكنها مع ذلك تقع تحت سيادة التاج البريطاني، وتسمى أقاليم ما وراء البحار البريطانية، أشهرها كندا وأستراليا وجامايكا.
ولنا أن تعلم أن دولة صغيرة مثل الدنمارك أصبحت تمتلك مناطق خارج أوروبا أكبر من دولتها بعشرات المرات، مثل غرينلاند، وجزر الفارو.
وبذلك أصبح الأوربيون يملكون مساحات هائلة تفوق حاجتهم بأضعاف كثيرة, معظمها من أغنى المناطق في العالم، ولذلك هم حققوا التقدم على سائر الأمم، واحتكروا ذلك، فنالوا مقدارا من الرفاهية غير مسبوق على مدار التاريخ، ليس بتميزهم الحضاري، بل بسيطرتهم العسكرية على العالم.
وما زالوا يعملون على إبقاء سيطرتهم تلك، من خلال إنشائهم لأكبر حزب سري في العالم: (منظمة البنائين الأحرار) التي ينتمي إليها الكثير من قادة دول العالم، وكبار رجال المال والأعمال والإعلام فيه، للك نجد تأثيرهم واضحا في تسيير السياسات الداخلية لجميع الأقطار لما فيه مصلحتهم.
هذا نزر بسيط من شرور هؤلاء الفئة من البشر، لكن الأسوأ هو ادعاؤهم بأنهم ينشرون قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، فهل يتفق هذا الادعاء مع أفعال أيديهم وطبائعهم!؟.
يجب على من يبحثون عن تكريم الانسان وتخليصه من أطماع الطامعين، أن يسعوا الى تحريره حقيقة، وليس بطريقة الأوروبيين التي تقوم على الإبادة الجماعية، وسحق الآخر واستئصاله.
التحرير يكون باتباع دين كرم الإنسان ورفع من قدره، وجعل تحرير العبيد عبادة.
وهو أول تشريع عرفه البشر جعل للحرب أخلاقا ضابطة لأي تجاوز، فمنع قتل النساء والأطفال والشيوخ والمتعبدين، وأوجب حسن معاملة الأسير: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” [الإنسان:8]، دين كان رسوله صلى الله عليه وسلم يوصي المقاتلين: “انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ….”، ويقول: “استوصوا بالأسارى خيرا”.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى