الحقيقة عارية

الحقيقة عارية
د. هاشم غرايبه

مع انكشاف حقيقة أن الحرب على الإرهاب ما هي في حقيقتها الا للتغطية على الحملة الصليبية الأحدث على ديار المسلمين، ولبلاهة بوش فقد انزلق لسانه وذكر تلك الحقيقة، لكن الإعلام التضليلي سارع الى نفيها، والتحق به كالعادة إعلام الأتباع العرب في الزفة وهم يهتفون : إنها حربنا.
مع ذلك ما زال بيننا من المنافقين الموتورين، من يعتقدون بأن سوق محاربة الإسلام ما زالت رائجة، ويصرون على المناداة على البضاعة الكاسدة: محاربة الإرهاب.
ما يكشف زيف ادعائهم بالحرص على الإسلام وتنقيته ممن يسيئون إليه، أنهم يسارعون الى استنكار وشجب أي عمل انتقامي ساذج إن قام به مسلم، ويعتبرونه عملا ارهابيا جبانا!، مع أنه إن كان ضد عسكريين محتلين، فمن يقوم به شجاع فعليا، وأبعد ما يكون عن كونه جبانا، فيما يصمتون على الأعمال التي يقوم بها أوروبيون متعصبون للعرق الأبيض، ضد أناس ذنبهم أنهم مسلمون، ذلك هو العمل الجبان حقا، لأنهم لولا أنهم مدججون بالسلاح ومن أمامهم عزل مسالمون ما جرؤوا على فعلتهم.
عربياً، كان من أهم الأدوار المناطة بالأنظمة العربية في هذه الحملة المسماة الحرب على الإرهاب، إصدار حزمة ضخمة من القوانين القمعية تحول دون الطعن في صحة الروايات المنسوجة لوصم الإسلام بالإرهاب، أو تحاول التمييز بين الجهاد ضد المحتلين والإرهاب، وتسمي ذلك جرم التعاطف مع الإرهاب، والذي عقوبته السجن من ثلاثة الى عشرة أعوام، وفي بعض الأقطار الإعدام.
أوروبيا لم يكن من حاجة الى أي من ذلك، فالغالبية العظمى ليسوا بحاجة لإثباتات على أن الإسلام إرهابي، فلديهم حقد تاريخي عريق يتسع لأكثر من هذه التهمة.
لكن هنالك من كان لديهم بقية من ضمير إنساني، أو هم ممن يحترمون عقولهم، ويرفضون الإنقياد للتضليل الإعلامي المستغرق في التزوير والتلفيق، وبعضهم تغيرت قناعاتهم الموروثة عندما تعرفوا على المسلمين في بلادهم وتعاملوا معهم.
طيلة القرن المنصرم، لم تبذل سفارات الحكومات العربية أدنى جهد بتعريف الأوروبيين بالإسلام على حقيقته، وكيف تفعل وهي حكومات غير إسلامية إلا بالإسم، فهي علمانية المذهب وولاؤها للزعيم وليس لله!؟.
لذلك فقد كان التأثير التنويري للتعريف بالإسلام للجاهلين به مقتصراً على مستوى الأفراد والجمعيات الإسلامية غير الحكومية، وأدى ذلك الى نشوء قاعدة ولو أنها ما زالت صغيرة إلا أنها مقلقة للمتعصبين، كونها سريعة التمدد، ولأنها تتحدث الى الأوروبيين من داخلهم.
لمعرفة حجم هذه الجزر الخضراء وسط التصحر العقلي الأوروبي، لنطلع على الإحصاءات التالية: في دول الاتحاد الأوروبي 20 مليون مسلم، يمثلون 8% من سكان فرنسا، و6.5 % في ألمانيا ، السويد 6% ، بلجيكا 6 % ،هولندا 5.5 %، بريطانيا 4.8 %، ايطاليا 4 %.
هؤلاء يشكلون في معظمهم (وليس جميعهم بالطبع) بؤراً اجتماعية جاذبة أكثر منها طاردة عن الإسلام، وهنا يكمن سر قلق الفرنسيين من هذه الظاهرة أكثر من غيرهم.
يساعد في كشف التزييف الإعلامي، أفراد وجماعات ومنظمات تتحرج من تأييده والسكوت على الكذب، فقد نشرت وكالة انفاذ القانون في الاتحاد الأروبي (يوروبول) عام 2013 ، دراسة إحصائية عن حوادث الإرهاب التي تمت في دول الإتحاد الأوروبي على خلفية الدين او الكراهية او التعصب العرقي فقالت أن 2% منها نفذها مسلمون فيما نفذ غير مسلمين 98 % منها.
وقالت إن أسوأ الحوادث هي في عام 2011 عندما قتل اندريد بريفيك في النرويج 77 شخص في مخيم للمهاجرين، احتجاجاً على السماح للمسلمين بالهجرة.
في عام 2014 أصدرت جامعة نورث كاليفورنيا دراسة أظهرت أن عدد ضحايا هجمات ارهابية لمسلمين بعد تفجيرات نيويورك خلال الثلاثة عشر عاما المنصرمة بلغ 37 شخصاً، في حين قتل ارهابيون غير مسلمين خلال الفترة ذاتها 190 الف شخص.
مع كل هذه الأرقام الدامغة، التي تبين ضآلة حجم الإرهاب المنسوب الى المسلمين، تجد المنافقين من بيننا ممن يحاربون الإسلام، يستعملون الذريعة الساقطة إياها: محاربة الإرهاب.
الإرهاب بمفهومه الحقيقي ظلم الآخرين وسلبهم حقوقهم، وما يتم عل يد إسلاميين هو 2 %، إنما أقصى ظلم هو حصر الاهتمام بأفعال هؤلاء والتغاضي عن ظلم الـ 98 % .
أعداؤنا لسنا حاليا في وضع يمكننا من وقف عدائهم، لكن من ما زال مصرا على التحدث بهذه النغمة من بيننا بعد أن انكشف زيفها، فهو ظهير لهم علينا، وغير صادق في ادعائه الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى