الحقيقة عارية

#الحقيقة_عارية

د. #هاشم_غرايبه

طوال القرن المنصرم، ظلت الأنظمة العربية تحاول إقناع شعوبها بصوابية منهجها في التبعية لأمريكا زعيمة الغرب، وتسمي هذه العلاقة الآثمة بالتحالف أو الصداقة، مع أن المسمى الحقيقي للعلاقة بين الغالب والمغلوب، أو القوي والضعيف لا يمكن أن تكون تحالفا متوازنا أو تعاونا بين ندّين، بل هي املاءات من الأقوى، وانصياع من الأضعف.
ولكي تتقبل الجماهير الغفورة هذا الوضع الذي ينقض الاستقلال المزعوم، ظلت أبواق هذه الأنظمة تردد مقولات تنفي عن القوة الأعظم التحيز للعدو، فتحيل القرارات المغرقة في التحيز الى عدم فهم حقيقة الأوضاع، والاعتقاد بأن العرب يبيتون النية للقضاء على الكيان اللقيط الذي استولى على فلسطين، أو على الأقل لاستعادة القدس (على أساس أنها تعتبر في القانون الدولي أرضا محتلة)، لذلك فهذه الأنظمة تحاول أن تطمئن الغرب أنها تتقبل وجود هذا الكيان ولا تنوي القضاء عليه، واعتنقت فكرة ان السلام خيارها الوحيد، ولن تلجأ الى القوة أبدا لفرض تطبيق القرارات الدولية، وبناء عليه أبرمت معاهدات سلام مع هذا الكيان لطمأنته.
هذا هو المنطق الذي حاولت الأنظمة إقناع شعوبها به، وحجتها أنها ستعيد الحقوق لأصحابها، من غير أن تتكلف كلف الحروب الباهظة.
فهل تحققت هذه الوعود أو على الأقل هل هنالك بوادر واعدة لتحقيق جزء منها؟.
إن استرجعنا التاريخ، سنجد أن زيارة السادات للقدس لم تكن أول مبادرة من هذه الأنظمة، فقد سبقها قبول عبد الناصر لمبادرة “روجرز” عام 1968 والتي تنص على تقبل الكيان اللقيط كأمر واقع مقابل اعادة الأراضي التي احتلها عام 67 ، وسبقها أيضا تقبل تقسيم فلسطين عمليا بالتزام جيش الإنقاذ العربي بالسيطرة على المناطق المخصصة للعرب، وسبقها نكوص الأنظمة عن نصرة المجاهدين في انتفاضة 1935انصياعا لبريطانيا وفرنسا.
إذا فلم تكن أمريكا بحاجة الى المزيد من التطمينات، لذلك ركنت الى عدم الحاجة لتغيير الواقع الذي يصب جميعه في صالح ترعرع هذا الكيان ونموه، ولا يحتاج أكثر من المماطلة حتى يتزود بالمهاجرين أكثر ويتمكن من التوسع.
وعلى ذلك، ولأن قرار السادات (الذي يتبناه أغلب الزعماء العرب) كان بأن تكون حرب 1973 تحريكية وآخر الحروب، فقد شعر بالإحباط لعدم استجابة أمريكا لمبادرته بإيقاف القتال عند خط بارليف لأجل طمأنتها أنه لا ينوي التحرير بل التحريك، لذلك قفز قفزته البهلوانية بزيارة السادات، كمحاولة أخيرة يائسة لتحريك المياه الراكدة، لكنها لم تحدث ما كان يأمل به، وهو إنهاء الصراع وتثبيت حدود القطاع، لأن الغرب لا يهمه موضوع الوطن القومي المزعوم، بل يريده كيانا عسكريا نشطا يهدد أمن المنطقة العربية على الدوام، ويبقيها في قلق دائم وعدم استقرار، لضمان إدامة تشرذمها وضعفها، ومنع عودتها مرة أخرى الى الدولة الإسلامية الجامعة المنيعة.
ورغم أن مسلسل التطبيع الذي هو الضامن الأهم لالتزام الأنظمة العربية بهذا الحال، مستمر ومتصاعد منذ عام 1979 ، إلا أن الغرب الطماع أبدا يطمح الى المزيد أيضا، فكلما تنازلت الأنظمة أكثر، كلما طلب المزيد.
لذلك سقط الوهم المضلل الذي كانت تشيعه الأنظمة بالوصول الى حل سلمي بناء على الشرعة الدولية، واستحالة ذلك بالتفاوض تماثل استحالة الوصول الى معاهدة صداقة وتعاون بين الذئب والحمل بالتفاوض، واعتمادا من الحمل على تأنيب الضمير من الذئب، واستجارة بأخلاق الرفق بالحيوان.
الحالة الوحيدة في هذا القرن التي كسرت هذا الواقع، كانت معركة الطوفان، إذ استنهضت قوة مكنونة كان الغرب ووكلاؤه في المنطقة يعملون جاهدين على طمسها، وهذه هي قوة العقيدة التي يعلمون حقا أنها الكاسر الوحيد القادر على صد أمواج أطماعهم.
وقدر الله توقيتها حماية لبيته الحرام من دنس المشركين، الذين كانت تفصلهم أيام عن السيطرة عليه بمسمى التطبيع، فتدخل كما تدخل أول مرة لحمايته من ابرهة.
من هنا رأينا الغرب أجمعه يهب تلك الهبة العاتية لصدها، وكانت الشراسة المبالغ بها دليلا على قناعتهم بخطورتها على كيانهم المصطنع، وشاهدنا استعراض السيرك الذي جرى في الكونجرس مؤخرا كاشفا لحقيقة نواياهم.
فهل فهمنا الآن الحقيقة، وهل أدركنا من خلال نصر الله لهذه الفئة الذي ثبت من خلال صمودهم وعدم قدرة عدوهم على النيل منهم، وهل عرفنا الوسيلة التي أرادنا الله أن نتبعها!؟.

اعلان
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى