الحقيقة العارية

#الحقيقة_العارية

د. #هاشم_غرايبه

أغلب الناس في حيرة مما يحدث في سوريا الآن، والمخلصون للأمة يريدون معرفة الحقيقة التي أضاعها ذوو الإربة والولاءات، سواء كانت تلك الولاءات لأعداء الأمة الخارجيين، أم للأنظمة المستبدة، أم اصطفافات سياسية صنعت للصد عن منهج الله.
لتبين الخيط الأبيض من الأسود في هذه الظلمة الحالكة، يجب العودة أولا الى الأساسيات في هذه القضية:
لقد عانى الشعب السوري االقمع والتنكيل وخنق الحريات من نظام الحكم البوليسي الذي أمسك بتلابيب السلطة في سوريا منذ اكثر من نصف قرن، ورغم أنه انفرد عن باقي الأنظمة العربية الأخرى بخطاب المقاومة والصمود، إلا ذلك لم يتعدّ الخطاب الإنشائي، فهو مثلها، لم يصنع نصرا واحدا، ولا حارب معركة حقيقية واحدة.
ويدرك المطلعون أن الانجازات الاقتصادية التي تحققت في سوريا خلال الفترة الماضية ما كانت إلا بفضل الشعب السوري المجتهد المكافح، والذي عرف طوال التاريخ بمهاراته وابداعاته، ومن الظلم لهم نسبتها الى النظام الحاكم، المعروف للسوريين جيدا بمدى تغلغل الفساد والمحسوبية والرشوة فيه، إضافة الى الخاوات والإتاوات التي يفرضها أزلام النظام.
لهذا كله وجد السوريون في موجة الثورات العربية فرصة سانحة للثورة عليه، وانطلقت الاحتجات من “درعا”، إلا أنها انتشرت بسرعة بالغة، فعمت كل مدينة وقرية، وهذا يدحض حجة متهميها بأنها صنيعة المستعمرين، ولجأ النظام بداية ككل الطغاة الى تبرير البطش بالمتظاهرين بأنهم (عصابات مسلحة)، لكنه لم يفلح في إطفائها، فاستخدم سلاحه المعتاد (ادعاء ممانعة الاستعمار)، فاتهم الثائرين أنهم عملاء للإستعمار ويتلقون الأوامر منه، وبتناقض فاضح، وكباقي الأنظمة التي سقطت قبله، اتهم الثائرين أنهم من الإخوان المسلمين بهدف استجداء دعم القوة العظمى الاستعمارية وحمايتها له.
بالطبع فالغرب يعرفون الحقيقة، ويعلمون حجم الإخوان وضآلة قدراتهم، التي لن يمكنها تحريك هذه الملايين، لذلك لم ينخدعوا بتضليل الأنظمة، لكن لأن مصلحة الكيان اللقيط تتحقق بضعف الأقطارالعربية ودوام فشلها، شجعوا الثورة بداية، ودعموها عن طريق ألأنظمة العميلة لتغيير النظام.
وحتى لا يصل الى الحكم إسلاميون كما حدث في مصر، ويضطروا الى ترتيب انقلاب عليه، فقد حاولوا فرض قيادة علمانية مسبقا على الثوار، ولما فشلوا انقلبوا الى تأييد بقاء النظام، فهو أضمن لمصالحهم، لذلك أوحوا الى عملائهم العرب، ليقلبوا ظهر المجن للثوار، والى الروس والإيرانيين بنجدته وانقاذه من السقوط .
هذا العرض للأحداث معروف للجميع، وقد عاصرناه، لذلك لا مجال للتشكيك فيه إلا للمزورين، لكنه ضروري لفهم الحاضر، فنار الثورة أخمد ولم يطفأ، لكن ظروف اللاعبين الخارجيين تغيرت، لذلك ثارت من جديد.
يبقى السؤال: هل نشوبها من جديد بريء وداوفعه وطنية، أم هو من فعل أصابع خارجية!؟.
الجواب الحقيقي يكشفه البحث عن المستفيد، الذي هو تحديدا القوة العظمى (الشيطان الأكبر)، وهو الوحيد الذي يمكنه التآمر.
فإن كان النظام الذي نجا من السقوط يشكل خطرا على الكيان اللقيط، أو أنه ينوي ذلك، فقد يدعو ذلك للشك في نوايا الثائرين أنهم عملاء للمستعمر، ويقصدون الفتنة لقطع الطريق على ذلك المبتغى.
لكننا لم نر أية إشارة عملية في هذا الاتجاه من ذلك النظام المثخن بالجراح، والذي لا يسيطر على أكثر من ربع البلاد، وأثخن بلده أكثر، فهو الذي استنجد بالقوى الدولية فأوقع بلده تحت سيطرتها، وهو وليس الثوار من استعان بالأقليات الطائفية ليتفتت النسيج المجتمعي، وبات أكثر من نصف شعبه قد اعتقل او قتل أو شرد، وجيشه صار بغاية الضعف، ويتلقى الضربات شبه اليومية من الكيان اللقيط، ولا يمكنه صدها ولا الرد عليها، كما أنه ملتزم بحماية حدود الكيان ولا يسمح بأي اختراق لها.
فما الذي يريده المستعمر أكثر؟، وما الحاجة لتغييره؟.
نستنتج إذاً أن الموضوع داخلي، فلا يعني إخماد الثورة بالحديد والنار انطفاء أوارها في النفوس، لكننا لأننا تعودنا تلقي المصائب من أصابع الشيطان الأكبر، فكما قال “هوشي منه”: لا بيت يدمر في العالم ولا شخص يقتل إلا كان لذلك الشيطان إصبع فيه، لذا لا يستبعد أن تعيث فسادا.
ندعو الله أن لا يدس أصابعه النجسة مرة أخرى فيفسد على الشرفاء جني ثمار تضحياتهم، وأن تعود سوريا الى أبنائها، وينالوا حقهم في الحياة الكريمة، وحريتهم في اتباع عقيدتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى