
الحقيبة المدرسية .. جبل يحمله الطفل !!
بقلم: أمير شفيق حسانين
لا تندهش من وصفي للحقيبة المدرسية بأنها جبل!! نعم هي جبل إذاما حملها ظهر طفل، رغم أن وزنها لا يتعدى بضعة كيلوجرامات! ذلك لأن الشيءيُصبح ثقيلاً إذا كان حامله أضعف منهأو أن من يحمله يُعاني الوهن والضعف، والطبيعي أن ظهر الطفل ليِن ورقيق ولا يستدعي تحميله فوق طاقته، وكذلك العمود الفقري عند أي طفل، يبدو ضعيفاً ويستدعي الرفق به.
ورغم ذلك فإن ظهرالتلميذ وعموده الفقري، يتحملان أوجاع حمل حقيبة المدرسة، التي تحوي جميع الكتب الدراسية وملحقاتها من كتب التدريبات والكراسات والكشاكيل والمصحف الشريف، وحافظة الأقلام وعلبة الألوان، وكراسة الرسم والآلة الحاسبة، وصندوق الغذاء، وأكياس العصائر والأطعمة المجففة، وزجاجة مياه للشراب، بل ربما تحوي حقيبة التلميذ المدرسية أدوات أخرى، مثل هاتف التلميذ أو جهاز التابليت الخاص به أو بعض الكتب والمذكرات الخارجية، وأحياناً التريننج الرياضي، وكرة القدم، وربما أكثر من ذلك!!
ولعلك تعجب من الدافع الذي يدفع بالتلميذ لأن يجمعكل هذه الأشياء معاً داخل حقيبته، ويحملها ذهاباً وإياباً إلى المدرسة كل يوم، علماً بأنه ليس في حاجة إلى جميعها يومياً، إلا إن كان يفعل ذلك جهلاً، لعدم إدراكه بكيفية تنظيم الحقيبة المدرسية من خلال النظر في جدول الحصص اليومي الذي بحوزته، كي يتسنى له تحضير وإحضار الكتب اللازمة فقط، بدلاً من أن يُبقِي داخل حقيبته كتب وأدوات أمس، وهي بذلك عبء ثقيل على ظهره، علاوة على إبقاء كتب الغد الذي لم يأتِ بعد، داخل حقيبته، إذن فالمطلوب من التلميذ بألا يُحضر إلا كتب يومه فقط، حتى لا يُتعب ظهره الضعيف، الذي يكاد أن ينطق شاكياً، من حجم المكتبة الضخمة التي يحملها ظهره يومياً، ويظل بسببها مُتعباً يؤاسي الشقاء والشكوى طوال العام الدراسي!!
وأحياناً أتعمد- أنا – أن أحمل أي حقيبة مدرسية، أراها كبيرة الحجم، لأختبر ثِقلها، فأفاجأ-فعلاً- بأنها ثقيلة، وهي بالطبع أثقل كثيراً على ظهرتلميذ يتراوح عمره ما بين الست سنوات وحتى العشر سنوات، ولذا فإن حتمية ضررها على عموده الفقري واردة، فتلك الحقيبة، بمثابة العدو، الذي يهدد ويتربصبصحةالتلميذ وسلامته.ولذا فإن التلميذ، عندما يصل بيته يسارع برمي حقيبته أو طرحها أرضاً من على ظهره، والعبوس يفترش وجهه من تلك الحقيبة الهائلة التي أثقلت ظهره، وعكرت صفو سعادته!!
وربما أن تلك المشكلة تظهر واضحة بصورة أكبر لدى تلاميذ الأرياف، الذين يقطعون المسافات الطويلة من قُراهم إلى القرى المجاورة سيراً على الأقدام، حراً وشتاءً، وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم، ليس أمامهم من بدُ غير ذلك، وقد اعتادوا حمل الحقائب، وقد كبتوا آلامهم وأوجاعهم، ولوأن كل أسرة نظمت حقائب أبنائها، مستعينين بجدول الحصص المدرسي، حينها سيتقلص وزن كل حقيبة، ولنيعد هناك ضرر أو أذى نخشى أن يصيب صحة أطفالنا الأبرياء.
وقد تصبح معاناة حمل حقيبة المدرسة أكبر وأفظع ألماً لو حملها التلميذ على جانب واحد من ظهره، أي إذا علقها على أحد الكتفين فقط، فهو بذلك يركِز ثقلها على ذلك الجانب، مما قد يزيد شعوره بالأوجاع.
وعندما يدق جرس الانصراف، يجري التلاميذ وحقائبهم الثقيلة على ظهورهم فيُفاجئهم الألم، وهم لا يستطيعون أن يتخلصوا من تلك الحقائب كي يستمتعوا بفرحة الجري والمرح مع بعضهم البعض، وكثير منهم يضطر لشد حقائبهم وجرها على الأرض، ليُريحوا ظهورهم من عناء حملها، ولو شيئاً من الوقت.
وكثيراً ما يقوم أولياء أمور التلاميذ بحمل حقائب أولادهم المدرسية، على ظهورهم، رحمةً وشفقةً بفلذات أكبادهم، فتجدهم يدخلون من باب المدرسة، وكأنهم هُم التلاميذ أنفسهم، فأفئدتهم فاضت حباً ورحمة بفلذات أكبادهم، فحملوا حقائبهم، فلا تتعب ظهور أبنائهم.
وأحياناً يطلب أحد المُعلمين من التلميذأن يحمل له داخل حقيبته كتاباً أو أكثر، ثم يُحضرها معه في اليوم التالي، مما يُثقل حقيبة التلميذ المسكين، الذي يلبي أمر مُعلمه، فرِحَاً راضياً، أو ربما خوفاً من بطشه.
وكثيراً ما يلجي المعلم لعقاب الطفل المشاغب أو كثير الضوضاء، بإجباره على الخروج من مقعده والوقوف بجوار باب الفصل، ثم يأمره -غاضباً – أن يحمل حقيبته من على أرضية الفصل، ثم يرفعها بذراعيه بضعاً من الوقت، كي يتألم التلميذ، ويشعر بالمهانة والذل أمام زملائه.
وإذا زاد غضب المعلم على تلميذه، أمره أن يرفع حقيبته، بذراع واحدة فقط، وإذا وصل غضب المعلم إلى ذروتهأمر تلميذه أن يقف على قدم واحدة، وهو حامل لحقيبتهبذراع واحدة، حتىيشتد الألم على التلميذ، فيبكي مستعطفاً المعلم أن يعفو عنه، ويأبى المعلم إلا بعدما يُلقن التلميذ المُذنب درساً قاسياً في احترام الحصة المدرسية، وكثيراً مايُصاب التلاميذ بأوجاع نفسيه ومعنوية، إذا ما عوقبوا بأساليب غير تربوية!َ!
مساكين هذه الأجيال لأن تصبح حقائبهم كالجبال، كان الله في عونهم، يحملون أثقالاً صِعاباً تؤذي ظهور الأصحاء منهم، فما بالكم بالمرضى والضعاف والعاجزين، فلا معلم نصوح ينصحهم ولا ولي أمر فطِنْ فيُرشدهم وينبههم فتخِفْ أثقالهم، وتصح ظهورهم وترتاح يوما ما، فيسلم أطفالنا ويسعدوا.
Amirshafik85@yahoo.com