سواليف
كتب .. شاكر جرّار
«نجيب أبو الشعر: هل لتوفيق بك أن يعلمنا عمّا أعطي لروتنبرغ من الدونمات؟
توفيق أبو الهدى: ستة آلاف دونم.
شمس الدين سامي: هل كان لهذه الأراضي أصحاب؟
توفيق أبو الهدى: هذه الأراضي من الأراضي المدورة عن السلطان عبد الحميد.
شمس الدين سامي: هل كان أحد يشغل هذه الأراضي؟
توفيق أبو الهدى: نعم كانت تؤجر لأشخاص»
هذا جزء من استجواب عضوين في المجلس التشريعي الأردني الأول لرئيس الحكومة توفيق أبو الهدى عام 1929 بخصوص بيع 6000 دونم من أراضي الباقورة للمستثمر الصهيوني بنحاس روتنبرغ، بعد أن منحته سلطة الانتداب البريطاني امتياز توليد الكهرباء عند ملتقى نهري الأردن واليرموك.
في العاشر من هذا الشهر، استعاد الأردن سيادته الكاملة على أراضي الباقورة والغمر بعد 25 عامًا من استخدام «إسرائيل» لها بموجب نظام خاص باتفاقية وادي عربة منحها الحق في ذلك. أنشأ النظام وضعًا استثنائيًا في هاتين المنطقتين، كان يُسمح بموجبه للإسرائيليين بالدخول والخروج إلى هاتين المنطقتين دون تأشيرات، وزراعة واستخدام الأراضي والمياه فيهما، وعدم تطبيق التشريعات الجمركية عليهما إضافة إلى أمور أخرى. كل هذا انتهى قبل أيام، بعدما كان الأردن قد أعلن رفضه لتجديد النظام الخاص في الباقورة والغمر، بقرار رسمي، لاقى دعمًا وترحيبًا واسعيْن عند المجتمع الأردني.
لكن الأردن، في الوقت نفسه، ضمن الحق في ما أسماه «ملكيات إسرائيلية خاصة» كانت «إسرائيل» قد ادّعت وجودها على 820 دونمًا في منطقة الباقورة. حين سُئل وزير الخارجية الأردني في المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الإثنين الماضي عن هذه الملكيات، أجاب: «اتفاقية السلام اعترفت بوجود حقوق ملكية [للإسرائيليين]، وحقوق الملكية هذه تعود إلى عام 1928، عندما منح [الانتداب البريطاني] امتياز لشركة كهرباء فلسطين محدودة الضمان [المملوكة لبنحاس روتنبرغ] وآلت بعد ذلك الملكية إلى جهات إسرائيلية. وهذا ما اعترفت به اتفاقية السلام، وهذا ما نحترمه».
في هذه المقالة، سنعود إلى عشرينيات القرن الماضي، للوقوف على قصة بيع الستة آلاف دونم من أراضي الباقورة لبنحاس روتنبرغ، كما يرويها رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى في جلسة مع المجلس التشريعي الأول عام 1929، ثم نتطرق لمسألة «الملكيات الإسرائيلية الخاصة»، ونطرح سؤال شرعية بيع روتنبرغ 6000 دونم وانتقال 820 دونمًا منها إلى«ملكيات إسرائيلية»، وكيف تعامل كل من الأردن و«إسرائيل» مع موضوع الملكيات الخاصة في سياق اتفاقية السلام.
قصة بيع الباقورة على لسان توفيق أبو الهدى
في حزيران 1929، وأثناء انعقاد الجلسة الثامنة والعشرين للمجلس التشريعي الأول، شرح رئيس الحكومة آنذاك، توفيق أبو الهدى، تفاصيل بيع أراضي الباقورة لبنحاس روتبرغ. افتتح أبو الهدى كلامه بالتأكيد على أنه لم يكن عضوًا في الحكومة التي أصدرت قانون بيع الأراضي لروتنبرغ، ولا في الحكومة التي أقرت امتيازه (حكومة حسن خالد أبو الهدى الثانية)، لكن يؤكد أنه كان على علم بتفاصيل القضية لأنه كان موظفًا رئيسيًا في الحكومة.
رد أبو الهدى على الانتقادات التي طالت حكومته، باعتبارها لم تكن مجبرة على إدخال المشروع للبلاد. حيث قال إن هذا لم يكن ممكنًا بحكم أن «الامتياز مُنح سنة 1921 أي قبل تصريح المندوب السامي في 25 أيار 1923 وقرار عصبة الأمم الذي جعل هذه البلاد تابعة لإدارة خاصة. نعم، لقد منح هذا الامتياز حينما كانت شرقي الأردن جزءًا من فلسطين»، مؤكدًا أن الجهة التي منحت الامتياز كانت سلطة الانتداب التي «كانت تملك كل شيء»، بحسبه.
بحسب أبو الهدى، كانت الحكومة في ذلك الوقت أمام خيارين: إمّا عدم الموافقة على البيع، مما يعني أن يقوم الانتداب باستملاك الأراضي مقابل تعويضات يقررها المندوب السامي، أو بيع الأراضي مقابل أثمان تقررها هي. وبحسبه فإن الحكومة لو تركت الأمر لقواعد الاستملاك لن تحصل على نصف الثمن الذي حصلت عليه بالبيع، وهو ثلاثة جنيهات للدونم الواحد. ويحاجج أبو الهدى بأن الثمن الذي بيعت فيه الأرض لروتنبرغ يعتبر مثاليًا لأرض غالبيتها العظمى (أكثر من 5000 دونم منها) بعل ولا يمكن أن تصل إليها المياه في حينه، كما يقول.
كما يذكر أبو الهدى أن الحكومة عوّضت مستأجري جزء من الأرض التي بيعت لروتنبرغ بـ80 قرشًا عن الدونم الواحد مقابل «حق الكراب»، ومنحهم أراضي دولة أخرى بدل التي بيعت.
ويشير أبو الهدى في الجلسة نفسها إلى إمكانية استعادة الحكومة، وأي حكومة لاحقة، للأراضي التي تزيد عن حاجة المشروع، ويقول «عندئذ يتسنى لمن أراد من الأهلين أن يشتري ذلك القسم الزائد (..) وإذا لم يظهر له مزاود فتأخذه الحكومة إما بالثمن الذي كانت قبضته وإما بثمن المزاد الذي سيكون حتما أقل مما دفع روتنبرغ».
أما فيما يتعلق بتسجيل بيع الـ6000 دونم، فيؤكد أبو الهدى أن البيع تم بحضور مدير تسجيل الأراضي[1] الذي ذهب لتسجيل البيع في دائرة طابو إربد باعتباره وكيلًا عن الحكومة، كما نص القانون.
من باع لمن، وهل كان البيع شرعيًا؟
نعلم اليوم، وفقًا لروايات تاريخية ومعلومات متقاطعة من أكثر من مصدر، أن روتنبرغ اشترى 6000 دونم في عشرينيات القرن الماضي من الحكومة الأردنية. ويؤكد المؤرخ الأمريكي مايكل فيشباخ في كتابه (State, Society, and Land in Jordan) أن الـ6000 دونم بيعت بـ12,965 جنيه إسترليني، معتمدًا على وثيقة رسمية صادرة عن مكتب فلسطين التابع لوزارة المستعمرات البريطانية ومبوبة تحت رقم CO 733/140.[2] وفي معاهدة السلام ادعت «إسرائيل» أن هناك 820 دونمًا من الستة آلاف هي «ملكيات إسرائيلية خاصة» وطالبت الأردن بالاعتراف بها، وهذا ما حدث فعلًا بالمعاهدة، وأكدت عليه الأردن مؤخرًا.
هناك عدة أمور تجعلنا نشكك أولًا في مدى شرعية بيع الـ6000 دونم لروتنبرغ، وثانيًا في شرعية انتقال جزء من هذه الملكية (820 دونمًا) إلى «إسرائيليين». في قانون الامتياز الذي صدر في كانون الثاني 1928، هناك عدد من المواد تؤكد أن البيع لروتنبرغ كان بموجب سلطة انتداب قوَّضت سلطة الحكومة وقدرتها على الموافقة على البيع من عدمه، وحصرت خياراتها بين أن تبيع هي أو يقوم المندوب السامي بالاستملاك. فالمواد 10 و20 من قانون الامتياز تنص على أن للمندوب السامي الحق المطلق بنزع ملكيات أي أراضي يحتاجها المشروع، وبالتالي هذا يؤكد كلام أبو الهدى بأن البلد كانت تحت استعمار لا يمنح الحكومة أي سلطة على أراضيها.
يعلق المحامي عمر العطعوط على هذا بالقول إن البيع لشركة كهرباء فلسطين كان بمثابة استملاك أو بيع جبري بمقتضى سلطة الانتداب، لا سيما في ضوء ما نصت عليه المادة 10 من اتفاقية الامتياز (قانون امتياز الكهرباء لسنة 1928) من أن المندوب السامي سيقوم بنزع ملكية أية أراضي يرفض مالكوها بيعها رضائيًا إلى روتنبرغ، مما يعني أن عملية البيع تمت أصلًا بدون توافر إرادة حرة للبائع تحت سيطرة دولة الانتداب.
أما فيما يتعلق بالـ(820) دونمًا التي طالبت «إسرائيل» الأردن في اتفاقية السلام بالاعتراف بها كـ«ملكيات إسرائيلية خاصة»، فنحن أمام فرضيتين لعملية بيع أخرى، حصل «الإسرائيليون» اليوم بموجبها على «ملكية خاصة» على هذه المساحة. الفرضية الأولى: أن روتنبرغ باعها سواء عن طريق وسطاء أو بشكل مباشر ليهود أصبحوا فيما بعد «إسرائيليين»، لأن روتنبرغ كما نعلم توفي عام 1942، أي قبل نشوء دولة الاحتلال.
وفيما يتعلق بشرعية البيع القائم على هذه الفرضية، يقول الباحث خالد الحباشنة في كتابه «العلاقات الأردنية-الإسرائيلية في ظل معاهدة السلام» إن عقد البيع يحظر على روتنبرغ بيع الأرض لأي جهة كانت، وفي حال انتقال ملكية هذه الأراضي من روتنبرغ لأي جهة، تعود ملكية هذه الأرض حكمًا للحكومة الأردنية. ويشير فيشباخ أن روتنبرغ طلب من السلطات البريطانية في القدس عام 1929 السماح له ببيع بعض الأراضي الزائدة عن حاجة المشروع ليهود والسماح لهم بالاستقرار. اعترضت حكومة شرق الأردن على ذلك وفقًا لفيشباخ الذي يؤكد أن المفوض السامي آنذاك، جون تشانسلور، أبلغ روتنبرغ في آذار 1929 إنه لا يستطيع بيع الأراضي الزائدة إلا لحكومة شرق الأردن.[3]
يؤكد العطعوط أنه وبانتهاء مدة الامتياز (70 سنة) تعود ملكية كامل الأراضي المُستملكة أو المنزوعة ملكيتها جبرًا مقابل تعويض إلى الأردن، باعتبار مشروع الامتياز هو مشروع للمنفعة العامة حسب ما نص عليه صراحةً قانون الامتياز في المادة 39 منه. إضافة إلى ذلك، يشير العطعوط إلى أن المادة 41 أيضًا حظرت على روتنبرغ التصرف بالامتياز أو بأي حق فيه دون موافقة خطية مسبقة من المندوب السامي. وعادت المادة 46 من القانون وأكدت أنه بانقضاء الامتياز تعود ملكية المشروع كاملًا الى المندوب السامي (أي إلى المملكة بعد انتهاء الانتداب).
أما الفرضية الثانية بحسب العطعوط، وهي الأكثر منطقية واتساقًا مع كلام أبو الهدى فتدعي التالي: الأرض التي يقع عليها مشروع روتنبرغ تقسم إلى قسمين، قسم شرق نهر الأردن (6000 دونم) وقسم غرب النهر ولا نعرف مساحته بالضبط. يقول أبو الهدى إن القسم الواقع غرب النهر داخل فلسطين كان قد سجل سنة 1925 باسم أهالي قرية الدلهمية، وادعى بعض أهالي القرية أن جزءًا من القسم الواقع في شرق الأردن «معدود من أراضي قريتهم أيضًا، وقد طلبوا أن يسجل لهم هذا القسم». ويشير أبو الهدى، في محضر الاستجواب المذكور سابقًا، إلى عملية بيع تمت من قبل قرية الدلهمية (حيث كانت الكثير من الملكيات في حينه، ملكيات جماعية)[4] إلى جمعية «إيكا» الصهيونية، بسعر 80 قرشًا مصريًا للدونم الواحد، قبل أن تبيع الحكومة الأردنية الـ6000 دونم لروتنبرغ بسعر ثلاثة جنيهات للدونم الواحد. ويقول أبو الهدى «أن عقد البيع الذي تم بين جمعية «إيكا» وأهالي الدلهمية كان شاملًا لهذا القسم [شرق النهر]».
ما نفهمه من شرح أبو الهدى للقضية أن جزءًا من الـ6000 دونم (وقد يكون هذا الجزء هو الـ820 دونمًا التي ادعت «إسرائيل» بوجود ملكية خاصة فيها) قد بيع مرتين، مرّة من قبل أهالي قرية الدلهمية إلى جمعية «إيكا» الصهيونية، باعتباره جزءًا من قريتهم، ومرة من قبل الحكومة الأردنية لروتنبرغ باعتباره أرض خزينة أردنية وجزءًا من الـ6000 دونم. ونستدل على هذا مما قاله أبو الهدى عن قضية رفعت من قبل أهالي قرية الدلهمية أمام محكمة إربد، يطالبون فيها بثمن هذا القسم الذي باعته الحكومة لروتنبرغ، باعتباره من أراضي قريتهم.
يقول العطعوط تعقيبًا على آلية البيع هذه أنه بناء على أقوال أبو الهدى فإن الجهة التي يُدّعى أنها باعت الـ(820) دونمًا إلى الجمعية الصهيونية لم تكن تملكها أصلًا، وبالتالي فإن البيع باطل بطلانًا مُطلقًا، وهذا ثابت في محاضر المجلس التشريعي وعلى لسان أبو الهدى الذي أكد أن عقد البيع بين الأهالي وجمعية إيكا الصهيونية كان شاملًا للقسم المملوك من إمارة شرق الأردن، وليس مملوكًا من الأهالي.
الملكيات الخاصة وعملية السلام
في معاهدة السلام لم تطالب «إسرائيل» بالـ(6000) دونم أو غيرها من الملكيات اليهودية في الأردن -وهي قليلة مقارنة بالدول العربية الأخرى- والتي تسجلها الدولة الأردنية في سجلات «أملاك العدو». بل طالبت بالـ(820) دونم التي ادعت وجود «ملكيات إسرائيلية خاصة» فيها. لطالما تجنبت «إسرائيل» التفاوض الرسمي على الأملاك اليهودية في الدول العربية، وإن كانت قد تحدثت عنها كثيرًا. فقد نصت معاهدة كامب ديفيد مع مصر على تشكيل لجنة مشتركة للمطالبات الثنائية لمناقشة قضية أملاك يهود مصريين في مصر، أصبحوا لاحقًا «مواطنين إسرائيليين» وأملاك لمواطنين مصريين، في فلسطين قبل عام 1948. باستثناء بعض القضايا الفردية القليلة التي رفعها «إسرائيليون» في المحاكم المصرية للمطالبة بتعويضات عن أملاك لهم، قبل أن يصبحوا «إسرائيليين»، لم تأخذ الحكومة الإسرائيلية، كما يقول فيشباخ في كتابه «سجلات السلب»، أي إجراء علني جدي من أجل الأملاك اليهودية في مصر. ويعزو فيشباخ عدم جدية «إسرائيل» إلى رغبتها في استخدام هذا المطلب في مقابل مطالب اللاجئين الفلسطينيين، لهذا لم ترغب بأن تستهلك «رأس المال السياسي هذا، حتى يحين الوقت الذي قد تناقش فيه المطالبات الفلسطينية في المستقبل» كما يقول. كما أنها لم تكن جدية بتفعيل «لجنة المطالبات المشتركة» مع مصر، خوفًا من أن تطالب مصر بالتعويض عن النفط الذي ضخته «إسرائيل» من حقول النفط في سيناء التي احتلتها في الفترة بين عامي 1967-1975.[5] ولم تحاول «إسرائيل» تفعيل اللجنة المشتركة مع مصر إلى اليوم.
في معاهدة وادي عربة، طلبت «إسرائيل» من الأردن وبشكل واضح، الاعتراف «بملكيات إسرائيلية» في الباقورة تبلغ مساحتها 820 دونم، وهذا ما حدث، وما تم التأكيد عليه في مناقشات استرداد السيادة الأردنية على الباقورة والغمر. بالمقابل، لم تعترف «إسرائيل» بالمعاهدة بملكيات مئات الآلاف من المواطنين الأردنيين في فلسطين قبل عام 1948 فحسب، بل قام الكنيست بالمصادقة على معاهدة السلام مع الأردن بسن قانون تنفيذ المعاهدة، الذي نصت المادة (6 ب) منه على أن المواطنين الأردنيين الذين أعلنوا غائبين قبل معاهدة السلام، سيظلون مصنفين هكذا.[6] وتستخدم «إسرائيل» قانون أملاك الغائب الذي شرعته عام 1950 من أجل السيطرة على الأموال المنقولة وغير المنقولة للاجئين الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنين أردنيين. وتعرّف «إسرائيل» الغائب، أي «إنسان أو مواطن ترك البلاد بعد خطة التقسيم بتاريخ 29/11/1947، وانتقل الى دول الطوق، أو السعودية والعراق واليمن، او انتقل إلى أراض أخرى من إسرائيل لا تقع تحت سيطرتها».
احتج الأردن رسميًا على نص المادة (6 ب) من قانون تنفيذ المعاهدة، ويقول فيشباخ أن الأردن اعتبر تشريع الكنيست خرقًا للفقرة 11 ب من معاهدة السلام التي تدعو إلى إلغاء التشريعات التمييزية بين الطرفين، واستشهد الأردن بالمادة 25 التي تدعو إلى إنشاء لجنة مطالبات، لفحص المطالبات المالية. ويشير فيشباخ إلى أن الإسرائيليين أخبروا مروان المعشر، أول سفير أردني في إسرائيل، بشكل غير رسمي، أن إسرائيل ستؤجل البحث في هذه المسألة إلى المحادثات مع الفلسطينيين، كما فعلت بالحالة المصرية. ولم يتلق المعشر أي جواب رسمي من إسرائيل على رده بأن «هذه مسألة أردنية-إسرائيلية ثنائية يجب أن لا تربط بمسائل إقليمية أوسع»[7]. ويقول فيشباخ أن الإسرائيليين لم يعطوا المعشر حتى اسم ورقم هاتف يحزقيل شماش، القيّم على أموال «الغائبين» في ذلك الوقت، وطلبوا في الوقت نفسه، في زيارة لشمعون بيرس لولي العهد آنذاك، الأمير حسن، أن يكف الأردن عن إثارة هذه القضية.
منذ ذلك الحين، لم يقم الأردن، بأي إجراء رسمي بخصوص الموضوع، لكن عام 1999 قررت الحكومة الأردنية إنشاء قاعدة بيانات عن ملاك الأراضي العرب في فلسطين، باستخدام الأفلام التي اشتراها الأردن من لجنة التوفيق عام 1974، ورصدت مبلغ 200 ألف دينار لهذا الغرض. وفي عام 2001 أعلنت دائرة الأراضي انتهاء المشروع، لكن المعلومات المتضمنة في قاعدة البيانات لم تتح للعامة حتى الوقت الحالي.[8]
ختامًا، إن كان هناك جهة تقع عليها مسؤولية مصارحة الرأي العام بخصوص تفاصيل الملكيات الإسرائيلية الخاصة، ومدى شرعيتها فهي الحكومة الأردنية. كما أنها الجهة المسؤولة عن الإفصاح عن قاعدة البيانات الخاصة بأملاك الأردنيين في فلسطين. فهذه حقوق تاريخية جماعية، مرتبطة بجوهر حق العودة. لقد منحت اتفاقية وادي عربة «إسرائيل» لأول مرة اعترافًا رسميًا بملكيات خاصة «إسرائيلية» خارج أراضي دولة الاحتلال، تقدر بـ(820) دونمًا. بالمقابل، لم يستطع الأردن، وفقًا للمعاهدة، ضمان أملاك مئات آلاف المواطنين الأردنيين في فلسطين عام 1948. وإن كان يحق «لأصحاب الملكيات» الإسرائيليين استخدام هذه الأراضي في الباقورة، لم لا يحق لمئات الآلاف من المواطنين الأردنيين أن يعودوا إلى منازلهم وأراضيهم في يافا وحيفا وبيسان ويستخدموها ويزرعوها كيفما يشاؤون؟