الحسبان يكتب .. فيما تعيش اليرموك لحظات اكتمال عمرها الخمسين …تعميم رئاسي يعيد الزمن إلى البدايات

#سواليف

فيما تعيش #اليرموك لحظات اكتمال عمرها الخمسين … #تعميم_رئاسي يعيد #الزمن إلى #البدايات

د. #عبدالحكيم_الحسبان

مع ساعات الصباح الاولى من يوم أمس، تلقى العاملون في #جامعة_اليرموك وأنا من ضمنهم بريدا الكترونيا تحت عنوان تعميم ويحمل توقيع عطوفة رئيس الجامعة يقول وبالحرف: “بمقتضى أحكام التشريعات النافذة بما فيها #قانون_العقوبات لسنة( 1960 وتعديلاته، وقانون الجرائم الالكترونية رقم 7 لسنة 2023، وقانون النزاهة ومكافحة الفساد لسنة 2016 وتعديلاته)، يمنع منعا باتا تداول أو نشر اي رسائل أو محتوى الكتروني يتضمن معلومات مضللة او غير صحيحة أو مسيئة، او تنطوي على إساءة أو تشهير او إشاعات تستهدف الاضرار بسمعة الجامعة او موظفيها أو أعمالها. ويعد ذلك مخالفة قانونية تستوجب المساءلة القانونية، دون المساس بالحق في تقديم الشكاوى أو ابداء الرأي الموضوعي من خلال قنوات الجامعة الرسمية. وبناء عليه ولضمان عدم التعرض للمساءلة القانونية، برجى التبليغ عن اي مصادر أو جهات ترد منها مثل هذه الرسائل، كما تؤكد الجامعة أن الحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة يكون عبر القنوات الرسمية في الجامعة، ووفقا لأحكام قانون ضمان حق الحصول على المعلومات”. انتهى الاقتباس.
أعترف أن دفقا كبيرا من المشاعر المركبة قد سيطر على نفسي إثر قراءة محتوى البريد الالكتروني. وأن تشخيص محتوى تلك الكتلة من المشاعر لم يكن يسيرا على الاطلاق. فمشاعر الغضب اختلطت بمشاعر الاحباط، والخذلان، والاستهجان، والحزن واستطرادا اليأس. وأما مبعث هذا الخليط من تلك المشاعر فبعضه يتعلق بالسياق الذي تلقى العاملون فيه هذا الكتاب، ويتعلق بعضه الاخر بالشكل الذي جاء به الكتاب، كما يتعلق بعضه الاخر بالمحتوى والمضامين الخطيرة التي تضمنها الكتاب، في حين يتعلق بعضه الاخربالتوقيت والظرف الزمني الذي تمت فيه صياغة هذا الكتاب. وكلها لا بد وأن تثير أكبر قدر من السخط والحزن والشعور بالخذلان واليأس والاستهجان.
ففيما يتصل بالسياق جاء الكتاب صادما بل وخارج السياق تماما. ففي حين تعيش الجامعة الاشهر الاخيرة لتحتفي باكتمال العام الخمسين على تأسيسها لتكون الجامعة الوطنية الاردنية الثانية على مستوى البلاد بعد الجامعة الاردنية. وبدلا من أن تعيش الجامعة مناسبة اكتمال العمر الخمسين لها وهي تعلن عن حزمة من القرارات والاعلانات تعكس قوة البنيان العفي الذي شيدته قياداتها بدءا من عدنان بدران المؤسس مرورا بعلي محافظة وفايز الخصاونة ومحمد ابوقديس وعبدالله الموسى(مع حفظ الالقاب) جنبا الى جنب مع قيادات الصف الثاني وجموع العاملين اكاديميين واداريين وطلبة، كما تعكس ما راكمته الجامعةعلى مدى خمسين عاما من علم، ومعرفة، وتأثير، وسمعة، وخبرة، جاء التعميم ليقول أننا لم نبلغ من العمر خمسين ربيعا، وان المؤسسة ما زالت في طور التأسيس وهي ما زالت في معركة ضبط السلوك غير السوي لدى العاملين فيها. والحال، فإن ثمة شعور طاغ لدى كثير من العاملين في الجامعة أن إغراق الجامعة بسلسلة متلاحقة من الازمات، ما هي الا هندسة متعمدة وذكية تهدف لقتل هذا المشروع الوطني الذي وبدلا من يحتفي بعيده الخمسين وهو مزهوا بتراكم البنيان والعافية، فانه يدخلها وهو منهك وغارق في المديونية والازمات، وبما يمهد الطريق أمام فرقة من شياطين النيوليبرالية.
وفيما يتصل بالسياق أيضا، فقد جاء الكتاب صادما . ففي حين تعيش الجامعة منذ سنوات سياق أزمة مديونية فلكية طاحنة تقول التقديرات الموثوقة أنها بلغت حتى الان ما يصل إلى ضعفي موازنتها السنوية، كما تعيش سياقا من تراكم هواجس القلق لدى العاملين في الجامعة بشأن قدرة الجامعة على دفع ما يترتب عليها من مستحقات مكافآت نهاية الخدمة وإذ يعيش العاملون على تواتر القصص اليومية عن زملاء لهم يصل عددهم الى نحو مئة، ممن انهى بعضهم خدمته منذ اكثر من عامين وباتوا يطرقون ابواب الجامعة طوال الوقت على أمل الحصول على حقوقهم المالية. ناهيك عن سياق من التوترات والازمات التي تضرب في كل ركن من أركان الجامعة. والحال، أنه وفي سياقات كهذه كان العاملون يتوقعون أخبارا وقرارات تحمل بشرى حلول، كما تحمل قدرا من الضوء الذي يبشر بالخروج من نهاية النفق. ولكن وبدلا من الاخبار والقرارات التي تعلن عن حلول مالية والتي تبدد القلق وتجتث عوامل التوتر والقلق، فوجئ العاملون بتعميم لا يتسق مع السياق ولا ينسجم معه، بل جاء ليزيد من حال القلق والتوتر الذي يسود. مادة مكتوبة تحمل اسم تعميم هي اصلا غريبة عن لغة عالم الاكاديميا، تحشد في بضعة اسطر أسماء كل قوانين العقوبات في البلاد بهدف الاخافة والتخويف بل والترويع، وهي لغة يأنف حتى رجل السياسة أو الامن من التلفظ بها بهذا الشكل الفج والصارخ.
واما فيما يتصل بالشكل فقد كان الكتاب التعميم غرييا ولا ينتمي مطلقا للتقاليد المتبعة في مراسلات الجامعة، فقد خلا الكتاب من تحديد تاريخ لتوقيعه او صدوره، كما خلا من توثيق للصادر والوارد فيه، والانكى أن الذي جعل التعميم لا يشبه كل التعميمات التي اعتادت الجامعة عليها هو غياب من يخاطبه هذا التعميم. فلم يرد في الكتاب اسم لعميد جرت مخاطبته أو مدير لمركز أو تحديد لجمهور العاملين في الجامعة. بل يمكن القول أن الكتاب وبالشكل الذي جرى تعميمه لا يخاطب العاملين في الجامعة تحديدا بل يمكن لاي شخص يسكن البادية الاردنية في الصفاوي أو صبحا وصبحية أن يفهم ان الكتاب يخاطبه، كما يمكن لاي اردني يمضي اياما سعيدة في باريس او جنيف أن يعتقد ان الكتاب يخاطبه.
وعل صعيد محتوى التعميم، فأجزم أن عشرات المقالات الطويلة والرزينة لن تكون كافية لتفند حجم التنافر بينه وبين السياقات الاكاديمية والعلمية والاكاديمية. فالجامعات التي أسست لتكون في المقدمة على صعيد الدفع بحرية التعبير، ولتكون الرافعة الاقوى في عمليات التحديث، ولتمثل المصانع الحقيقية في انتاج العقل النقدي العلمي، ولتقبع في مقدمة من يخوضون المعارك في خلق الحيز العام وفي توسيعه وتطويره، لا يمكن لها أن تكون أبدا سعيدة بتعميم يخاطب جمهورا واسعا من الاكاديميين مستحضرا ترسانة مرعبة من اسماء القوانين التي تعاقب وتجرم وتسجن. والتعميم الذي يصدر ويحمل شعار جامعة مهددا بتفعيل قانون الجرائم الالكترونية يضع الجامعة في ورطة كبيرة وهي التي يفترض منطق الاشياء فيها أن تكون على رأس من ينافحون ويناضلون ضد كل قوانين مقيدة لحريات التعبير وأبداء الرأي، كما يفترض منطق الاشياء فيها أن تكون حرية التعبير والرأي جزءا من كل ملفات التقدم للتصنيفات العالمية والاعتمادات الدولية التي تباهي ادارات الجامعة المتعاقبة أنها تحرز تقدما تلوا الاخر على صعيدها.
وفيما يتصل بالتوقيت والظرف الزمني، فان التعميم جاء أيضا صادما. فبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من تولي عطوفة رئيس الجامعة موقعه في خضم أزمة مالية صارخة، ومطالبات ملحة من قبل الجسم الاكاديمي والاداري بالشفافية حول ملفات المديونية لجهة الحجم والاسباب والظروف، وبتشكيل لجنة تحقيق ذات صدقية تكشف للعاملين في الجامعة كما لدافغي الضرائب الاردني أحجام المديونية التي يراد لها أن تكون طلسما، كما تكشف الاسباب التي أدت ألى هذه المديونية ، وبدلا من الخروج على العاملين في الجامعة بخبر تشكيل لجنة تحقيق في أساب المديونية، جاء التعميم صادما ومثيرا للاستغرب والاستهجان.
وصول التعميم للناس جاء ليقول أن لا خطط مالية في الجعبة والافق وخذوا بدلا منها هذا التعميم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى